تنازع - المنجي حسين بنخليفة
------------------------- قال يا أيّها الحكيم: لم أعد قادرًا على حمل القلم، كلّما حاولتُ أن أطوّق به الأنامل ارتعشتْ، وانهار بانهياري، الكلمات تحاصرني، تخنقني، تبحث في داخلي للخروج عن سبيل، لكنّها عجزتْ، تحولتْ لأكوام من حجارة، أحملها فتتعبني، أحاول منها فكاكا فتخنقني، أسير فتثقل بي الخطى، أراني مرميّا على حافة طريق العابرين للحياة. هل تراني ميؤوسًا مني الشفاء؟ قال: أراك من الذين اتّخذوا الحرف سبيلا، والكلمات شراعا للوصول لشواطئ فيها الأمان، قدرٌ عليك أيّها المجبول على الكلمات أن تحمل الحرف حزنا، وتضيع آثار خطاك، وتكون جسرا للعابرين للحياة، فتحمّلْ. قال: أقدر عليّ أن أشرّع أبوابي للعابرين وتُغلق دوني الأبواب ! أأفرد أشرعتي للريح فتوصلهم لشواطئ الأمان، وأبقى أتجرّع هذا الوطن كأسا من الخوف والرعب والنسيان ! قال: اقترب مني قليلا، سأفشي لك سرّاً: كثير مثلك جاؤوا إليّ، قد اتّخذوا القلم سلاحا، والكلمات ساحة للوغى، منهم من حملتْ شواهد القبور أسماءهم، منهم من ملّتْ القضبان تشبّث أياديهم وهم ينتظرون بزوغ يوم جديد، بعثرت الكلمات أشلاء روحهم، حاولوا في كلّ حرف أن يكونوا، لكن صدى صوتهم ضاع في مدينة الصمّ والعميان. أيّها المنسيّ على صفحات حرف ملطّخ ببقايا أمنيات، اِرْمِ ذاك القلم من بين أناملك واسترح. قال: غريب قولك أيّها الحكيم، هل ترى الكون بلا قلم يصبح كونا؟ الحياة بلا مداده شبه حياة. من يدري لعلّها الكلمة لا تكون كلمة إلاّ إذا تحجّرت في رأس القلم، حتى إذا خرجت تحدث من بعد تحجّرها دويّا...