اليها هذا المساء ليس كغيره من الأمسيات....لم يكن يعرف أن ما كان يعيشه وهما ....كل أمانيه وانفعالاته ونبض وجدانه وانتظاراته ووجيف قلبه وشوقه وحنينه وحنانه المتدفق وانشغاله وترقبه ....كل ذلك كان وهما....كان يتطلع الى الافق الشفيف بعينيه الحالمتين يرنو الى القادم بشغف المنتظر.....ولكن لم يكن ما عاشه واقعا الا في خياله....لقد شطب بجرة قلم وعاش الحقيقة عارية حين أسفرت عن وجهها....هكذا بكل بساطة انتهى كل شيء.....أو هكذا توهم....في بعض الأحيان لا تجلي حقيقة الأمور بعض النهايات....أو ما يعتقد أنها نهايات....هي لحظات انهيار يفقد فيها العقل انسجامه وتكون الاحكام انطباعية....من املاء اللحظة الكئيبة....حينها يبدو كل شيء بلا طعم وبلا قيمة ....يهيم في الفراغ ....في خواء روحي رهيب....دوامة تقذفه بعيدا الى المجهول في متاهات لا رجوع منها....تساءل لم كل هذا ؟ وهل يمكن أن يحدث هذا من أجل شخص؟ ولكن كيف السبيل مع من تسرب الى دمه والى نبض وجدانه وبرمجه عاطفيا....أصبح المتحكم في ميزاجه وفي كل أحواله النفسية....لم يجرب هذا الشعور من قبل....لقد حزن وبكى وفقد وفارق وخسر ومرض وتألم....لكنه لم يشعر هذا الشعور من قبل....شعور من يمشي مفصولا عن نفسه وعن الحياة برمتها....سواد في سواد...كل شيء حالك أمامه....كل التفاصيل التي كان يعيشها بتلذذ فقدت فجاة ألقها...بل أصبحت مصدر كآبة....مثلا كان ينتظر انبلاج الصبح بفارغ الصبر ليسمع صوتها هامسا من سماعة الهاتف....كان لها أسلوبها المميز في كل شيء....كما كان يحب الجلوس في بعض الأماكن دون غيرها....أما الآن فقد اقبل الصبح ولم يابه لقدومه....لا شيء يميزه....والأماكن بدت خاوية على عروشها وانطفأ اعجابه وسعادته بالجلوس فيها....تراها هي من أضفت معنى لكل شيء....سحبت معانيها مع انسحابها....فلم يستطع حتى الرجوع الى حياته القديمة قبل لقاءها...أربكه الفراق ففقد توازنه.
محمد الصالح