أصل النظام الاقتصادي - سعد بن عيسى الباتني
-------------------------------------------- قبل التطرق للاقتصاد أود أن ألفت انتباه الجميع بأنه لا وجود لما يعرف بالنظام السياسي و النظام الاقتصادي و النظام الاجتماعي و النظام التربوي و النظام الشرعي و غيرها كمواضيع مستقلة عن بقية النظم ، لأنها كلها تتعلق بالطبيعة و بحياة الانسان و متطلباتها . أما فيما يتعلق بالاقتصاد على الخصوص فإن ما يعرف بالنظام الرأسمالي يعود لعهد المقايضة حيث كان كل فرد و كل أسرة و كل قبيلة و كل مجتمع أغنياء بما ينتجون و بما يملكون ، فالمجتمع الزراعي غني بالمنتجات الزراعية ، و المجتمع الرعوي غني بما يملك من الرؤوس، و المجتمع المستخرج لثروات الأرض و معادنا الثمينة و الرخيصة أغنياء بما يستخرجون ، و المجتمع الصناعي غني بمصنوعاته .الخ ...و إذا اغتنى فرد بغير ما ينتج فذلك عن طرق المقايضة أما العمال المهنيون و غير المهنيين فكانت أجورهم –أي أموالهم- من عند الذين يعملون عندهم ، و بما هم أغنياء بـه ، فمن كان غنيا بالذهب سدد قيمة عماله ذهبا ، و من كان غنيا بالقمح سدد قيمة عماله قمحا . لقد كانت المحاصيل و المكاسب تختلف بين الأفراد و الأسر و القبائل و المجتمعات ، فكان الأغنياء و كان متوسطو الدخل و كان الفقراء و كان السادة و كان العبيد . و لقد احتاج الناس منذ القدم إلى حماية أرواحهم و أراضيهم و أموالهم من سطو و غزو الآخرين ، و كان الأقوياء يسيطرون على الضعفاء و يستعبدونهم ، و إذا اكتسب الضعفاء قوة و قدرة ثاروا على مستعبديهم ، و هكذا ظلت المجتمعات في صراعات مستمرة ، و كل ذلك من أجل السيطرة على الأراضي و ممتلكات الغير و استعباد الضعفاء . و جاءت الديانات السماوية واحدة تلو الأخرى تدعو إلى التوحيد ، و كان الهدف من توحيد الله هو توحيد العباد جميعا تحت نظام سياسي و اقتصادي و اجتماعي و شرعي واحد ، يعيش فيه الناس جميعا متعاونين و متكافلين يخدم فيه الفقير الغني ، و يرحم فيه الغني الفقير و يساعده على التحرر من العبودية و الفقر . و لكن أنانية العباد و لهفتهم على متاع الحياة و رغبتهم في الخلود و خوفهم من الفقر و المجاعات كل هذه الصفات سرعان ما تحرف الناس عن الديانات و تعيدهم إلى التشتت و الانقسام ثم التنافس و التناحر و التقاتل على الثروات و الأموال أو ما يعرف في عصرنا بالمصالح . و لقد استهل العصر الحديث بنظام مالي جديد تتمثل في نقود الورق الرخيص ، وظن الناس أنه عصر التحرر من هيمنة الرأسمالية و كنز الذهب و الفضة ، ولكن مبتدعي العملات لم يتعظوا بما تسبب فيه تنافس الدول على المستعمرات و امتلاك العقارات و الاستيلاء على أراضي و ثروات الغير من حروب طاحنة بين الشعوب الأصلية و الغزاة ، و بين الغزاة أنفسهم فيما بينهم . و لم يتعظوا بالحربين الكونيتين الأولى و الثانية . و حتى يستمر انقسام الناس إلى شعوب و دول أصغر فأصغر و يسهل استعبادهم ارتأى مبتدعو العملات النقدية في تعدد العملات و جعلها تحت سلطة الحكام سبيلا لزرع الخلافات و الشقاق بين سكان الدولة الواحدة . و حتى يسيطر الامبرياليون على الشعوب الأخرى جعلوا عملات الشعوب الأخرى أدنى درجة من عملاتهم . و جعلوا جميع الشعوب تابعين للدول الغربية صاحبة العملات الصعبة ، كما جعلوا الشعوب تابعين لحكام أوطانهم . إن ما لم يحسب له الكفار المسيحيون و اليهود حسابا هو جعلهم صك النقود من مهام الدول و ليس من مهام الأغنياء بالمنتجات ، إن هؤلاء الكفار لم يحسبوا حسابا بأن صك الدول للنقود التي تتحول إلى قيمة لما يباع و يشترى بها من منتجات جميع المواطنين يعني أن النقود التي صكتها الدول هي ملك عام و ليست ملكا خاصا ، لأن الدول هي مجموع المواطنين ولأن النقود هي قيمة لما يباع و يشترى بها من منتجات جميع المواطنين ، و بالتالي فإن الحكام ليس لهم الحق في إنفاق المال العام الذي هو في الأصل قيمة لمنتجات المنتجين . إذن فمن منح الحق لحكام الدول بتقسيم منتجات المنتجين التي تعتبر رؤوس أموالهم على أعضاء السلطة و المقربين و على رجال الأمن الذين جندوهم لقمع احتجاجات المظلومين و على الموظفين غير المنتجين قبل غيرهم ؟ و من منح الحق للدول الامبريالية بالتصرف في منتجات سكان العالم كله والتي تعتبر رؤوس أموال أولئك الشعوب و إنفاقها على شعوبهم و خدام أوطانهم فقط دون سائر سكان بلدان العالم ؟ و من منح الحق لليهود بإنفاق أموال الفلسطينيين المنتجين على اليهود و فرض العقوبات الاقتصادية على المقاومين الرافضين لهذا الظلم العظيم ؟ لقد عكس المبتدعون للعملات النقدية الحديثة النظام الاقتصادي الرأسمالي الطبيعي و ما نسميه بنظام الخالق الذي يغتني فيه الناس و يحصلون على رؤوس أموالهم بما ينتجون ، فجعلوا الغنى يتحقق بالمال العام و بالمتاجرة بمنتجات الآخرين فأصبح غير المنتجين و كأنهم هم السادة ، و أصبح المنتجون و كأنهم هم العبيد . مع العلم أن الدولة التي تطبع أكثر هي التي تستحوذ على النصيب الأكبر من المال العالمي العام الأصلي ، و هي التي تنشر الفوضى و الفساد و تشجع الأكراد على تأسيس دول داخل دول أخرى ليس لمصلحة الأكراد و لكن لخلق دول ضعيفة تحتاج إلى حماية أمريكا و الدول الغربية و اليهود و من نصبوا أنفسهم شرطة على العالم بالمال العالمي العام . لقد شيد هؤلاء أساطيل بحرية بالمال العام و صنعوا بتلك الأموال ألأسلحة التي يدمرون بها الذين لا يخضعون لنظامهم الفاسد دون أن يحسبوا بأن غيرهم قد صنعوا بنفس المال أيضا أسلحة الدمار الشامل ، الشيء الذي سيمكنهم من مواجهة ظلم لصوص ثروات الشعوب و رؤوس أموال المنتجين المتعبين . إن الأمريكيين و الإنجليز و اليهود و من يسير في ركابهم لا يحسبون حسابا لله الذي توعد المرابين بالحرب ، و لا يحسبون حسابا لشعوب كوريا وروسيا و سائر الدول التي يفرضون عليهم العقوبات الاقتصادية . إنهم لا يحسبون حسابا لحرب كونية ثالثة قد تنهي وجود الانسان على هذا العالم . إن سبيل الخلاص من الحرب الكونية المدمرة و سبيل نجاة جميع شعوب العالم يكمن في اعتناق الإسلام وفي توحيد الله و توحد شعوب العالم تحت شريعة خالقهم و خالق رؤوس أموالهم ، و يكمن في توحيد اسم العملة التي يتعامل بها الجميع بالتساوي دون صكها حتى يمتنع كنزها على المحتكرين لأموال سكان جميع العالم . و أن تكون هذه العملة وسيلة للتشغيل و الإنتاج و تقسيم المنتجات بالعدل على جميع الدول حسب عدد السكان . إن العودة إلى الله تعني طلب الغنى عن طريق الإنتاج و ليس عن طريق صك العملات النقدية التي تعرف باسم القيمة . مع العلم أن الذهب و الفضة يعتبران من الإنتاج الذي له قيمة طبيعية ، و نقودهما تابعان للنظام الرأسمالي الرباني و ليست تابعة للنظام الرأسمالي المبتدع الذي يغني به حكام الدول بمنتجات غيرهم من شاءوا و يفقرون بها من شاءوا و حسب أنواع العملات و قيمتها . مع العلم أن تحريف النظام الاقتصادي يؤدي إلى تحريف الأنظمة الأخرى بما في ذلك النظام الشرعي (أي الدين) حيث يصبح الذين ينفقون الأموال العامة و كأنهم هم الذين يرزقون العباد و هم الذين يغنونهم و يفقرونهم بدلا عن الله . لقد حرف الكفار أصحاب النظام الاقتصادي الحديث الدين الإسلامي و ظنوا أنه سيصبح مجرد عادات وتقاليد يمارسها العباد دون وعي أو انتباه لما فعلة مبتدعو البنوك الربوية من اليهود و الكفار الظالمين . و لكن هيهات فإن هذا الدين متين و إن المسلمين لهم بالمرصاد لكشف كيدهم و تزويرهم للأموال و استعبادهم بتلك النقود للشعوب . و إن الأقصى المشرف سيظل قبلة ثانية للمسلمين ، و إن الدائرة بعد معرفة العالم للحقيقة ستدور لا محالة على اليهود المجرمين . باتنة في 29/07/2017