السيدة منى لعلمكم أيها الكرام و الكريمات سيدة و تاجرة محترفة تقطن منذ ثمانية و ثلاثين سنة حي التفاح و هو حي كثير ما تشاهد به عراك الأزواج و مع ذلك لم تبارحه لانها تهوى تفريغ الشحنات الاضافية من الضجيج في إبتكار حلول لجذب المستثمرين لمصنعها الوليد الجديد. تعمل منذ سنتين أو أكثر بقليل مع زوجها و كلبها في إستحداث تصميم يليق بغرفة إبنها المستقبلي .لا تكل إن فشلت خططها لسبب ما فكثيرا ما نراها على بركة المسبح أو تحت ظل شجرة التفاح تفكر بصمت في مشكلة أو تنتظر خبرا من مساعدتها . الكلب "بوبي" هو أيضا مقامر محترف و مغامر حيث يصعد الحائط العريض بعناد ليصل إلى الطرف المقابل من الحديقة بحثا عن رفيقته و أحيانا يترك الطعام الذي أفرطت في إعداده السيدة و يتظاهر بالكسل حتى يفلت من جو البيت الشاحب إلى المنتزه في أعلى الجبل.و لأن الحياة في معظمها سر لا يعرف موعد إنكشافه تعلمت السيدة منى أن تحافظ على رشاقة جسمها ربما في يوم من الأيام تحتاج إليه فهي الآن تواضب على صالة "الجيم" و قد نعتقد أنها كسائر النساء مريضة بوهم الوزن.المهم أنها تعرف مواعيدها منذ الصباح و لا تحتاج إلى مفكرة بل إلى جهاز "ج ب س" لتطوف في أزقة الحي القديم في المساء عندما تجد وقتا للتبضع السريع. الوقت ملك النساء كما يقولون أضف إليه ولعهن بالتنظيم لذلك يخشى زوج السيدة منى كل مرة أن يترك حنفية المطبخ تقطر إن هذا التصرف الشاذ قد يعرضه إلى لفت نظر ثم فقد أشياء حميمية أخرى أشد إيلاما. يعيش بالمنزل إذن و كما ذكرنا أربعة و المنزل عبارة عن خلية نحل مستمرة لا أحد يسهل عليه مخالفة النظام و من يسيء يتلقى عقابا مكونا من الحرمان و الحصار يودع في غرفة معزولة كالقبو و تراقب تحركاته من خلال كاميرا مثبتة في أعلى السقف و إن تمادى يلقى المقاطعة و يطرد من المنزل لمدة تحددها السيدة .أذكر كل هذه التفاصيل كما سمعتها أول مرة من أحد الرواة الموثوقين. و لكم أن تتصوروا الآن نهاية تليق بمن يجرم في سجن حي التفاح ... بعد زهاء شهرين من إنقطاعي عن الحي لأسباب لا أتذكرها الآن صادف أن تقابلت في محطة الجامعة مع قيس و هو شاب مولع بنقل الحديث دون تصرف و وصف الأحداث بحيادية تاريخية نادرة إستدعاني على فنجان قهوة فقلت له بشرط ان لا أتأخر فقال لي هازئا بطريقة مستفزة متأكد أنك ستحب التأخر .ثم عرجنا على البار القريب و الغريب أننا لم نتحدث في شيء فقد وجدت أن الوقت غير مناسب إلا لكأس نبيذ مع قليل من السمك المشوي و حفنة من المكسرات . على مهل روى لي قيس و هو خبير بالقص المستفيض .روى لي تفاصيل مدهشة عن حينا المذكور . قال لي أنه سمع إحداهن في متجر الملابس المقابل لصالة السينما تقول لأخرى فيما يشبه الوشوشة الخفيفة بأن أمها روت لها عندما كانت في بيت إحدى جاراتها سمعت زوج جارتها يتحدث في الهاتف إلى صديقه عن الكلب "بوبي" و قد وصفه بالمسكين و هذا يدل بأن العائلة السعيدة قد حدث لها شيء بالتأكيد. المهم أنني لم أتمالك نفسي و تكاثرت حولي و بداخلي الأسئلة لذلك عزمت أن أرجع للحي ربما أظفر بخبر مؤكد. طبعا الآن ستقولون إفتراضا أنني سأذهب في الصباح لأنكم لا تعرفون محدودية صبري . عندما دخلت إلى منزلنا لم أنتظر أمي فأنا أعرف بأن أمي لها متسع من الوقت قبل أن تجيب .المهم قلت لها ماذا حدث قالت لقد كان أبوك عائدا عندما عظه كلب قاطعتها فيما يشبه الإحتجاج أمي لا يهم.ماذا حدث في بيت السيدة منى في حي البرتقال قالت كأنها تصدمني دفعة واحدة لقد عض كلب السيدة أباك أنا أعرف أن الكلب قد يعض إذا كان سائبا أما بوبي فهو كلب منظم و يعيش سعيدا. إنتشلتني أمي من ضياعي و قالت لي السيدة تركت كلبها كالعادة و خرجت في مشوار و عندما رجعت وجدته قد جلب صديقته إلى الغرفة و ناما على سريرها دون مراعاة للخصوصية و برغم كونه حينما حاول الإختباء سقط من الشرفة و أغمي عليه و فقد بصره جزئيا لكن ذلك لم يشفع له فقد طردته سيدة المنزل و لم تقبل من جاء طالبا له الصفح...
فهمت بعد ذلك أن بوبي صار من الكلاب قطاع الطرق و الشوارع و الأنهج فتألمت له كثيرا و نسيت عضة أبي .طبعا إن الحياة في ظاهرها عبارة عن مدينة قاحلة من الذكريات و لهذا أنصحكم أيها الأحبة بأن لا تتذكروا عناوينكم حينما تقررون المغادرة .