دخلت نورة مكتبها بجامعة العلوم الإنسانية منهكة بعد إلقائها محاضرة حول الحضارات القديمة و الروابط المشتركة بينها على طلبتها ....
أثناء المحاضرة احتد النقاش بين الطلبة حول أهمية كل حضارة و ما قدمته للإنسانية بين مادح للحضارة الفرعونية و معجب بالحضارة البابلية و متعصب للحضارة الإسلامية و متأثر بالحضارة الإغريقية...
أرهقت نورة لإحساسها الدائم بالفشل في إقناع الطلبة بأن الحكمة من دراسة التاريخ هي الحصول على المعلومة ومعرفة الأحداث التي سبقت الفترة الزمنية التي نحياها و ليست الصراع بين الأفكار و مزيد التشتت و الخلافات....
تحولت المحاضرة الى تلاسن كالعادة و لكن هذه المرة لفتت إنتباهها مداخلة طالب حول العبرانيين و الفترة التي عاشوها في فلسطين... ذكرته نورة ان هذه الفترة لم تدم سوى سبعين سنة و هي فترة زمنية قصيرة لا يمكن أن تصنع تاريخا يذكر بالمقارنة مع حضارات أخرى دامت لقرون لكنه أصر على مدح هذه الحقبة .
واصل الطالب حديثه دون توقف ...تكلم و أضاف و أطنب الى أن تحول موضوع حديثه من تحليل لتاريخ العبرانيين الى مدح لليهود و إبراز لخصائصهم ...
وقبل أن تعلق نورة على كلام هذا الطالب الغريب رفع صوته قائلا " إن قيام دولة إسرائيل العظمى لهو مواصلة لمجد العبرانيين في فلسطين ....لقد اخترت موضوع رسالتي أستاذتي يسعدني أن تقبلي الإشراف على عملي " .
ذهلت نورة و بقيت مشدوهة....هاجت القاعة و ماجت على وقع كلام الطالب و ارتمى الطلبة لضربه و سط وابل من السباب و الشتم لليهود و لاسرائيل .... هددت نورة بطلب أمن الجامعة اذا لم يتوقف الجميع عن الفوضى التي أحدثوها داخل القاعة.....
خيم الصمت على المكان....يتبادل الطلبة نظرات حقد دفين تاريخي قديم يبعث على الشعور بالإستياء لدى نورة....
فكرت قليلا ثم قررت قبول الاشراف على رسالة الطالب الذي دافع عن إسرائيل و مدحها بكل وقاحة ...توجهت نحوه و قالت " أنا موافقة ....سأساعدك في توفير المراجع و لن أدخر جهدا في ذلك حظا موفقا " .
في الغد أفاقت نورة باكرا كعادتها ...أثناء إحتساء القهوة عاد الى ذاكرتها الطالب وموضوع رسالته الغريب ....خرجت على عجل من منزلها لتبدأ في رحلة البحث عن المراجع...
قررت أن توفر خريطة لدولة إسرائيل قبل البدء في أي عمل آخر ...توجهت الى المكتبة الوطنية، طلبت من الموظفين خريطة.
إستغربوا الأمر و لكنهم بادروا بوضع جميع الخرائط بين يديها ...دققت في الخرائط جيدا فلم تجد دولة بهذا الإسم...أدركت نورة سبب إستغراب الموظفين فتركت الخرائط جانبا و طلبت كتب التاريخ الموجودة بالمكتبة...
بحثت في الكتب جيدا لادولة بهذا الإسم....المعلومة الوحيدة التي وجدتها نورة هي أن إسرائيل هو إسم النبي يعقوب عند الله إذا لاحاجة لنا بهذا الإسم السماوي فلننادِ النبي بإسمه يعقوب و انتهى الأمر ...تركت المراجع و الخرائط و توجهت نحو الأرشيف الوطني....
عند الوصول طلبت معلومات عن إسرائيل اندهش الموظف و قال " لم أفهم مبتغاك سيدتي ما معنى إسرائيل؟" نعم ما معنى إسرائيل؟ رددت نورة مبتسمة و غادرت المكان.
دخلت نورة مكتبها في الجامعة انشغلت بترتيب الأوراق التي تملأ المكان....
قدم الطالب، ألقى التحية بكل ثقة و قال "أين المراجع؟" ردت نورة " لقد زرت المكتبة الوطنية و الأرشيف الوطني و لم أجد أي معلومة حول هذه الدولة التي تسميها إسرائيل...أنصحك بتغيير موضوع رسالتك " أجاب الطالب بتوتر " لا بل هي موجودة ...اسرائيل في التوراة في قلبي و في قلب كل يهودي"
فهمت نورة أن الطالب يهودي أصيل إحدى مناطق الجنوب فتكلمت بنبرة هادئة" لا داعي لهذا التوتر لاتوجد هذه الدولة في التوراة أو في قلوبكم إنه مجرد وهم سيطر على عقولكم...حتى الكتب المقدسة تحتاج الى المراجعة و الا جعلتنا نحيا بعقول ميتة "
أضافت نورة " إسرائيل كذبة وأنتم واهمون لا بل أنتم الوهم في حد ذاته"
غادرت المكتب و تركت الطالب وراءها كما تركت جميع الأوهام وراءها..
- تمت -