top of page
صورة الكاتبAdmin

حبيبة من ورق - بن عمارة مصطفى خالد


قفل راجعا من عمله و قد قضم النهار من جسده راحة حملها و التعب قد أتى على كله أو يكاد.بدت السماء حينها كأنها توشحت برقع عهن أسود لتحضر مأتم الشمس المدفونة تحت السحاب،و هو كعهده دائما يحمل كتابا بين يديه يلتهمه ما دامت العربة تهضم طريق رجوعه إلى البيت،كان (خالد) شخصا انطوائيا منعزلا عن المجتمع إلا من ثلة زملاء في عمله مجبرا على مخالطتهم أو من زوج بالبيت يتحدث إليها مرغما،أما جل وقته فيمضيه لمداعبة الورق بين أنامله كالقيثار في مكتب اتخذه في مكان قصي من الدار،قليل الكلام مطرق في الغالب حتى تحسب أن فاه مجرد ثغر للأكل و الشرب فحسب فلا يفتحه إلا نادرا.دخل إلى زوجه ( هند) و سلم ثم جلس إلى طاولة وضعت بالردهة ينتظر قدومها حاملة إليه صينية الشاي،و يستمع إلى دردشتها عن كل شيء و عن لا شيء،يأخذ سمعه قليل كلامها و يهمل كثيره،استأذنت منه لتعد العشاء،فأخذ كتابه من على الطاولة و اتجه إلى مكان عزلته الذي ألف،اقتعد كرسيا و طفق يقرأ في كتابه الذي بين طياته قصة رومانسية،فراح يرتل صفحات تصف جمال و سلوك ( زبيدة) متعجبا مدهوشا،حتى أخذت هذه الشخصية مكانا لها بفؤاده و مرتبة من نفسه،إذ كان يحس بها قريبة منه حتى جسدها له خياله حقيقة أمامه فصار يكلمها و يخالها تكلمه و تسمعه.و حين قدوم زوجه لتستدعيه للعشاء سمعته يتكلم،فتحت باب مكتبه فطلب منها أن تتعرف على (زبيدة)،فارتعبت و امتقع وجهها،واستطردت:"من هذه زبيدة يا رجل؟ أين هي؟ فرد:"ما بك يا امرأة؟ ألا ترينها جالسة أمامك؟ نظرت إلى حيث يشير جاحظة العينين،و خرجت مسرعة و جلست إلى الطاولة حيث أعدت العشاء تنتظره،و ما هي إلا دقائق حتى جاء و هو يرحب ب(زبيدة) لتتناول العشاء معهما،و قال ل (هند) أحضري صحونا لظيفتنا يا امرأة،ألا ترين أن لدينا ضيوف اليوم؟ زاد الشحوب إلى شحوب زوجه و فعلت بما أمر و هو ما زال يكلمها،و بعد العشاء تسللت هند و استدعت طبيب المارستان فجاء الممرضون مسرعين و أخذوا (خالدا)،مكث المريض شهرا كاملا بالمصحة و زوجه غادية آيبة تطمئن عليه حتى شفي و كان الأطباء المشرفون على حالته يقولون لها في كل مرة أن لا يتركوه وحيدا فالوحدة هي سبب انزعاجه لذا بحث عن شخص يستأنس به و يرتاح إليه فاختلق هذه الشخصية الورقية الوهمية (زبيدة).شفي (خالد) و خرج إلى بيته سليما و بأيام قلائل و إذا بزوجته تمر بجوار مكتبه لشأن من شؤونها حتى سمعته يتكلم فاضطربت وجلة فاتحة الباب،و إذا به يقتعد الأرض و هو يقرأ من القرآن،أدار رأسه و ابتسم فابتسمت و تنهدت ملء رئتيها حامدة الله في صمت. بقلم الأستاذ:بن عمارة مصطفى خالد. تيارت/الجزائر


٤ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page