صبي و لا تقتصدي ، و كأني أحتسي نبيذا من حلمتيك يقطر ، في محراب كوني ، الغي الأبارق و الكؤوس و افرغي ، الزق في ثغري حتى يستشف لساني ما بالقعر من الندى المرحق ، و لا تسألي الأيام عن أسمائها و الأشهر ، إني خالعها قبل أن تخلعني من ديارها ، إني للحجج شراع و رياح أمضي بها ، حتى إذا تهالكت من عتي ألقيت بها ، أبلج كالبدر عند البزوغ في ليل مدلهم ، و إذا طحا النهار فراشا لقدومي ، أراهم و عين أمي شاهد كأنهم السراب اللجلج ، لقد جفا القوم منكبي ، و إني أقدر الجفا عند جهلهم ، لقد كللت من مضاضة و الكلكل ، و مديتي ، تعاف الشراب من وريد العدى ، لا يقرب قافل عقبها قطع الرؤوس النخال ، إني لا أرى على هذه الأرض سوى أوطان من مزابل البشر ، و لئن تبق مني بقية ، فما الجدوى من البقاء ، و على كتفي اهترى نعش الزمان وترهل ، و لو أصعد هرما من القبور ، لا يشفي النواح و لا العويل لساني ، و ما بالمقابر غير الأجسام الصمم، ونحن في دار المأوى نخلق فحولا نواصع ، و نجعل من الملوك في الخصام ذيل مدنس ، و نبعث الموتى يتلون من ذكرى الموت كتابا طمست أطلاله ، أنعيه لكم ، و أنعي لكم قبيلة كانت تلقن الملوك هزائما ، إن لساني لسانها ، يصون في الوجدان ما يدثر الطمسان ، و لا الأظعان تحرف بين الأجيال نقله ، إننا ببسالة الأجداد نرزق ، و الأوطان أرحام حرائر ، لا الموت يكمم زحف أقدامنا و لا الجبن يكبل ناصيتنا ادبارا ، عند ركوب الطريق ، من وطأ الأقدام يتهشم الصخر وتدوي أمامنا الوعار ، و لا عضة العتم تصدر وجودي خافتا خفيضا معبد ، عند النشوء في الولادة ، لبست الكفر ترسا من العصيان الجرجر ، و إن ظنوا أنهم بالغر قد ذروا ، إنما ذلك دلو قاصر متوهم ، كلجة تلوح منها ظلال أطلال تدوب في مارج السراب وتتبدد ، إني على مسطبة الكون قاعد، لا أغل اللسان و لا أطوي للكتاب فصاحة ، لست ذاك الوارد إلى حشد الرثاء ، أعلق على أذقان المقابر تمائم البكاء ، إني أبسط على غصن الزمان للرحيل جناحا ، و أنقر بسبحة الأديان إنسانا في الجهالة ترسب، يحيك للكون لباس حداد ، هدية ترتديه مدن الأرض أنقاضا من الدمار والخرب ، و إذا أعدمت قبل إعدام الأرض ، فإن لي نعي أعير نعله و على الذراع يلوح السحال ، و إن يذهب العز عن قوم غدر ثأر ، فإني على الدهر وضعت مضغة وشم ، ودهان الدهر من جلدي لن يترهل ، يافع يرضع مني الحلم رشدا ، إني بالوغى بكر لا غسق لي عند الشدائد و لا وقب ، نطقا يسبق المدى صياحي قبل التململ ، يضني المتلقي إيلاف التضارب ، من منا الصدى و من المصدر ، أبرق القوم بالقول الصحصح ، لقد هجد الظلم عهد الذي على الإمارة يقوم ، صفت له المساجد و الشوارع أضحت نعوشا تزن من جيف الأقدام أثقالا ، و لا ترى مشاء وقعه في المضي عصيان ، إلا أجراء القوادة الذين غصت بهم الدروب ، مذميذ في غرف الطاغوت يدعي حسن واجهة ، لئيم لا يستحي جمال الله في خلقه ، يقابل الملأ جمعة و الجحود على الجبين جاحظ ، يسوق العبيد كرها إلى اعتناق تقاليد دينه ، فرائضه من أحزاب تغلوا تطرفا في طمس المعالم ، إننا نحضن العصيان و ننضده ضم المهد للباكر من الحمل ، و لا أخشى مواعيد الحدف إن تنادي لقاء موعد ، إنما أخشى الزمان أن يخبر عني أني ذاك الجبان المستصغر ، و أنا على نواصي الخيل ذاك الوصم المحجل ، يلوح بريق وشاحه للكفيف المسمل ، إن شعري ثريا تزين السماء فوانسا ، أنشأت له من طين جسدي مشكاة فخار قد الجبال مقامها ، لن ترعب حاضري السجون إن هي تشق لنا الأبواب، إن أقدامنا قد الطود قامة و تباتا ، يقودني الزمان وإني له القائد الملجم، أن ألاقي في الولادة السادس من ملوكهم ، مجيء و المجيء على ركب الدهر حدث مقدر ، و القدر في حدوثه لا يلام ، أن ألاقي وجها كسوءة القرد لا يغطي شنيعها الذيل المقزم ، و نحط به على المسطحة كفارض من نعاج ضند تلوح في قعر الجواد المقفر ، ضامر ، صلعاء الجلد طاعن في البرص ، كعرجون لا يقوى على حمل مسند ، من وقع الجبن تحبس بالجوف ثغاء ، يخور زخة بشولة من المهلب . الاديب حسن السلموني