الحل الناجع - سعد بن عيسى الباتني
------------------------------ إن كون الدولة تتألف من جميع المواطنين صغارا وكبارا ، نساء و رجالا ، حكاما و محكومين ، وكون العالم يتألف من جميع السكان ، فإن أموال الدول هي مجموع أموال المواطنين ، و أموال العالم هي مجموع أموال سكانه . و إن ارزاق الدول هي مجموع أرزاق المواطنين ، و إن أرزاق العالم هي مجموع أرزاق أهله ، و إن أراضي الدول هي مجموع الأراضي المُحازة و غير المُحازة من طرف المواطنين ، و إن أراضي العالم هي الأراضي المُحازة من طرف الدول و المواطنين . إن كون أموال المواطنين هي أموال الدولة يستوجب أن تكون ميزانية الدولة شاملة لجميع أموالها و ليس لجزء منها فقط ، إنه عندما تكون ميزانية الدول شاملة لجميع أموال المواطنين فإن تلك الأموال تسمح لها باستخدام جميع المواطنين القادرين على العمل ، و تستطيع بواسطتها انجاز مشاريع خيرية أكثر للمصلحة العامة ، و ما يقال عن أموال الدولة هو ما يجب أن ينطبق على العملة الصعبة التي تمثل أموال العالم . إن مشكل الأموال يكمن في كنزها و احتكارها و تجميد استعمالها في إنتاج الأرزاق ومتطلبات الحياة ومنع الدول من انجاز المشاريع العمرانية و الاجتماعية المفيدة و النافعة و الضرورية للحياة ، كما يتمثل مشكل الأموال في عدم نموها وتزايدها الطبيعي تبعا لنمو إنتاج الأرزاق و إنجاز المشاريع العمرانية ذات القيمة الثمينة و ذلك تبعا للنمو الديمغرافي للسكان ، إن ما كان كافيا لنصف مليار من السكان من الأموال في الماضي لا يمكن أن يكفي ما يزيد على مليارين إذا لم تتوفر الأموال الكافية لإنتاج ما يكفيهم من الأرزاق وإنجاز ما يكفيهم من المساكن و المرافق و الطرق المكلفة و غيرها من متطلبات الحياة العصرية . إنه عندما تكون أموال جميع المواطنين أو أموال جميع سكان العالم تحت سلطة واحدة ، فإن في وسع هذه السلطة توزيع مشاريع الإنتاج و الصناعة و البناء و التجارة و التنقيب عن الثروات الباطنية و سائر الأعمال على الأفراد و الشركات الخاصة ، و تستطيع أن تضمن لهم هوامش من الأرباح دون أن تتسبب للمواطنين والشركات في خسارة جزء من أموالهم و دون أن تتسبب في إفلاسهم . إن أسباب كنز الناس لأموالهم يعود لخوفهم من ضياعها أو خسارتها في حال استثمارها في مشاريع الإنتاج بصفة عامة وفي مشاريع إنجاز الخدمات ، و إن من أسباب كنز الأموال كذلك التهرب من دفع الضرائب والزكاة أو التحجج بعدم الرغبة في الحصول على الربا المحرم في جميع الديانات . إن عدم ضمان الدول لنسبة من الأرباح للمقاولين و أرباب العمل و للمنتجين الخواص ، وعدم ضمان الأجور التي تسد احتياجات الموظفين و العمال ناهيك عن اضطرارهم لدفع الرشاوى مقابل الحصول على المشاريع و الخدمات هي من الأسباب التي تؤدي إلى غش المقاولين و المنتجين و التجار قصد تعويض الخسائر وتحقيق نسبة كافية من الأرباح ، وهي من الأسباب التي تؤدي إلى كسل الموظفين و العمال الذين يرون أجورهم لا تتناسب مع العمل الجاد . إن كنز الأموال و عدم نموها وتزايدها الطبيعي وعدم ضمان الدول لنسبة من الأرباح لأصحاب الأموال و عدم منح الأجور الكافية التي تتناسب مع جهد الموظفين و العمال هي السبب في الأزمات النقدية وتسريح العمال و تخفيض الأجور و التخلي عن الانتاج و توقيف إنجاز المشاريع النفعية الضرورية ، و هي السبب في افتقار المجتمعات للعملات المحلية ، و افتقار الدول للعملات الصعبة ، وهي السبب في غزو وسطو و استعمار واستغلال الأقوياء للأضعف منهم . و إنه بتطبيق أصحاب العملات الصعبة لنظام منع التزايد الطبيعي للأموال تبعا لتزايد المنتجات و المنجزات ذات القيمة وكنزهم و احتكارهم لها تستطيع الدول الإمبريالية الغربية و على رأسهم أمريكا و اليهود بخس ثروات الشعوب ونهبها بأقل الأثمان ثم بيعها لهم بأسعار مضاعفة بمجرد تحويلها إلى مصنوعات . و إنه بواسطة هذا النظام نفسه يستطيع الحكام المحليين والبرجوازيين بخس منتجات المواطنين و التسبب في خسارتهم لأموالهم و دفعهم إلى التخلي عن الإنتاج و إنجاز المشاريع الخيرية النافعة للعامة . مع العلم أن هذا التعامل هو السبب في اتساع الهوة بين الرأسماليين و العمال و بعد الهوة بين ما يعرف بالطبقات الاجتماعية ، و هو السبب في الصراعات بين الشعوب و الحكام و بين الدول صاحبة العملات الصعبة و بين باقي دول العالم ، وهو السبب في سباق التسلح و في الحروب المحلية و العالمية . إن التمسك بنظام منع التنامي الطبيعي للأموال و كنزها واحتكارها هو السبب في طغيان أمريكا و استبدادها برأيها ، و هو السبب في طغيان اليهود الإسرائيليين و عدم اقرارهم بحقوق الفلسطينيين . إن ربط الحرية بهذا النظام المجحف و الظالم لمعظم سكان العالم هو الذي يمنح الحق للطغاة بقمع الشعوب و الطبقات المهضومة الحقوق و اعتبار مقاومتهم للظلم المسلط عليهم إرهابا . إن منع تنامي الأموال وكنزها و احتكارها هو بمثابة زمام اللجام الذي تكبح به أمريكا و اليهود الصهاينة جماح الحصان و الفرس اللذان يجران عربة الاقتصادات المحلية والاقتصاد العالمي . إن من يقرأ هذا النص قد يتصور أن الشعوب شيء والدول شيء آخر ، بينما هم في الحقيقة شيء واحد ، كما قد يتصور أن أموال الدول أموال عامة و أموال الشعوب هي أموال خاصة ، بينما الحقيقة أن الأموال كلها أموال خاصة لأن الدول عبارة عن نظم ودساتير وكيانات معنوية وبالتالي لا تقوم بصك الأموال و لا تملك العملات النقدية . إن الواجب أن تكون هذه النظم و الدساتير مبنية على الحق و العدل وليست مبنية على القوة و الطغيان و التمييز العنصري و الديني ، إن الحق يقتضي أن تكون دساتير جميع الدول و تشريعاتها الاقتصادية مستمدة من دستور الله العادل الذي يرزق الغني و الفقير و المواطن الأصلي و المواطن الجديد بنسبة من الأرباح على أساس أنهم جميعا عباد لله الذي يرزق الجميع ، و لا تكون مستمدة من القوانين الوضعية التي يخيل للناس أنها مستقيمة بينما هي في الواقع ظالمة و منحرفة ، لكونها تبخس منتجات العباد وخدماتهم و تتسبب في فقرهم وحرمانهم من العيش الكريم . إن الدولة العالمية التي تتعامل بعملة واحدة فقط و تكون ميزانيتها شاملة لجميع أموال سكان العالم و تكون أراضيهم تمثل كل الكرة الأرضية و تُضمَن فيه هوامش ربحية للأغنياء و أجورا محترمة للموظفين والعمال هي بمثابة دولة الله الذي لا نراه و لكن نطبق دستوره الاقتصادي . إن عدم تخلي الناس وجميع الدول عن الربا و كنز الأموال ومنع تزايدها تبعا لتزيد المنتجات و المنجزات ذات القيمة ، و عدم تخليهم عن صك العملات النقدية مسبقا و بخس منتجات الناس بواسطتها و التسبب في خسارة الناس لرؤوس أموالهم لن يعيدنا إلى الصراط المستقيم و لن يعيد الأمن و السلم و التعاون على البر و التقوى للعالم . إن توحيد العالم بعملة واحدة فقط غير مصكوكة و لكنها حسابية تصرف و تنفق آليا فقط هو سبيل العودة إلى الإسلام و إلى الحق و العدل و السلام التي هي من أسماء الله تبارك و تعالى ، و إن التعامل بالنظام الاقتصادي الرباني يعني تطبيق النظام العادل لأن الله لا يظلم أحدا بينما أنظمة العباد مبنية على المظالم . مع العلم أن قانون العرض والطلب الذي يطبق في مقايضة الأرزاق بعضها ببعض الهدف منه هو التسوية بين أصحاب المحاصيل القليلة و المحاصيل الكثيرة ، بينما الشراء بالقيمة لا يعتبر مقايضة و لا يجب أن تخضع فيه الأسعار لقانون العرض و الطلب لأن اعتبار العملات النقدية التي يمكن أن تكون مجرد حسابات فقط أرزاقا يعني أن الدول ترزق العباد مثلها مثل الله وهذا شرك بالله . قال الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى : ( و من لم يذد عن حوضه بسلاحه .:. يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم ) .و قال تبارك و تعالى : ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) . و إن القادة الأمريكيين و الإسرائيليين الذين يتحكمون في العملات النقدية هم الذين يظلمون شعوب العالم بشن الحروب عليهم و قتلهم و فرض العقوبات الاقتصادية عليهم بدعوى ممارستهم للإرهاب وامتلاكهم لأسلحة الدمار الشامل و باختلاق مختلف الذرائع . و مع الأسف الشديد أن هذه العقوبات تسلط على الدول القوية كروسيا و لكن قادتها لا يدركون سبب طغيان اليهود و أمريكا و لا يحركون ساكنا . و إن عدم العودة إلى التعامل بعملة عالمية حسابية واحدة فقط و ضمان نسب من الأرباح لأصحاب الأموال و ضمان الأجور المحترمة للعمال لن يرتفع الظلم الأمريكي الصهيوني على العالم . و إن قطع التعامل بالعملة الأمريكية و باقي العملات الصعبة و بعملة إسرائيل و باقي العملات الملموسة هو سبيل الخلاص من ظلم اليهود و الغرب للمسلمين و لكثير من شعوب العالم . إن العملات الملموسة عبارة عن خلق العباد للذهب و الفضة و سائر المنتجات و ليست عبارة عن مجرد قيمة للذهب الاحتياطي فقط كما يدعون . أما العملة التي تكون قيمة للمنتجات التي تنتج وتوزع بواسطتها في الأسواق و المتاجر بأسعار محددة مسبقا و لا تكون مصكوكة فهي قيمة لتلك المنتجات و ليست أموالا مخلوقة . إن حرية الدول و الشعوب و سائر العباد لا تتحقق إلا بالتخلص من الاستعمار الاقتصادي الذي يفرضه أصحاب الأموال الملموسة على العباد . مع العلم أن العملة عبارة عن مجرد عيارات ومقاييس لتقدير نصيب الأرباح و مقادير المنتجات التي سيحصل عليها المشترون .. باتنة في 19/12/2017