ماهو التجديد الادبي عامة والشعري خاصة ؟؟ أهو ابدال قوالب فنية تقمع الذات الشاعرة ، بسهام ضوابطها وقياساتها (الجماذوقية) ،وقوس معاييرهها النقدية ، وتمنعها من التحليق في أجواء الحرية البوحية ، بما يُخرج دفينَ مشاعرها ، وغائرَ افكارها ، من اعماق وعيها / لاواعيها ، الى مراح العلَن صادحةً بأدقِّ قسمات اختلاجات همها ،هادرة بحميم ثورتها على محرمات الرقيب المؤسساتي بكل معانيه ؟ بقوالب أخرى مقنّعة بشعار ( التجديد ) وهي في حقيقتها تحاول أن تعيد أساره ، وتصادر انعتاقه !! شعار يرفعه معظم من نصب نفسه عراباً لهذا النزوع الحداثوي للابداع الشعري ، فهم في ظاهر دعواهم يدعون الى التحرر وكسر قيود القوالب السابقة ، التي كانت تحكم على المنجز الادبي بالحياة / الموت، وفق مطابقته / لامطابقته ، لأحكامها وضوابط رقيبها الماقبلي الآنف الذكر، وتكشف آراؤهم ودراساتهم النقدية عن ان حقيقة ما يرمون اليه هو ابدال هذا القالب ، بآخر ممنهج اسلوبا وشكلا وحتى لغة ، من خلال حرصهم الكبير على وضع التعاريف للمنجز الابداعي ( الشعري هنا )، والتعاريف هي ( تحديدات عقلية / علمية ، تعطي لشيء ما معنى او وصفاً او بياناً ، تجعله معلوماً / مفهوفاً بما يُميّزه عن غيره من الأشياء ، وهذا بحثٌ من بحوث علم المنطق، لست هنا في صدد الاسترسال في تفاصيله ) فأن نضع تعريفا لذلك المنجز، من اي جنس ادبي كان فهذا يعني (مَنطَقَتَهُ) اي وضع القواعد والقوانين العلمية العامة له لكي تجعله مطابقاً للتفكير الصحيح.( هذا ابسط تعريف لعلم المنطق) ، ولعل وجود اطار معرفي عام لكل منجز انساني لابد منه ، للابقاء عليه في دائرة ( التعاطي ) الواعي من قبل المتلقي ، الا ان تقنينه واخضاعه للقواعد العقلية المحددة لمعانيه ، يجعله ( سجينا مقيداً ) بتلك الاحكام والقياسات العلمية ، مما يفقد الادب التجديدي بحق عموما والشعر خاصةً نزعته الفردية ( الانوية ) ، وذاتيته التعبيرية ، من طابعها التمردي و سمتها المارقة عن كل الضوابط الايديولوجية السلطوية القامعة لحريته المطلقة بالافصاح عن مكنونه الانفعالي ، وتحديد موقفه الخاص من الآخر ، مهما كانت مسمياته ( الموقف بايجاز يعني اتخاذ / اختيار قرار فكري / عاطفي ، باعتبار موضوعاً ما ، او ظاهرة ، حدثاً ، فكرة اوماشابه ، صحيحاً / خاطئاً ، جميلاً / قبيحاً ، حقاً / باطلاً...الخ )، وهو اختيار نسبي، ينسجم مع طبيعة بنيته الشخصية الفكرية / السايكلوجية ) ثم ان ( مَنْطَقَةَ ) المنتج الابداعي المتجدد سيحوله بمرور الزمن الى ( قديم مستهلك ) يتحتم تجاوزه والاتيان ( بجديد ) غيره ، لتستمر فصول مسرحية ( الجديد القديم ) ، ممتدة العرض لا ستار يسدل على خاتمتها ، طالما يركن ( مخرجوها ) لإنطباعيتهم التأويلية الخاصة وتنظيريتهم البروكرستية ( نسبة الى قياسات سرير بروكرست القاتلة ) ، المفصِِّلة رفيفَ روح التجديد الحقيقي ، على مقاس فضاءات اقفاصهم النقدية ، ولعل تعدد تلك التنظيرات بلْهَ التعريفات لمفهوم الحداثة ومابعدها ، والنص ، ووحدات بنيته اللغوية ،الاسلوب ، الشكل ، العنوان ، المعنى، الخطاب ، السرد ، التعبيرية ، التجريدية ، بل حتى قصيدة النثر وانواعها ...... وغيرها الكثير من المركبات الفنية للمنجز الابداعي ،وما حولياته ، وآليات التعاطي معه قرائياً ودراسياً ، دليلٌ قاطع على أنَّ موضوعة التجديد ، ولاسيما فيما يعنينا منها هنا ( النص الشعري ) كنسيم الروابي ، وهديل الزهور ، لاتحكمهما ( قوانين ) قفص ، ولايُفصِّلهما على مقاسه ( سرير ) ، لأنهما نتاج حرية مطلقة ، ويخاطبان آفاق الوعي المشرعة ، بلغة محلقة فوق الشراك ، تعيد نتاج دلالاتها ، وتتجدد معانيها مع كل قراءة . / باسم الفضلي ـ العراق