( شذرات من السيرة النبوية المعطرة ) بمناسبة عيد الضحى المبارك ( قصة نبي الله ابراهيم وابنه اسماعيل وبناء البيت العتيق ) بقلم د فالح الكيلاني النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم هو الشخصية العظيمة والفريدة في التاريخ والكتابة فيها لا تنضب ولا تنتهي انما معادا او مكرورا لما دونه اولئك الافذاذ من علماء الحديث والتاريخ والتراجم وغيرهم منذ القدم وقد كتبت فيه ملايين الكتب والدراسات واسال الله تعالى ان يجعل كتابتي فيه بعضا من وفاء لما اسداه للبشرية من نور الايمان والاسلام . كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يمتاز بكمال الاخلاق الحميدة وتمام الخلق العظيم قال تعالى : ( وانك لعلى خلق عظيم) سورة القلم – 4 وكان خاتم الانبياء المرسلين الا ان رسالته كانت افضل الرسالات واسناها سموا وعلوّا وهداية ورفعة وخدمة للانسانية جمعاء وان كان الانبياء والرسل من قبله قد ادوا رسالاتهم وما امرهم به الله تعالى الا انها كانت ليست مثل رسالة الحبيب المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم فقد بعثه الله تعالى رحمة للعالمين وارسله للناس جميعا فكل الرسالات التي قبله كانت دون رسالته قال الله تعالى : (.. قال عذابي اصيب به من أ شاء ورحمتي وسعت كل شيء فساكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون * الذين يتبعون النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون * قل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون * ) سورة الاعراف \ 156 - 158 فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الناس جميعا وكل الديانات والرسالات التي اتت قبله قد ا نضوت في رسالته وبامر من الله تعالى وفي هذه الاية امر من الله تعالى لجميع بني البشر من كل الملل والاديان ان يكون ايمانهم المطلق بالله تعالى وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو النبي الامي الذي يؤمن بالله تعالى وبكلماته ( القران الكريم ) وان يتبعوه ولا يتبعون غيره ابدا لعلهم الله تعالى يهديهم الى صراط مستقيم وسبيل مبين وطريق موصل الى الهداية والتقى ففي هذه الاية دعوة من الله تعالى باتباعه صلى الله عليه وسلم . واذا خلصنا – كما سلف – تبين لنا ان النبي محمد تاج البشرية وسناؤها ومصدر علمها وبهاؤها لذا يحق لاي احد ان يكتب فيه ويظهر اي نفحة من نفحات هذه الشخصية الفذة المعطرة . فاقول – وبالله التوفيق- ان الله تعالى يوم خلق السموات والارض وخلق ادم من تراب وخلق فيه نطفة طيبة زكية غرسها في صلب آدم عليه الصلاة السلام وباركها فتنقلت هذه النطفة من صلب طاهر الى صلب طاهر حتى انحدرت في صلب ابي الانبياء ابراهيم عليه السلام . اختار الله تعالى ابراهيم عليه السلام نبيا وخليلا وارسله الى الناس نبيا ورسولا فلما بدء بدعوة الناس للايمان والاسلام ارسل اليه الملك ( النمرود ) – مملكته تمتد من جنوب العراق الى وسطه بالقرب من بغداد ولا تزال اثار قصره و ملكه شاخصة تقع جنوب بغداد في منطقة يقال لها ( عكركوف ) وقد زرتها وتجولت في اثارها - وحاجه في قصة ذكرت في القران الكريم قال تعالى: ( الم تر الى الذي حاج ابراهيم في ربه ان آتاه الله الملك اذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال انا أحيي واميت قال ابراهيم فان الله ياتي بالشمس من المشرق فأ ت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين *) البقرة\ 258 ثم عاد ابراهيم عليه السلام الى بابل . وفي يوم العيد والناس مشغولون بافراحهم فيه . حطم ابراهيم عليه السلام اصنامهم وعلق الفأس التي حطم فيها الاصنام في عنق الصنم الاكبر ولما رجعوا الى اصـنامهم وجـدوها محطمة فعرفوا ان ابراهيـم عليه السلام هـو الذي قام بتحطيم اصنامهم فشكوه الى الملك النمرود فأصدر قراره باعدامه حرقا ورميا في النار على فعلته وبعد محاججته تلك . فبنوا جدارا كبيرا وجمعوا احطابا واخشابا كثيرة واوقدوها فلما استعرت رموه فيها وقيل ان ابليس اللعين حضر مع الجمهور بصفــة رجل سوي منهم وهو الــذي اشــارعليهم بذلك فأ خذ الــملك باستشارته . الا ان النار لم تحرق ابراهيم عليه السلام باذن الله تعالى - اذ حرم الله تعالى جسد ابراهيم عليها -. فخرج منها سالما و لم يحترق ولم يصبه اي اذى . قال الله تعالى: (ولقد آتينا ابراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين* اذ قال لابيه وقومه ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون * قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين * قال لقد كنتم انتم واباؤكم في ضلال مبين * قالوا أ جئتنا بالحق ام انت من اللاعبين * قال بل ربكم رب السموات والارض الذي فطرهن وانا على ذلكم من الشاهدين * وتالله لأكيدن اصنامكم بعد ان تولوا مدبرين * فجعلهم جذاذا الا كبيرا لهم لعلهم اليه يرجعون * قالوا من فعل هذا بآلهتنا انه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم * قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون* قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم ان كانوا ينطقون * فرجعوا الى انفسهم فقالوا انكم انتم الظالمون * ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون * قال أ تعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * اف لكم ولما تعبدون من دون الله افلا تعقلون * قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين * قلنا يا نار كوني برد ا وسلاما على ابراهيم * وارادوا به كيدا فجعلناهم الاخسرين *) الانبياء \51-70 وكذلك ذكر هذا الموضوع مفصلا ومكررا في سورة هود الا يات \69- 74 وسورة الصافات الايات\83-113 وسورة الذاريات الايات 24- 30 وفي مواضع اخرى . قرر ابراهيم عليه السلام الرحيل من ارض بابل فخرج مهاجرا الى ربه ومعه زوجته سارة ابنة عمه بعد ان آمنت ايمانا تاما بالله تعالى و بالاسلام – فهي على دين زوجها ابراهيم الخليل عليه السلام فكانت اول من آمن به فهي ابنة عمه وزوجته - واتجه غربا الى الشام الى ارض فلسطين ولما وصل الى ارض الملك الجبار خاف على زوجته منه - وكانت زوجته احسن النساء خلقا وكمالا وحسنا وجمالا – فقال لها : - ان علم هذا الجبار بانك زوجتي سيغلبني عليك فان سألك فاخبريه أنك اختي وانك حقا اختي في الاسلام واني لا اعلم في الارض مسلما غيري وغيرك. فلما دخل ارض الملك الجبار اخبره الناس عن قدوم رجل غريب الى مملكته قائلين له : - دخل ارضنا اليوم رجل يدعى ابراهيم و معه امراة لا تصلح الا لك ايها الملك . فارسل الملك الجبار في طلبها. فاخذوها اليه فقام ابراهيم عليه السلام الى الصلاة تضرعا الى الله تعالى. فلما دخلت اليه انبهر بها ولم يتمالك نفسه الا ان بسط يده اليها فشلت يده باذن الله تعالى وقبضت قبضة شديدة . فقال لها : - ادعي الله ان يطلق يدي. ولك الله ان لا اضرك . ففعلت فعادت يده صحيحة كما كانت فعاد لبسط يده اليها فقبضت يده مرة ثانية قبضة اشد من الاولى فكرر القول عليها قائلا : ادعي ربك ان يعيد حركة يدي ولك علي ان لا اضرك . فا نبسطت يده فعاد اليها الثالثة فقبضت يده اشد من القبضتين الاوليتين فقال لها : - ادعي الله ان يطلق يدي ولك الله علي ان لا اضرك. ففعلت فاطلقت يده فدعا بالرجل الذي جاء بها اليه فقال له: - انما جئتني بشيطان ولم تاتني بانسان فاخرجها من عندي . فخرجت من عنده بعد ان اكرمها و اعطاها ( هاجر) جارية لها فلما رآها ابراهيم عليه السلام اقبلت عليه مع جاريتها قال لها: - مهيم..؟؟؟ يعني ماذا وراءك.؟ قالت : - خيرا . ..كف الله يد الفاجر وأخدم خادما . وفي رواية اخرى وردت في صحيح البخاري : ( ان ابراهيم عليه السلام لما سئل عن سارة قال هي ا ختي ثم رجع اليها فقال لها: - لا تكذبي حديثي فاني اخبرتهم انك اختي والله ما على الارض مؤمن غيري وغيرك فانت اختي بالايمان . فارسل بها اليه فلما حضرت اليه قام اليها فقامت تتوضأ وتصلي فقالت : - اللهم ان كنت امنت بك وبرسولك واحصنت فرجي الا على زوجي فلا تسلط علي يد هذا الكافر. فضغط على الجبار حتى ركل برجله الارض فقالت:- اللهم ان يمت يقال هي قتلته . فعاد صاحيا سالما فقام اليها ثانية ففعلت مثلما فعلته في الاولى فقبض الملك الجبار فدعت الله تعالى بنفس دعائها في المرة الاولى فقام اليها الثالثة فدعت الله تعالى فقبض عن الحركة باكثر شدة ايضا فلما فكه بدعائها لله تعالى لمرة ثالثة قال لحاشيته: - والله ما ارسلتم لي الا شيطانا ارجعوها الى ابراهيم واعطوها (هاجر) . فرجعت الى ابراهيم ومعها (هاجر ) فقالت له: - اشعرت .. ان الله كبت الكافر وأخدم وليده .) ثم استوطن ابراهيم عليه السلام ارض الشام في فلسطين وكانت زوجته سارة عاقرا ولم تنجب له . فلما اعطاها الملك الجبار ( هاجر ) جارية لها وهبتها الى زوجها ابن عمها ابراهيم عليه السلام لعله ينجب منها فواقعها ابراهيم عليه السلام فحملت وولدت له ولدا اسماه ( اسماعيل ) فدبت الغيرة في نفس سارة وطلبت منه ابعادها وولدها عنها بعيدا فأمره الله تعالى ان يخرج بهاجر وولدها الى ارض مكة في الحجاز وهي ارض غير ذات زرع ولا ماء جبلية بعيدة بعيدة ليس فيها ماء ولا تنبت زرعا . يتبع من كتابي ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة -- تمهيد ) الصفحات 4- 9 اميرالبيـــــــــــــان العربي د فالح نصيف الحجية الكيلاني العراق- ديالى - بلـــــــد روز