مـــن أعـــلام السنـــة الشيخ العلامة حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله الجزيرة العربية مترامية الأطراف مختلفة التضاريس بين البحر والسهل والجبل والصحراء والإنسان في الجزيرة العربية يعيش بين هذه التضاريس كل حسب ما اختار له الله وكتب عليه فمنهم ابن للبحر وآخر للصحراء وآخر للجبل وابن للسهل ويطلق عليه ابن تهـــامة أو التهامــي ، وتعاقبت على الجزيرة العربية حضارات أثر حضارات متباعدة طوراً وأطوار آخرى متتابعة ، وأرسل الله أنبيائه الى تلك الأقوام التي تقطنها ، وقــــد جـــاء إليها إبراهيم عليه السلام بزوجه هاجر أم اسماعيل عليه السلام إلى مكة في جوار البيت الحرام بأمر الله ومكث أهل مكة على دين إبراهيم ما شاء الله ثم بدل وغير لهم عمرو بن لحي للناس دينهم . فأرسل الله خاتم النبيين محمد بن عبدالله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم فآمن به أهل مكة والمدينة وعامة العرب من سكان الجزيرة قبل وفاته صلى الله عليه وسلم وبعض الأفراد من خارجها . وظهر العلماء من الصحابة يعلمون الناس دين الله ثم التابعين وتابعيهم وفي كل مصر وقطر يُظهر الله للناس علماء يعلمون الناس دينهم ويحكمون به بينهم فالدين عبادة وحياة وعطاء وفي العصر الحديث ظهر أحد رجــــالات العلم الشرعي والأدب من أبناء الجزيرة والمملكة العربية السعودية عالي الأرومة جهبذ في العلم ، سريع الحفظ والبديهة ، حاد الذكاء صاحب توضع جم وخلق حسن ، أنه العلامة الشيخ حافظ بن أحمد بن علي الحكمي رحمه الله . أحد علماء المملكة العربية السعودية السلفيين صاحب علم وورع وتقوى ومخافة مــــن الله والعلامة الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي علم من أعـــلام منطقة تهامــة جنوب اللمملكـــة . والحكمي قبيلة : تنسب إلى الحكم بن سعد العشير بطـــن من بطــون { مذحج } من كهلان ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، القبيلة اليمانية الضــــاربة في جذور العــــراقــة ولد الشيخ حافظ الحكمي في 24 / 9 / 1342 هـ بقرية السلام التابعة للمضايا في منطقة جازان الواقعة جنوب المملكة العربية السعودية على ساحل البحر الأحمر . وقد انتقلت الأسرة إلى قرية { الجاضع } وبها رعى الغنم لوالده مع أخيه الأكبر محمد قبل ان يذهب الى المدرسة وهو شأن كل الغلمان في مثل سنه في تلك الحقبة الزمنية . وما إن بلغ السن السابعة من عمره أدخله والده مع شقيقه الأكبر محمد إلى مــدرســة الجاضـع ليتعلم القرآن الكريم والحديث والفقه والفرائض والتفسير والتوحيد فبرع فيها وحفظ مع أخيه القرآن والكتب الحديث والكتب الشرعية . وفي مطلع سنة / 1358 هــ قد من نجــد الشيخ الداعية عبدالله بن محمد بن حمد القرعاوي إلى منطقة تهامة في عسير وجازان وهو أحد رجالات الدولة السعودية فساعد وساهم علــــى نشر العلم بإقامة الكتاتيب والمدارس التي تستطيع أن تساهم في تعليم ابناء الناس العلم الشــرعي وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة التي كانت تنتشر بين الناس بالدروس التي كان يلقيها عليهم وفي عام / 1359 هـ انتقل الشيــخ عبدالله بن محمد القرعاوي إلـى قرية الجـــاضع فألقى فيها بعض دروسه العلمية على مجموعة من شيوخ وشباب القرية وكان من بينهم حافظ الحكمــي وأخيه الأكبر ، فكان حافظاً أصغرهم سناً وأسرعهم حفظاً واستيعاباً لما يلقي الشيخ القرعاوي يقول الشيخ عبدالله القرعاوي رحمه الله : " وهكذا جلست عدة أيام في الجاضع وحافظ يأخذ الدروس وإن فاته شيء نقله من زملائه فهو على اسمه حافظ يحفظ بقلبه وخطه ، والطلبة الكبار كانوا يراجعونه في كل ما يشكل عليهم في المعنى والكتابة ، لأني كنت أملـــي عليهم إملاءً ثم أشرحه لهــم " وهذه الرسالة كانت مكتوبة في يوميات الشيخ القرعاوي كمـــا قال حفيده الدكتور أحمد بن حافظ الحكمي فالشيخ القرعاوي جده لأمه . وعاد الشيخ القرعاوي إلى مدينة سامطة وجعلها مقراً له ومركزاً لنشاطه الدعوي في تلك القرى التابعة لها ، وقد كان حافظاً وأخيه محمد يذهبا إلى سامطة لدى الشيخ ثلاثة أيام في الأسبوع فيملي عليهما الدروس ثم يعودا إلى القرية . وقد اصاب حافظ وأخيه محمد اليتم باكراً فقد توفيت والدتها في شهر رجب سنة / 1360 هـ وتوفي الوالدهما وهو عائد من فريضة الحج في نفس العام . فتفرغ حافظ للدراسة والتحصيل ولازم شيخه ملازمة دائمة يقرأ عليه ويسمع منه العلم فكان حافظ في كل دراساته على يد شيخه مبرزاً ونابغة ، فأثمر في العلم بسرعة فائقة وأجاد قول الشعر والنثر معاً ، وهنا بدأ رحلة الكتابة والتأليف ، ولقد كان كما قال عنه شيخه : " لم يكن له نظير في التحصيل والتأليف والتعليم والإدارة في وقت قصير " . وفي سن التاسعة عشرة من عمره طلب منه شيخه القرعاوي أن يؤلف كتاباً في التوحيد يشتمل على عقيدة السلف الصالح ويكون نظماً ليسهل حفظه على الطلاب . ويعد بمثابة اختبار له يدل على القدر الذي استفاده من قراءاته وتحصيله العلمي وهنا ظهرت عبقرية حافظ فصنف منظومته { سلم الوصول إلى علم الأصول } في التوحيد والتي انتهــى منها سنة / 1362 هـ وقد لاقت استحسان شيخه والعلماء المعاصرين له . { وسلم الوصول إلى علم الأصول } هو أرجوزة شعرية في أصول الدين طبعت بمكة المكرمة وهي أول ما ألف الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله وقد كان مطلعها : أبدأ باســـم الله مستعينـــاً راضٍ بــه مـــدبراً معينــا وهنا ظهرت معجزة حافظ وتفتق العلم من جوانب فكره المتقد فألقى الدروس على زملائـه ثم ما لبث غير يسير حتى عينه الشيخ القرعاوي مديراً لمدرسة سامطة التي افتتحها الشيخ والأشراف على مدارس القرى المجاورة لها . واتسعت مدارس الشيخ القرعاوي في منطقتي جازان وعسير فعين القرعاوي تلميذه النجيب الشيخ حافظ الحكمي مساعداً له يتولى الإشراف على سير التعليم والأمور الإدارية لها . ومضى الشيخ حافظ الحكمي يؤدي واجباته الوطنية في سبيل النهوض بأبناء وطنه ، ليرفع من مستواهم الثقافي والعلمي والاجتماعي . وفي سنة 1373 هـ عين مديراً للثانوية التي افتتحتها وزارة المعارف في جازان . وفي سنة 1374 هـ عين مديراً للمعهد العلمي ، ومع هذا كان الشيخ حافظ يلقي محاضراته ويهتم بالتأليف فأليف كتاب{ معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول }في التوحيد وهو شرح مطول لكتابه ( سلم الوصول ) ويقع في مجلدين ويعد من أهم ما أليف الشيح حافظ وقد دأبت الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية ولإفتــاء في المملكــة علـــى توزيعه على الدارسين والقضاة لحسن طرحه وعرضه وتبويبه طبع بمصر . وكتاب أعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة وهو كتاب مؤلف من السؤال والجواب في العقيدة وطبع بمكة ، وكتاب { الجوهرة الفريدة في تحقيق العقيدة} منظومة دالية الحمـــد لله لا يحصى له عدد ولا يحيط به الأقلام والمــدد وكتاب { دليل أرباب الفلاح لتحقيق فن الاصطلاح } في مصطلح الحديث وكتاب { اللؤلؤ المكنون في أحوال الأسانيد والمتون } وكتاب { السبل السوية لفقه السنن المروية } في الفقه وكتاب { وسيلة الحصول إلى مهمات الأصول } يقع في ( 650) بيتاً في الفقه . ومنظومة متن لامية المنسوخ وكتاب { النور الفائض من شمس الوحي في علم الفرائض } . وألف الشيخ حافظ الحكمي في التاريخ والسيرة النبوية : نيل السول من تاريخ الأمم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم منظومة تاريخية في (950) بيتــاً مطلعها : الحمـــد لله المهيمن الأحــــد باري البرايا الواحد الفرد الصمد وأرجوزة نصيحة الإخوان المشهورة { القاتية } وقد رد علها أحد علماء اليمن طبعا معاً . والمنظومة الميمية في الوصايا ولآداب العلمية للحث على طلب العلم الشرعي ، وقد طبعت جميع كتب الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله على نفقة الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله في مطابع البلاد السعودية بمكة المكرمة . وللشيخ حافظ رحمه الله بعض الرسائل والمنظومات المخطوطة التي لم تطبع لدى ولده الدكتور أحمد بن حافظ الحكمي حفظه الله في مكتبته العامرة . ومن هذه المؤلفات التي لم تطبع : ـ مفتاح دار السلام ، بتحقيق شهادتي الإسلام. ـ مجموعة خطب للجُمع والمناسبات الدينية. ـ شرح الورقات ، في أصول الفقه لأبي المعالي الجويني . ـ همزة الإصلاح ، في تشجيع الإسلام وأهله ، والتمسك كل التمسك بأساسه وأصله . وكانت وفاة الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في يوم السبت الثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة /1377 هـ بمكة المكرمة بعد أداء مناسك الحج ودفن بها رحمه الله رحمة واسعة . وقد رثاه عدد من الشعراء ومنهم الشيخ الدكتور زاهر بن عواض الألمعي حفظه الله فقال : لقد دوى على المخـلاف صـوت نعــى النحرير عالمها الهمامــا تفجعت الجنــوب وساكنــــوهــا علــى بدر بها يمحــو الظلامــا وذاعت في الدنا صيحات خطب فهزت مــن فجائعها الأنـــامــــا أحـافـــظ كـــنت للعليــاء قطبـــاً وللإسلام طـــوداً لا يســــامـــى وبحــراً في العلــوم بعيد غــور كثير النفــع قـــواماً إمــــامـــــا ومــــــا متـــم فمنهجكــم منــار يضـــيء دروبنـــا وبهــا أقـامـا ورثاه أيضاً الأستاذ إبراهيم بن حسن الشعبي فقال : توفــــى حــافظ ركــــــن البلاد وخلف حسرة لــي في فــؤاد وقد ضاقت علي الأرض ذرعا بما رحبت ولـم تسع البـوادي لقد كنت المقـــدم فـــي المزايا من الخيرات يا قطب النوادي يقول عن حافظ رفيق دربه وسابقه في بطن أمه رحمها الله وحضيه في الشرف والنسب شقيقه الأكبر محمد بن أحمد الحكمي : " كانت مجالسه دائماً عامرة بالدرس والمذاكرة وتحصيل العلم ، تغص بطلابه في البيت والمسجد والمدرسة لا يمـــل حديثه ولا يســأم جليسه ، وكن جل أوقاته ملازماً لتلاوة القرآن الكريم ، ومطالعة الكتب " . ويقول الدكتور أحمد بن حافظ الحكمي حفظه الله : " أن معظــم كتب والده الشيخ حافظ عرضت على فضيلة العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية آنذاك فاستحسنها واستجادها وأشار على الحكومة بطباعتها وتوزيعها حتى يستفيد منها الخاصة والعامة على سواء لما فيها من فوائد جمة " . الأديب الشاعر / يزيـــد بن رزيــق ..