خلق الأموال - سعد بن عيسى الباتني
-------------------------------- ما هو مبرر خلق الدول للعملات النقدية التي تعتبر في عصرنا أموالا ؟ إن كون الدولة عبارة عن مجموعة مواطنين ، وكون هؤلاء المواطنين يحتلون حيزا محدودا من الأرض معترف به دوليا ، و يعرف باسم الوطن ، فإن هذا الحيز من الأرض يعتبر ملكا للدولة ، و بالتالي فهو يعتبر ملكا لجميع المواطنين و ليس ملكا للإقطاعيين و ملاَّك العقارات فقط . و بناءً على كون أرض الوطن ملكا للدولة فإن ما تنتجه من ثروات و أرزاق هي بدورها ملكا للدولة و ليست ملكا للذين أنتجوا تلك المنتجات فقط ، وعلى هذا الأساس تم السماح للدول بصك العملات النقدية لتكون قيمة لمنتجات و أرزاق تلك الدولة و لتكون أموالا لها في نفس الوقت . إن ما غفل الناس عنه في هذا التصور و هذا القرار هو أن الدولة و الشعب عبارة عن شيء واحد فقط و ليسوا عبارة عن شيئين مختلفين ، و بالتالي فإن أموال الدولة هي أموال نفس الشعب وليس هناك حاجة لخلق مال جديد . فإذا كان مواطنو الدولة ينتجون و يبيعون منتجاتهم و يحصلون على الأموال مقبل ما يبيعونه فإن هذا يعني أن الدولة تنتج و تبيع و تملك الأموال ، أما إذا قامت الدولة بصك النقود و قام المواطنون بالإنتاج ثم باعوا منتجاتهم لدولة أجنبية فإنه يصبح للدولة مال مكتسب عن طريق الإنتاج و مال آخر مخلوق و مصنوع من طرف الدولة . و هذا ما نلاحظه عند الدول التي تتعامل بالعملات المحلية و بالعملات الصعبة . إن تعدد العملات النقدية يعني أن للمنتج الواحد أكثر من قيمة واحدة بل يعني أن له قيمة في كل دولة بينما الحقيقة أن لكل منتج قيمة واحدة فقط . إن عملة الذهب هي نفس الذهب و نفس القيمة و ليست عبارة عن شيء آخر وإن عملة الفضة هي نفس الفضة و نفس المقدار من المال أيضا و لكن تحويل المعدنين الثمينين إلى عملات نقدية كان الغرض منه هو منع غشها و لم يكن الهدف من ذلك هو خلق الأموال . إن خلق الأموال هو البدعة التي ضللت بها أمريكا و إنجلترا و اليهود العالم كله لأنهم أصحاب فكرة اتخاذ العملات النقدية من مجرد الورق ، و إن التخلص من هذه البدعة لا يتحقق إلا بإنفاق الذهب بواسطة العملات النقدية و حسب قيمة كل عملة من الذهب بحيث لا يبقى الذهب عبارة عن احتياط دائم ، و بالتالي يتوجب على سائر الدول و العباد العمل و الإنتاج من أجل الحصول على الذهب أو المحافظة عليه و لا يعتمدون على خلق الأموال من مجرد الورق . إن تحويل قيمة الذهب من حساب إلى حساب آخر يستوجب تحويل مقادير من الذهب نفسه أو تحويل ما يقابل قيمة الذهب من منتجات أخرى لأن الهدف من العمل هو الحصول على المنتجات سواء كانت ذهبا أو غيره ، و إن التعامل بهذه الطريقة لا يستدعي صك النقود التي يمكن أن تكون مجرد ارقام تسجل في حسابات الذين يحصلون على الذهب و سائر المنتجات الأخرى . إن اعتماد الدول علي انفاق الذهب عن طريق الحسابات البريدية و البنكية سيضمن للدول الشفافية و معرفة من تتوفر لديهم الأموال و من لا تتوفر لديهم ، و من خلال هذه الشفافية تستطيع الدول مراقبة أصحاب الأموال و معرفة من أين يحصلون عليها و فيما ينفقونها ، و تستطيع منعهم من كنز الأموال و بخس أجور العمال و من الحصول على الربا المحرم في جميع الشرائع و الأديان ، و بهذه الطريقة تستطيع الدول كذلك المحافظة على أرزاق المنتجين و لا يتمكن أصحاب العملات النقدية المزورة من بخس منتجاتهم و ممتلكاتهم بمجرد الأموال المصنوعة التي لا تساوي سوى قيمة المواد المصنوعة منها فقط . إن العودة إلى التعامل بالذهب وسائر المنتجات عن طريق تحصيل الأموال و إنفاقها آليا فقط هو الذي سيرغم العباد على الإنتاج أولا قبل الحصول على الأموال و هو الذي سيحول دون سلب وسرقة الدول أصحاب العملات النقدية الصعبة لثروات الأوطان و تبذيرها و استعباد العباد بواسطتها ، و هو الذي سيحول دون بخس خدمات الناس و منتجات العباد والذي سيحول دون الربا و كنز الذهب و الأموال و يعيد جميع الناس إلى الارتزاق من عند الله بدل الارتزاق من عند الدول . باتنة في 18/10/2017