ابن بطوطـــة من أين نبدأ حديثتا أعن الإسلام الذي جعل الناس تعبد الله وحدهُ لا شريك له أم عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحسن الدعوة إلى الله وتربية أتباعه على الجود والعطاء في سبيل دعوة الخلق إلى عبادة الخالق ، والمساواة بين الجميع على حد سواء في كل التكاليف التي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فبدأ بنفسه فدعا وصلى وصام وجاهد وحج واعتمر وتصدق وبذل كل ذلك في سبيل الله . أم نتحدث عن صحابته رضوان الله عليهم أجمعين في استجابة الدعوة والتصديق بها والبذل في سبيلها النفس والنفيس والمال والولد وكفى فخراً أن الله سبحانه رضي عنهم لحبهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم جيل تربى على يد رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، فأشرق نور الإسلام بعد الحبيب المصطفي على أيديهم في أصقاع الأرض المعمورة في فترة قصيرة من فترات الزمن الجميل . وما هي إلا برهة حتى ذاع وأنتشر في المشرقين وإذ به يقف على أسوار الصين فتعانقه وتبجيله وتنحنى أمامه بكل تواضع فيدخل عليها عن طريق التجار والرحالة المسلمين فتنطفئ نار التنين من هذه القوة الجبارة ، واستفاقة فرنسا وإذا هو على اسوار باريس بعد أن أشرق على ضواحي الأندلس فإذا فهي تصلي الفجر عن بكرة أبيها خلف أمير المؤمنين قبلتها مكة المكرمة في بلاد العرب في الجزيرة العربية . وشاع في أرجاء البلاد المسلمة الرحالة المسلمين الطوافون على البلدان الذين ساهموا في نشر الدين والعلم وتوثيق العلوم والمعرفة لدى الأمم ومن هؤلاء الرحالة ابن بطوطة . أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن محمد بن ابراهيم اللواتي الطنجي ، نسبة إلى لواته من قبائل البربر في افريقيا المعروف بابن بطوطة والملقب ( شمس الدين ) ولقب بأمير الرحالين المسلمين . ولد ابو عبدالله ابن بطوطة في طنجة من بلاد المغرب في السابع عشر من شهر رجب عـــام 703 هـ وتوفي 779 هـ وظل فيها إلى أن بلغ الثانية والعشرين من عمره . وككثير من الرحالة المسلمين نجد أن دافعه إلى الشروع في رحلاته كان هو الحج والعمرة إلى البيت الحرام ، وبعد الحج في عام ألف وثلاث مئة وخمسة وعشرين انطلق ابن بطوطة ليجوب العالم المعمور في ذلك العصر . وابن بطوطة مؤرخ وفقيه في علوم الفقه والشريعة وجغرافي وقد كان باراً بوالديه رفيقاً بهما توفيت أمه حين كان يقوم برحلة الأولى إلى الحجاز حيث انطلق من طنجة إلى مكة فجاب بلاد مراكش والجزائر وتونس وطرابلس ومصر ومن القاهرة اتجه إلى صعيد مصر قاصداً أن يبحر من ميناء {عيدان } ولكنه اضطر الى العودة الى القاهرة بسبب حرب هناك بين النوبة والمماليك فاتجه الى فلسطين فلبنان ثم سوريا ومنها إلى الحجاز وبعد أن أدى فريضة الحج لأول مرة اتجه الى العراق ومنها الى فارس ثم الأناضول ومنها عاد الى سوريا ثم الحجاز حيث حج للمرة الثانية ، وفي هذه المرة جاور البيت الحرام لمدة سنتين . ومن الحجاز قصد اليمن ومن اليمن اتجه الى افريقيا الشرقية ، ثم كرّ راجعاً الى الجنوب فوصل الى الخليج العربي حيث زار عُمان ومضيق هرمز من ناحية الشطر العربي وجزر البحــرين و الاحساء ..ثم عاد إلى الحجاز ليحج للمرة الثالثة . وقد كان ابن بطوطة محظوظاً كما نقل هو عن نفسه بحيث أنه كان يجد الكثير من الترحيب والإكرام في هذه البلدان التي يتنقل فيها ، إذ نراه قد عين قاضياً في { دلهي } الهند من قبل السلطان المسلم (محمد شاه ) ، ثم سفيراً ومندوباً مفوضاً فوق العادة عن السلطان محمد شاه لدى ملك الصين .. وكان خلال هذه الرحلات يدون مشاهداته وملاحظاته وأسماء المدن وأوصافها وفي خضم هذا العمل والرحلات المتكررة ، ففي إحداها داهمه بعض الأشرار في بلاد الهند فسلبوه ما كان يحمل ومنها مدوناته الكثيرة ، لهذا تجده يتجه الى الوصف لما عاد الى مراكش وبعد هذه الجولة الواسعة هبط الى مصر ثانية ومن ثم رجع الى فلسطين ولبنان وجبل العلويين بسوريا ثم الى الأناضول ومنها الى بلاد القرم ، وهذا يبين قصب السبق للمسلمين في أدب الرحلات والتدوين للمشاهد ووصف البلاد التي مكثوا بها أو مروا عليها . ومن حسن حظ ابن بطوطة أن رافق الأميرة اليونانية زوجة السلطان { محمد ازبك } الى القسطنطينية حيث أقام بها مدة محفوفاً برعاية السلطان محمد أزبك وعطفه . وفي هذه المرة نجده يصل الى خوارزم ومنها الى تركستان وأفغانستان والسند ثم الى الهند ونراه في دلهي يتولى القضاء للسلطان محمد شاه على المذهب المالكي كما اسلفنا ذلك . ويرأس بعثة للسلطان محمد شاه سياسية الى الصين فيصل بعدها الى ( جزر طيبة ) ثم يظهر في جزيرة سيلان ثم في المبيار والبنغال وثم في جزر الهند الصينيه < الشرقية > . وعاد الى الحجاز للحج للمرة الرابعة ثم عاد الى بلادة المغرب ماراً بمصر وتونس والجزائر إلى ان وصل فاس ولم يمكث فيها طويلا حتى رغب في الخروج في رحلة إلى بلاد الأندلــس وقد شملت سبته وجبل طارق وجزيرة ملقة وغرناطة . وأما رحلة الثالثة والأخيرة فقد شملت عدداً من البلدان غرب افريقيا ووسطها ومنها مالي وتومبوكتو وقد تنقل في البلاد الأفريقية حتى عاد الى المغرب وهناك أملى ابن بطوطة كتابه { تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار } على ابن الجزري الذي كتبه بخطه . والكتاب مازال بخط ابن الجزري محفوظاً في فرنسا في أربعة مجلدات . توفي الرحالة الأمين ابن بطوطة في طنجة عام 779 هـ في المغــرب . وقد أطلق عليه أحد المستشرقين { الرحالة الأمين } ، وقد أهتم المستشرقون برحلة ابن بطوطة فترجم كتابه إلى عدد من الغات منها الانجليزية والفرنسية والألمانية والهندية والتركية والبرتغالية ، هذه أحد أبناء الإسلام فعل كل هذه الأفاعيل والرحلات على الدواب والسفن البحرية والسير على الأقدام ، نعم الإسلام يبني الفرد والمجتمع والأمم
----------------------
الأديب / يزيد بن رزيق