السور " العظيم ".... - عبد الكريم ساورة
------------------------------------ كم كنت حزينا عندما سمعت أنني ورثت سورا عظيما عن أجدادي ؟ وكم أحسست بالغربة عندما علمت أنه بعلو السماء وطول الحياة، ما أتفه الإرث عندما يتحول إلى سجن طويل. قصة السور، حكاية قديمة، من حكايات ألف ليلة وليلة، تراث عريق وذنب عظيم لازال يتلألأ على وجوه الشعوب العربية . عندما كنت صغيرا كنت أنام على حكايات الجدة، وهي تحكي تفاصيل الوحدة والدم والتاريخ واللغة المشتركة والتراب الذي يجب أن ندفن فيه كل أحقادنا وخلافاتنا وأنانيتنا المسمومة. لم أسمع الجدة ذات مساء نطقت بلفظ الحدود بين الإخوة. خبز واحد وشمعة واحدة ، كنا نتقاسمها في ليلة حب ونحن على طاولة الأنس نستمع إلى أغنية الحياة بكل تفاصيلها . من تسلل بالليل ورمانا بالحجارة الثقيلة حتى سقطت الشمعة واشتعلت النيران وارتفع اللهب وأوشك على حرق قصائد العشق التي كانت تجمعنا ؟ لن نظل نلعن الظلام ، فحياتنا ومستقبلنا لن يكونا على طاولة قمار يتلذذ بهما مهووسون بعقيدة الأسوار. لن نقبل بملكية السور ولا بوشمه في ذاكرة أجيالنا، إنه وهم ثقيل وخرقة مثقوبة صنعها أعداء تاريخنا الجليل. لا أعرف لماذا كلما شعرت باليأس لهذه الحواجز المخدومة، يشدني الحنين إلى الجدة وهي توصيني :" يا ولدي لا تغضب من أخيك، فالشجرة العالية لا يأكل من ثمرها أحد، اخفض جناحك له حتى ينام عليه. وتذكر أن المستقبل لا تصنعه الدسائس والحرا ئق وإنما قطرات المطر وابتسامة الأطفال وأغراس الزيتون" .