خصوصية شعر عبر التبراع من خلال
ديوان قلب شهرزاد
الدكتور محمد أزلماط
1- تمهيد:
ما جذبني في الديوان الشعري أن جادبية الجمالية و الفنية و التشكيلية تختلف عن الجاذبيات الأخرى لأنه شكل لنفسه القول الشعري الذي اسنتبط هويته و جنسيته من الشعر التبراع الذي انسلخ عن المحلية و اكتسى صبغة العالمية و ذلك نتيجة عبر تعدد و تنوع الثقافة فكون لذاته رؤيا ، تتكون في نسق من انساق العلامات اللغوية وغير اللغوية والايقونات والرموز والاشارات للتواصل، بغية ايصال البرقيات والومضات العشقية الشقية والتغزل بالرجل، حيث تنبثق من اعادة كتابة لبعض المظاهر الجوانية الوجدانية المسكوت عنها التي انتجتها احداث ووقائع ومجالات مجتمعية وفكرية، وذلك انطلاقا من خريطة عقل الشاعرة، حيث انها عادت صياغتها في دمج الشعور مع التامل الذوقي لتوليد القول الشعري عبر التبراع الذي يرى ذات الرجل فيها العالم من خلاله، ويصبح العالم مرئيا من خلال ذات الشاعرة، لكون العالم يجدد رؤية الذات، الذات تحدد منظور العشق وتمنحه صبغة عالمي عبر تناص شهرزاد انطلاقا من رؤيا، حيث لا يوجد القول الشعري بلا رؤية ولا توجد الرؤيا بلا شعور.
2- هويته وجنسية الديوان الشعري قلب شهرزاد:
ان اجناس وهويةالشعر العربي متحولة وغير ثابتة، لكونها في حالة مستمرة من التكون والتطور والتفاعل مع ذاتها ومع التفكير الزمني، منزاح عن الخطاب الشعري الحداثي، صانعة لنفسها اطارا يكمن في ما بعد الحداثة التي تحولت فيها الاجناس الادبية الى خطابات واقوال يتم ادماج فيها عناصر كل الاجناس الثقافية، حيث تناولت القدرات الانسانية والاجتماعية الرمزية لكشف لا وعي الانسان الغريزي الجنسي العاطفي الجواني الكامن في الحب والعشق وهو كثيف ومكتظ في ديوان قلب شهرزاد، ومن خلال العشق تم افراز المعاناة التي ولدت افعال حالية تتمثل في الاشتياق والحزن والحرمان والاختناق والعنف.
وعلى هذا الاساس، تكون نصوص الديوان الشعري خلخلت مجال مدلول الحب والعشق والتغزل بالرجل وقامت بتوسيعه، وتم تجميع كل نظم العلامات والرموز فيه حى اللاوعي التاريخي الاسطوري المتجلي في شخصيات الف ليلة وليلة، فوظفتها توظيفا دراميا ماساويا.
فمن خلال الغزل بالرجل، انخرطت نصوص ديوان قلب شهرزاد في نقد لاذع لاوضاع عشق الرجل وحالاته العاطفية وانفعالات الجوانية، بغية تفكيك بنى العشق الذكوري، واعادة صياغة الرؤى الغزلية والنسيب، انطلاقا من الذات الانثوية في رؤيا تتغير بتغير الزمن والظرفية المعيشية مقنعة برنين الوجدانية المتمردة المفهومة انتكاسات احباطية لا تشاطر الرومانسية التنميطية الحداثية الواردة في اشعار وفاء العمراني ومالكة العاصمي المغلفة في السرديات الكبرى، وانما خلقت لنفسها هويته وجنسية تكمن في شعر عبر التبراع.
خصوصية الذات في شعر عبر التبراع من خلال ديوا قلب شهرزاد
فشعر عبر التبراع تجربة فنية جمالية متفردة ابدعته الشاعرة فتيحة نصر، حيث تتوجه به في التغزل بالرجل الى القارئ والمجتمع بصفة عامة، ومن هنا تبدا عملية التفاعل بين الوجدان والجمعي لتوليد نوبا الانفعال بشكل لولبي ليس فيه اتباع انفعال العاطفي بالتسلسل وانما وجود تموجات ايقاعات الانفعال بين المد والجزر مما يستدعي تدفق رؤية العشق والحب الدرامية للانفعالات المتفاعلة مع الاحاسيس الواقعية المتصلة بالاحداث الادراكية المندمجة في الحقول الدلالية المتمظهرة في الحركات الوصفية للضمائر والمتكلم في النصوص الشعرية فمن خلال تولد الانفعالات التي تنتج الدهشة والفجائية.
فشعر عبر التبراع نمط يهندس حالة عشقية عميقة ودائمة نحو شخص متعلقة به المتكلمة في النصوص حيث ان شعر عبر التبراع لا يرتكز على المنولوج الداخلي العاطفي بين الشاعرة والقارئ او بين احياء الانتاج الماضي والانتاج الحاضر وانما هو تواصل وتناص وتحركات الواقع الاجتماعي العاطفي والذوقي والجنسي.
فشعر عبر التبراع هو تفاعل بين الذات والعالم الخارجي في بعد تجديد الادراك للانساق العشقية و تطوير البنيات الهندسية للنصوص شعرية التبراع الذي تقوم على الفنية و الجمالية عبر اندماج الذوات عبر التفاعل الذي يخلق " علاقة اتصال بين متواليان الجمل حيث يجمع عنا حرصا المتنافرة في قواعد تركيبية من أجل تنشيط صلاتها و ما دامت هده الأخيرة ترمي بالأساس له عن التقاطع وفق آلية علائقية يعمل القارئ على تنشيطها كما يضع التفاعل صلات قصدية بين مستويات النص التي لا تتوقف عن التنقل من وضع الى آخر ان مستويات النص تتمتع بوجود خاص لكنه يظل ناقصا لأنه يعجز عن خلق علاقة اتصال تجمع أطراف هذه المستويات و بذلك تبقى احتمالية الى أن يتذخل اجراء الادماج ليغير مجرى هده المستويات و تصحيح منتجة " (4) خصوصية التواصل و آلياته في شعر عبر التبراع من حلال ديوان قلب شهرزاد و على هذا الأساس فشعر التبراع الذي يتجسد في ديوان فلب شهرزاد فن تواصلي يبرمج تفكيرا تأمليا وجدانيا جوانيا و رؤى من خلال التجربة الذاتية النسوية نحو علاقتها بالرجل المتفاعلة مع العالم الخارجي لتحقيق الكينونة و تشكيل سلوكيات لتغيير أو تخييب أو استمالة أو استجابة أفق انتظار المجتمع . ومن أبرز وجوه هذا التحقق أن التغزل بالرجل لا تنجز هويته و كينونته الا في وجود الحرية و التساوي و غياب سلطة البطريق داخل علاقة تجسيد حضور ذات العشق الشقي انطلاقا من الوجود التاريخي عبر تناص الف ليلة و ليلة الكامن في شخصية شهرزاد لان العشق ملازم للكينونة التي تخضع للوقائع و الاحداث داخل انساق المجتمع . فشعر التبراع الذي جسده ديوان قلب شهرزاد ميال الى الابداع و التأمل الجواني في العلاقات العاطفية و الانفعالية في النصوص الشعرية للديوان لاعتبارها فعل و فاعل و مفعول قفي ذات الوقت من خلال موقعها الكامن في اللاوعي الذي يتجسد في الأحداث الذاتية التي تنصهر في الوقائع الاجتماعية و التناصات لتوليد رؤيا عشقية .
فالديوان الشعري قلب شهرزاد يترجم التجربة الشخصية التي تتضمن ما يدور داخل عقل الشاعرة و ما يحول في العالم من حولها لأن التجربة الشخصية متمايزة و متبائنة من خلال الشاعرة و الشواعر الاخريات كشاعرة أمينة حاسم و مليكة كباب و زكية المرموق و مريم الزياني الملقبة بسلام الزين لأن مداركها للعالم الذي تعيش فيه تدركه بشكل معاير لهن , لكن لكل واحدة منهى اتجاهها وقيمها ومعتقداتها في التعبير عن عمق انفعالاتها التغزلية نحو الرجل، لانها هي التي تساهم في تكوين المقدرة العقلية الخاصة بكل شاعرة.
وفي ذات السياق، فان النظم التعبيرية التي وظفتها الشاعرة في ديوانها المتمثلة في الشعور الداخلي والسمع والبصر استدعت الذكريات والتناصات لتكوين التجربة التخييلية التي يمكن استغلالها لابداع تجربة جديدة الكامنة في التغزل بالرجل وما بكابه المراة من معاناة في عشقها لاحداث التغيير الشخصي.
فالنظم التعبيرية في الديوان تشتمل على ميكانيزم تكمن في عملية هندسية تموجية بين الذوق والعقل الكامنة في التامل والوجداني والتذكر والتخيل والشعور والادراك لكونها تساهم في ضبط المشاعر والاحاسيس والسلوكيات يكون هناك عملية استقبالها المعاني والدلالات التي توضع لها ايقونات ورموز واشارات وتخزن باستخدام النظم التعبيرية .
فالشاعرة تميل الى التامل بالصورة مستعملة النظام التعبيري البصري التشكيلي وهذا لا يعني انها قامت بتشكيل نصوصها بالصور فقط، ولكن هذه الطريقة لها ارتباط بممارسة فن التشكيل الذي منحها ومكنها من وضع لغة تواصلية مع ذاته والمهيمنة على النظم التعبيرية الاخرى في اطر المجاورة والتفاعل حيث تجد الكلمات الدالة والمهيمنة ترتبط بالنظام التعبيري البصري التشكيلي ويليه نظام الحوار الداخلي الذي يستعمل كلمات شعورية ذوقية تفيض بالانفجارات العاطفية والهيجان الانفعالي.
5-خصوصية الايقاع في شعر عبر التبراع من خلال ديوا قلب شهرزاد.
وعلى اساس هذين النظامين تولد الايقاع في نصوص الديوا الناتج عن انسجام الكلمات في صياغة مسبوكة تنسجها الروابط والعلاقات القائمة "بين الاصوات التي تشكل الحروف، وكذا الاصوات التي تشكل الكلام، فالمفردة لها دور في تكوين النغمة التي تجذب المتلقي، والمفردات مجموعة الى بعضها وما ينشا بينها من علاقا لها دور كذلك في انشاء الايقاع، ومن هذه العلاقات مثلما ما يعرف قديما بالسجع والترصيع والتصريع والجناس، ويعد هذا الايقاع اكثر غموضا من الايقاع الخارجي." وهو المهيمن في نصوص ديوان قلب شهرزاد مع حضور مكونات الايقاع الخارجي لترتبط بالعشق ومعاناته والمتمثلة في المقاطع الصوتية التي تتشكل منها التفعلة باعتبارها بؤرة ايحائية تحفيزية نسقية ذات بعد تعددي خالقة لنفسها دلالة متفاعلة مع رؤيا النصوص.
والتفاعلات المهيمنة في الديوان قلب شهرزاد التي تتشكل من النواة المقطعية الصوتية التالية: (-0 فا) و (---ه فعلن)، وان مكونات التفعلات لها علاقة بالمعاناة التي تحاول الحفر في باطن الوجدان المتبلورة في واقع زمن عنيفه، فان هذه النواة التي تتشكل منها التفعيلات تصور لنا ايقاعات توترية وقلقة تهيمن عليها ذات المتكلمة في النصوص بواسطة الذوق والادراك القلبي.
والى جانب التفعلة وظفت الشاعرة الاوزان الصرفية لتخلق حركية تموجية ايقاعية تساهم في سمفونية النغمة وتوليد دلالات متعددة المعاني، لان اوزان الالفاظ يمكن اعتبارها "اينية مركبة على هيئة مخصوصة تتالف على مثالها حروف الكلمة الاصلية والزائدة، ويمكن ان ننظر اليها من جهة اخرى على انها اوزان موسيقية خاصة فان جميع الالفاظ المبنية على هيئة (فاعل) مثلا هي من وزن موسيقي واحد وكذلك ما كان منها على وزن مفعل او مفعول او فعيل او فعول او غيرها من الابنية".
ويلاحظ ان لهذه الصيغ تاثيرا في افق انتظار القارئ حيث تفاجئه وتصدمه وتجذبه وتخيبه مولدة لديه مجموعة من تداعيات في ذهنه وخاصة عند ارتدائها سمات الافعال من حيث تاثيرها في البنية الايقاعية كلية للنصوص وتمويجها واخراجها من الرتابة.
وفي ذات السياق، وردت القافية في نصوص الديوان الشعري عبارة عن نسق صوتي متنوع حيث لا تعتمد على قولب جاهزة بل كسرتها واستغلت الاصوات الموحية بمعانيها او محاكية للاحداث او للانفعالات العاطفية التي عبر عنها الشاعرة تعبيرا دراميا بواسطة صياغة مؤلفة من كلمات ليست مقلدة لاصوات المدلول وانما يوحى اليها للدلالات على الحالات الجوانية والوجدانية.
ومن جهة اخرى ان الابجدية الاملائية الواردة في نصوص الديوان تعد من الابجدية الصوتية في اللغة الشعرية لكونها تشتمل على نظام دقيق من شانه ان يمثل النطق والبعد الانفعالي لان الوحدات الايقاعية المتشكلة من الاصوات القصيرة والمتوسطة والطويلة تختزل البعد الانفعالي المتامل الذي يمتد في الوجدان وهذا راجع الى التفاعل القائم بين النغمة السريعة النابعة من الاصوات القصيرة والنغمة الوسطية المترتبة عن الاصوات المتوسطة وهي تحافظ على توازن التمويج النغمي السريع والبطيء الذي يتشكل من الاوتاد.
الخاتمــــة :
ان الديوان الشعري قلب شهرزاد ليس نمط تجريبي لمدرسة او اتجاه او مخاض للخطاب او بلورة رؤيا فلسفية وانما هو تاسيس ذاتي من ذاته تجنس في شعر عبر التبراع الذي تولد من شعر التبراع نظرا للتحول البنيوي وتبدل الجوهر للاحوال الجوانية والوجدانية وفق التحول في الذوق والادراك الشعوري، كما انه يمتع كينونيه الانطولوجية من الذاتية والوعي الذاتي للشاعرة لكونها صادقة مع انسانيتها مستقلة عن التوجهات والسلوكيات والمعتقدات وفيما يتامل عقل الشاعرة بذلك تتالم تغيب النمطية في نصوص الديوا الشعري حيث ان كل نص له شخصيته وفق ذات الشاعرة ووعيها وليس بناء على المعطيات الخارجية لان الشاعرية الابداعية تنبع من ذاتها متجاوزة البرمجة الثقافية لكونها استطاعت ابداع ما يبدعه عقل الشاعرة ومراجعة تناصتها وبنيات احالاتها لانها ركزت على اللغة الاشارية المصنوعة في المصنع الذاتي لاحداث اللذة الشعرية والتاثير الانفعالي والسلوكي في القارئ.
---------------------------------------------
الهوامش :
1 – د.نوال بنبراهيم : اثر التلقي ط 1\2015 ص 76
2 – يوسف حسن حسن حجازي : دلالة القول الشعري كلية الاداب غزة 2012 ص 144 أطروحة ماجستر في الادب و النقد
3 – محمد مبارك : فقه اللغة و خصائص العربية ص 1