احتـــلال ذاتــي كـم تعبـت مـن كثـرة اصطدامـي مـع نفسـي للحصـول علـى أقـل قـدر ممكـن مـن السعـادة، ومللـت مـن مواجهتهـا وما الذي تريـده، ومـا هـو هدفهـا التـي تنـوي تحقيقـه، ومـا الضغـوط التـي تصادفهـا لأخفـف عنها،وإلا لماذا هـذا التخبـط والحيـرة، وهـل أنا بحاجـة لأروض عقلـي وقلبـي وأنوثتي وعواطفي؟ أم علي الاعتراف بأني أعاني من جفاف داخلي مزمن؟ كنت في البداية ومنذ زمن بعيد أقوم بعتاب محبة بيني وبين قلبي، نقبت في زواياه لعلي أجد فيه أثرا لحنين ما يجعلني أقاوم، وأجدد وثيقة الأمل معه، فلم أجد فيه ما يستحق، ولم أكتشف غير قلب محطم مرتجف النبضات، مهتز المشاعر، مترنح الأحاسيس، وكل دوره هو ضخ الدم في العروق. وعندما طال بحثي وأوشك صبري على النفاذ، وجدت أن العيب في نفسي. وبدأت ابحث فيها وأتسلل إلى خباياها، والتشعب في دروبها، عسى أن أجد فيها بقايا تفاؤل، فلم أجد. وكأن نفسي قد فصلت عن قلبي، وتبرأت من أحاسيسي ومشاعري إلى الأبد. كل كياني يغوص بعيدا عن عواطفي، وما عدت أحس إلا بقلبي يعيش داخل قمقم كمارد سجين في زجاجة تسبح في قرار بحر عميق، وتحولت المعاتبة والمصارحة بالتدريج إلى معركة، ولم تصمد أمام توسلات بالاستسلام، أو عقد هدنة مؤقتة للشعور، على الأقل بالراحة. فأمنياتي أصبحت أمنيات إنسانة عاجزة، وجهي كتمثال شمع جامد، حتى الفرح لم يعد ينبع من أعماقي. كلما فكرت بفكرة جديدة تختنق قبل أن تر النور. بلغت نفسي من العمر أرذله، فأصابتني الشيخوخة في غير مقتل قبل أوانها، والعمر يجري دون أن أحقق سعادتي،وفي نفس الوقت كبريائي لا يسمح لي أن أندب حظي الكئيب، ولا أن أستعجل فرحتي المؤجلة لأجل غير مسمى. كما أني لا أمني نفسي بالوصول إلى الماء لأني أجده دائما سرابا عندما ألمسه....وقد كانت أقصى أمنياتي أن أجد من يستعمر كل كياني استعمارا إراديا ذاتيا جميلا ورائعا...استعمارا لا استقلال بعده، ولا مشاحنات فيه ولا نكد. أريد الاحتلال الشامل لكل ما أملك من أحاسيس، وبرغبتي التامة باحتلالي احتلالا كاملا دون تجزئة لكياني أو عيوبي، أو مساومة لعواطفي ورغباتي. ولكن ماذا أفعل في زمن المصالح المتبادلة، والقلوب المتغيرة، والعقول المتآمرة والنفوس المتحجرة، والعيون الشاخصة. فكيف لي أن أرسو بسفينتي على بر الأمان، وأنا محاصرة. كلما أبحرت لأنقذ نفسي تشدني دوامة جديدة لقرار أعمق من ذي قبل. حاولت أن أسبح ضد التيار، لكني تعبت، أو بالأحرى يئست ففشلت. وأفضل حل هو ألا أفكر في أي شيء. ولكني مازلت مصرة على أن أتعجب، وأتساءل... وأنتظر...وأتمنى... وأتأمل ...وأحلم مادمت أحيا...فلا أحد منا يرفض السعادة،حتى لو تنازل عن بعض طموحاته لتحقيقها. لقد مللت من مكابرة نفسي، تعبت من التشتت، وضقت من الوحدة والأحلام، ولكن مازلت أصر على أن أحلم، فمن منا يستطيع أن يعيش بدون أحلام، فهي التي تحرك مشاعرنا، وتسد نقص الحرمان الذي نعيشه، ولكن الوحدة القاتلة القابعة في أعماقي تجعلني أفكر بأشياء مجنونة، ويلبسني الخوف حتى يسري بداخلي، فمتى سيستمر صمودي؟ ومن أين أستمد قوتي؟ لماذا؟ وكيف؟ كل الاستفهامات والإشارات، وكل الكلمات تخنقني، أنا قوية صبورة، أعرف ذلك. ولكن إلى متى؟ أين ستوصلني قوتي؟ إلى القمة أم السعادة، إني خائفة من بقية ثقة أن تضيع. خائفة من المستقبل وما يحمل لي، خائفة من أن تفقد حياتي قدرتها على زرع الفرح في طريقي. إن جمبع من يحبونني وأحبهم يحيطون بي، وبالرغم من ذلك أشعر بالوحدة، وبثقل المسؤوليات على عاتقي. وكأن شرخا أصاب تفكيري يجعلني أعيش في دوامة من التردد والحيرة، أفقد فيها قدرتي على منح الدفء والحنان لكل من يحيطون بي، فانحصر حزني على ذاتي وعلى خسارتي النفسية والعاطفية والاجتماعية. حاولت أن أهزم الأيام فهزمتني. أعرف أن سعادة الإنسان من صنعه، ولكن أتخيل نفسي وأنا أحيا في عالم جديد، تكون فيه الظروف معي وليس ضدي. فالواقع عذاب أعاني منه، الحرمان يمارس طقوسه في حياتي، فيأخذ بقايا قوتي ورحيق شبابي ǃǃǃ فإلى متى أظل أقتل يومي، وأحمل أمسي على ظهري؟ وإلى متى أتحدث عن القوة وبداخلي ضعف؟ وعن سعادة وهجوم مستمر على تعاستي، حتى لا تصبح متأصلة في جذوري، وحتى لا أخوض معركة مع ذاتي وأخسرها في النهاية وأنا لا ذنب لي؟ إني لا أستطيع أن أخترق الغيب، وما علي إلا أن أتذرع بالأمل. فيجب أن أصر على وضع حد لعزلتي، فإن العزلة هي بداية النهاية للإنسان. ولأن مستقبلي معلق في سطور القدر، فلم التفكير؟ فعندما يقنع الإنسان بقدره، فإنه يرضى بآلامه ونصيبه، ومادام علام الغيوب موجودا معي، فلا بد أن أتأكد أنه سبحانه وتعالى سيختار لي الأفضل. علي أن أكون كذلك، وأستشعر ذلك. لأن الله هو العدل، هو الرحمة. لذا علي أن أضاعف دعائي، وأصدق أكثر في رجائي وتوسلاتي. ويلهج لساني بحمد الله على كرمه. علي أن أشعر بالطمأنينة، بحمد الله، لتسكن في أعماقي، وتخشع أحاسيسي وجوارحي، وترتاح نفسي، ويهدأ فؤادي، وليهرب اليأس من حياتي وتنتحـر همومي. فأنا مؤمنة بأن بعد العسر يسرا، وما بعد الضيق إلا الفرج. يا مالك الملك أنت معي، فكيف لا أشعر في أعماقي بالسكينة، وفي سكناتي بالهدوء ؟ فها أنا يا إلهي ألجأ إليك، على أعتاب بابك، وتحت جنابك. ففي ذكرك راحتي وشفائي وقوتي. يا مالك الملك إني أستودعك نفسي ومالي وديني وعرضي وعملي. فأنت خالق الكون وخالقي. إني أرتمي وأحتمي وألوذ بقوتك، على كل قوى. فأنت الغني والعليم بحالي وحاجتي إليك، فلا تتركني لعبادك. أنت معي موجود، فكيف أكون وحيدة تعيسة كئيبة؟ كيف أكون متشائمة متثاقلة متمردة؟ فلماذا أفرح إذا كسبت؟ وأحزن إذا خسرت؟ وأتألم إذا أصابني مكروه؟ ولماذا أندب حظي وألوم أيامي؟ وأسخط على سعادتي وأتبرم من حالي؟ لماذا يتملكني ضجر؟ وتغلبني الهواجس؟ فأعيش في غفلة وظلمة وذلك كله بسبب بعدي عن ذكرك . سامحني يا رب، فأنت موجود معي، فاستر علي بسترك، وارحمني فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض. فاقبل توبتي واعترافي بتقصيري. وأتوب إليك نادمة على كل قول أو عمل، أو حتى خاطر مر في بالي ولم ترض عنه. وثبت قلبي على ذكرك وجوارحي على طاعتك. وأبدل اللهم حالي لأحسن الأحوال التي ترضيك عني، ليعم النور في ظلام أعماقي. ويحل العمار في نفسي بدل الدمار. يــــــــــــــــــــــا رب ǃǃǃ الرباط في 25 ـ05ـ2000 ------------------------------ أ فتيحة نور عفراء