الإسطبل - عبد الكريم ساورة
---------------------------- حكت لي أستاذة لمادة الفرنسية، حدثا، أقل مايمكن أن يقال عنه، أنه غريب جدا، وهو مؤشر كاف لسنوات عجاف قادمة في معجم الأخلاق . قد يبدو الحدث بسيط في ظاهره، كما أن السرعة التي وقع فيها يجعل أي شخص لايعيره كثيرا من التوقف والإهتمام. بعجالة أحكي لكم : " كان الوقت حارا، بداية فصل الصيف، امرأة جميلة، تطلق شعرها الأسود، طويلة القامة، وجهها يصعب وصفه بدقة، عينيها واسعتين ، نزلت تشتري بعض الحاجات من إحدى المحلات الصغيرة، المجاورة لأجدى المقاهي، وعند عودتها محملة باللوازم المطلوبة، كانت تجد صعوبة كبيرة في التحرك بسبب بطنها المنتفخ، كانت حامل في شهرها الثامن، وهي تحاول الركوب في السيارة لمحها رجل كان جالسا بالمقهى، نظرا إليها نظرة نَسْر لفريسته، وتبعها كالمجنون بسيارته، حاولت المرأة بكل الطرق أن تفلت منه، ولكن بدون جدوى. ومن أجل أن تضع هذه السيدة، حدا لهذا السباق المحموم، اضطرت أن تتوقف فجأة، فتوقف الرجل وظل يرْقُبُها، وفي نفس اللحظة، نزلت من سيارتها وتوجهت نحوه بكل شجاعة وقالت له : لماذا تلتحق بي ماذا تريد مني ؟ فأجاب الرجل وكانت ملامحه توحي بأنه يتجاوز الستين بقليل، قائلا لها : بصراحة أنا معجب بك، فردت عليه المرأة بهدوء تام : أنا امرأة متزوجة ، فرد عليها : كلهم يقولون نفس الكلام، فردت عليه ووجهها بدأ يتغير: ألا ترى حملي الواضح، فرد ببرودة وهل يمنعك الحمل من الممارسة، فلم تستطع المرأة أن تقاوم، فبصقت على وجهه مرتين وهي تردد بأعلى صوتها: فعلا أنت حمار أنت حقير... فركبت سيارتها وانطلقت بسرعة. استحضرت هذا الحدث الغريب، لأنني أجد فيه تشابها كبيرا بينه وبين الواقعة الأخيرة التي حدثت في إحدى مدن الصحراء المغربية في الأسبوع الفارط، والتي اهتز لها الرأي العام إثر العمل المؤسف الذي قام به مدير مدرسة الذي تم توقيفه عندما انتشر الفيديو بين الخاص والعام ،عندما حاول التحرش بامرأة متزوجة جاءت لتطلب تسجيل ابنتها ، فأخذ يتحرش بها دون حياء وهي امرأة متزوجة وفي مؤسسة تربوية، كانت غريزته أقوى منه عندما رد عليها أن الله غفور رحيم ، بعد أن ذكرته أن الله كذلك شديد العقاب عندما يتعدى الإنسان حدود الله. في الحقيقية هذه الواقعة وغيرها من الوقائع، في كل مرة تفتح نقاشا بين الناس في كل المستويات، فلم يعد سوى المثقف هو الذي يدلوا بدلوه في مثل هذه الأحداث، فالكل أصبح يشارك ويساهم بما يملك من " معرفة " في النقاش العمومي للأحداث سواء كانت صغيرة أو كبيرة، وكل واحد يحاول أن يعالج القضية من موقعه ومن " مرجعيته " إذا كان يعي بهذه المرجعية . على كل مجموعة كبيرة ترى في الحدث الأخير" غياب الضمير" وهما يحاولان تشريح الحدث من زاوية أخلاقية، فهم يدفعون بالبعد الأخلاقي الذي لم يعد له مكان بيننا، وأن الجرب أصاب الكبير قبل أن يصيب الصغير، وعندما يغيب الضمير على حد قولهم فالنار سوف تلتهم كل شيء. طائفة أخرى ترى أن ماوقع يرجع بالأساس إلى ابتعادنا عن الدين الإسلامي وتعالمه العظمى التي تأمر بالمعروف الذي كان المفروض أن يتحلى به السيد المدير، والنهي عن المنكر الذي أتاه مع سبق الإصرار والترصد. فئة أخرى، ترجع الأمر إلى غياب المسؤولية، واحترام بنود العمل، وهذا يرجع حسب زعمهم إلى الفوضى في التعيينات بدون احترام معايير " الشخص المناسب في المكان المناسب" وكذا فتح الأبواب لكل من هب ودب في مواقع حساسة دون اعتماد معايير محددة ومضبوطة وتتماشى مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المسؤول. جانب آخر، يميل كل الميل إلى البعد التربوي، ويحاول أن يجد تبريرا لكل السلوكات المنحرفة بغياب تربية متوازنة يتلقاها الشخص في فترة معينة من حياته، وفي غياب ثقافة مضادة تقف حاجزا منيعا لإنحراف الشخص، ولهذا فكل اللوم يجب أن تتعرض له الأسرة والمجتمع اللذان لايقومان بدورهما الوقائي قبل أن يقع الفأس في الرأس.
مجموعة أخرى، ترى أن المشكل في أساسه، هو تغييب القانون وعدم تطبيقه، ويستشهدون بالدول الأوروبية التي تواجه مثل هاته الحالات بأحكام قاسية جدا، مما يدخل الرهبة والرعب في قلوب الناس، ومن تم فكل شخص فكر في الإتيان على مثل هذا العمل فسيكون مصيره مؤلما مع تناوله إعلاميا لحد لايطاق. الآن بدأت تتوضح الصورة جيدا، الكل يعترف بأن هناك معضلة حقيقية، ويجب مواجهتها، والكل بدأ يدق ناقوس الخطر، إما عبر النقاشات العائلية أو الكتابات الحائطية أو نقاشات بالمقهى، أو عبر مقالات رأي....لايهم الوسيلة، المهم أن هناك إحساس بالخطر من الجميع، هناك رهاب، هناك إحساس حقيقي أن شيئا غير عادي وغريب، جد غريب يتوغل إلى جلد وقلب المجتمع. فهل هذا يكفي ؟ من الواضح أن المجتمع في كل مرة يحدث شيء غير مألوف وخارج عن أخلاق المجتمع ، ويمس هويته الأصلية ينتفض، ينتفض بقوة ويطالب بتصحيح الوضع، بمعالجة المرض ولما، لا، استئصاله بالمرة، لأن كل تأخير ستكون تكلفته وخيمة على الجميع. الآن الكرة في ملعب الدولة، لأنها هي الحارس الحقيقي لأمن المجتمع، والساهر على سير المؤسسات بكل أنواعها من كل انحراف ومن كل شطط ومن كل مرض...الانحراف مرض خطير، والدولة مطالبة بكل ماتملك من قوة مادية ومعنوية أن تحمي المجتمع والمؤسسات من هذا الإنحراف. هل تنقصها الحيلة ؟ هل تحتاج إلى وصفة معينة ؟ يمكنها أن تنصت إلى بلاغة المجتمع كما أشارنا في الأعلى وتجد كل الوصفات. الأحداث الأخيرة المفجعة، والتي توجت بفاجعة " اغتصاب فتاة بالأطوبيس " بالبيضاء، انتحار فتاة قاصر بمراكش اثر تعرضها للإغتصاب من طرف ثلاثة شبان، تم التحرش اللفظي الذي تعرضت له السيدة من طرف مدير المدرسة وغيرها من الحوادث المؤلمة التي تفاجأنا بها الصحافة كل حين، تندر بوضع مفجع وينم عن كارثة حقيقية. الآن وبحزن كبير أصبحنا كأننا نعيش في إسطبل مظلم لم نعد نفرق بين البغل والفرس ، نحتاج إلى نور حقيقي لنركب الفرس الأبيض وننطلق .....