مقاضاة أمريكا - سعد بن عيسى الباتني
--------------------------------- إن كون الذين يبيعون الذهب و الفضة و البترول و النحاس و القطن و غيرها من المنتجات بالعملات النقدية ينفقون ما تم بيعه من منتجاتهم عندما ينفقون نقودهم ، و كون الذين يقومون بصك النقود لا ينفقون ذهبهم الاحتياطي الذي صكوا مقابله تلك النقود ، وكونهم يحصلون بعملاتهم عندما ينفقونها على منتجات غيرهم مجانا ، و بالتقدير الصحيح يحصلون عليها بقيمة ما طبعوا به تلك النقود فقط ، و لا يحصلون على ثروات و منتجات الشعوب عن طريق المقايضة الشرعية التي تتم يدا بيد بالعملة و ما يقابلها من الذهب في نفس الوقت. إن كون الولايات المتحدة الأمريكية هي مبتدعة التعامل بالعملات الورقية فقط دون دفع مقابلها من الذهب للذين يبيعون منتجاتهم ، الشيء الذي يعني عدم مقايضتها ، ويعني بخسها ، بل يعني سرقتها لثروات ومنتجات الدول و العالم بمجرد ما صكت به تلك العملة المصنوعة من أبخس المنتجات يستوجب مقاضاتها قصد دفع قيمة كل ما حصلت عليه من منتجات العالم ذهبا و ليس نقودا فقط ، و حسب قيمة العملة في كل مرة وكل زمن لكون قيمة العملة تتغير كلما تم صك المزيد من النقود . إن شراء الثروات والمنتجات من كل أنحاء العالم دون دفع مقابلها ذهبا هو بخس و سرقة متعمدة لثروات الشعوب . إن المبخسين و لصوص ثروات و منتجات الشعوب المرهقة بالعمل لا يقيِّمون الثروات و المنتجات بقيمتها المستحقة الشيء الذي يسمح لهم بتبذيرها وعدم المحافظة عليها لصالح الأجيال القادمة ، و يسمح لهم بتحويلها إلى أسلحة و سموم ومخدرات لقتل الشعوب بها ، أو لاستغفالهم عن كشف ما يمارسونه من سلب و نهب . إن ما يجب مقاضاة أمريكا على استرجاعه ليس ما حصلت عليه من الثروات بالعملة فقط بل يجب تدفيعُها أيضا قيمة ما حصلت عليه مقابل الربا والأرباح النقدية لأن ذلك الربا و تلك الأرباح حصلت أيضا بقيمتها على منتجات يتوجب على أمريكا دفع مقابلها ذهبا . إن الناس لا يقدرون ما ينتج من خسائر عالمية للمنتجين الذين يبيعون منتجاتهم بمجرد العملات النقدية ، و لا يقدرون قيمة الغنائم التي يحصل عليها الذين ينفقون العملات الورقية فقط و لا ينفقون الذهب و الفضة . إن التعامل بالعملات النقدية يبدو في نظر الناس و خاصة المتقاضين للأجور النقدية عاديا و طبيعيا ، و لكنهم لا يقدرون خسائر المنتجين و نفقات الإنتاج و الأتعاب المستمرة التي لا راحة فيها و لا تقاعد لأن الراحة و التقاعد يعنيان بالنسبة للمنتجين تعطيل الإنتاج و الصيام عن الأكل و الشرب . وإن الناس لا يقدرون بأن هذه العملات التي تَشتَري مجانا هي التي تحقق مصالح الدول و الحكام على الخصوص و هي التي تتسبب في الصراعات و الفتن و الإرهاب والحروب المحلية و العالمية . إن الدول في عصرنا هذا تنشأ بالعملات النقدية و لا تنشأ بالذهب و سائر المنتجات التي يجود الله بها على الدول كما في الماضي ، وإن من لا عملة له لا دولة له في الأصل ، و إنه من خلال هذا المفهوم نعلم أن إسرائيل دولة موجودة فعلا بينما دولة فلسطين لا وجود لها ، لقد أصبحت أمريكا مبتدعة التعامل بالعملات النقدية دون دفع الذهـب هي التي تسمح بنشأة الدول بالعملات النقدية و هي التي تمنع نشأتها بحرمانها منها ، و هي التي ترفع وتخفض قيمة العملات ، و هي التي تقدر ما يجب أن تحصل عليه الدول و الأفراد من المنتجات بتلك العملات النقدية ، و هي التي تفقر الشعوب و تغني القيادات السياسية و العسكرية و تتسبب في ثورات الشعوب على الحكام و قمع الحكام للشعوب . إن إبليس يسكن في العملة الأمريكية و إن أتباعه الشياطين يسكنون في باقي عملات الدول الأخرى التي يتم إغناء و إفقار الناس بصفة عامة و المنتجين بصفة خاصة من طرف ولاة الأمور ومن طرف أمريكا و أصحاب العملات الصعبة المسيطرين على البنك العالمي و صندوق النقد . إن أمريكا لا تفقر شعوب و دول العالم فقط و لكنها تفقر حتى المنتجين و المهمشين في أمريكا نفسها خدمة لأسيادها البرجوازيين الذين تعتقد أنهم هم الذين يرزقون العالم . لقد نسوا الله فأنساهم أنفسهم . إن الناس لا يقدرون دور العملات النقدية الحديثة في تخريب العالم لأن ما تم بناؤه بواسطتها من عمارات شاهقات و ما تم إنجازه بواسطتها من الطرقات و ما توفر بواسطتها من أسلحة الدمار الشامل قد أخفى رؤية بلائها و شرها على الناس في سائر بلاد العالم . إنه عندما يصدر حكم تغريم أمريكا وجميع أصحاب العملات النقدية لقيمة المنتجات التي حصلوا عليها مجانا من ذهبهم الاحتياطي ، و يعود التعامل بين الأفراد و الدول بما يرزق الله به عباده سوف تعود الحقوق لأهلها المنتجين و للعمال الذين تبخس أجورهم و سوف يحصل البطالون و العجزة على حقوقهم و سوف يعود العدل و سوف يعود الأمن و السلام للعالم ، و سوف يصبح الله هو الذي يغني من يشاء و يفقر من يشاء و يصبح هو الرزاق الوحيد للعالم . و إن العدالة التي ستقتص من أمريكا سوف تستوجب جلد كل رجال الدين الأحبار و الرهبان و الأئمة الذين يستبيحون الشراء بالنقود فقط دون دفع قيمتها من الذهب و في الحين ، لأنهم يشاركون باستباحتهم لاستعمال العملات النقدية فقط في شراء المنتجات في أكل أموال و أرزاق الناس بالباطل . قال تبارك و تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار و الرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل و يصدون عن سبيل الله و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) الآية (34) من سورة التوبة ، و إن الصد هنا يعني الانحراف عن الصراط المستقيم و ليس التخلي عن الدين و الشعائر والعبادات ، أما الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فهم الذين يحتفظون بذهبهم الاحتياطي و لا ينفقونه في سبيل الله جنبا إلى جنب مع العملات النقدية الشيء الذين يجعل الناس كلهم متساوين في إنفاق منتجاتهم ، وليس البعض ينفق منتجاته و البعض الآخر ينفق قيمتها النقدية فقط . إن الحسابات الصحيحة هي التي تمتن الصداقة بين الأفراد و الشعوب وتزيل الحسد و البغضاء و الحقد من القلوب . إن أمريكا تنظر بعيون اسرائيل و لا تنظر بعيون الحق
----------------------------- باتنة في 14/12/2017