صراخ وعبرة - فوزية أحمد الفيلالي
---------------------------------- هي امرأة خمسينية العمر أخذت من مواجع الزمن وحكاياه قسطا وافرا صقل شجيتها و صحيفتها مما جعلها تتقن فن الحكي بإشارات ميمية بعينين قهرهما التفكير في الزواح الذي لم تنعم بطعمه يوما فهي عانس لم يكتب لها القدر التلذذ بحضن عريس نصيبا حمدت الله لطيفة وعاشت في كنف أسرتها تخدمهم وتخدم أبناء المتزوجين من اخوانها جمال روحها جعلها تغرم بالأطفال الصغار تعشقهم حتى الجنون...!! خرجت مسرعة بملابسها المنزلية لتقتني (ربطة ) نعناع ،فهي تحتاج إلى كأس شاي بنعناع طري وبإسفنج ساخن لوجبة الفطور غير بعيد عن بيتها بالسويقة ...لفت نظرها طفل صغير يصيح ويبكي ...ماما ماما... ذهبت لطيفة نحو الطفل تهدئ من روعه وتمرر يدها على شعره الأشقر... أين ذهبت أمك أيها الجميل؟ سألته لطيفة... أشار بأصابعه في الهواء وهو يتحرك كالأرجوحة يمينا وشمالا كمن يتفرج على مشهد سينيمائيِّ للدراما دون عنوان ماما هنا هناك... حضنته لطيفة بين صدرها وطبطبت على ظهره تطمئنه أنها سوف توصله الى أمه...سكت الطفل بعدما ناولته حبة حلوى وشوكلاطة ...أشفت غليله الصبياني . قال لها العم علي ..(.لطيفة سيري لداركم وادخلي سوق راسك) ... أخذت لطيفة الطفل إلى المخفر وبدأت تشرح لهم النازلة عساهم يقومون ببحث واعلان عن ضياع طفل في غفلة من أمه راجية من ذلك رضى الله واكتساب بعض الحسنات. فاجأها رئيس القسم بأسئلة متتابعة عن نسب الطفل ومنزله وكيف وصل إلى يديها ... طلب من الحرس أن يقبضوا عليها حتى يكتمل التحقيق ... سألها أنت أمه أقري بالحقيقة .اتهمها بكونها نوت التخلص منه بصفته لقيط... مما زاد الطين بلة هو تعلق الطفل أحمد بها مناديا إياها متمسكا بيدها:ماما ماما ...!! بدأت لطيفة تبرر موقفها البريء وحسن نيتها لفعل الخير وهي تذرف دموع الحسرة ... لازال النعناع عالقا بيدها ورائحته تنعش جميع من بالمكتب، يتصحصح فكرهم كحبة فيتامين ليستدرجوها لاجوبة لم تكن موثقة ضمن مذكرة ذهنها في سراديب التيه والأسئلة العشوائية التي تحاصر عقل المضطرب أثناء حلم اليقظة الذي يراود كل إنسان في خلوته وصمته المريب ليلا حين يعتريه الكرى الجائر... سقط القدر على هدوئها كالصاعقة .تسونامي خلخل قناعتها الروحانية وبدأت الأفكار تتسابق إلى شجرة اليأس للتفرع أغصانا سوداء تحت ظل ابتسامات رضى بقضاء وقدر مزيفة ما هي إلا برهة من الزمن حتى صاح أخوها...لطيفة لطيفة ماذا تفعلين هنا؟ أصابها اندهاش فظيع وهي تخفي وجهها بمنديلها الأبيض الذي تزين به شعرها المائج... تدخل الأخ في الأمر وطلب من الرئيس أن يخلي سبيل أخته لطيفة بحجة أنها سادجة ولا علاقة لها لا بحمل ولا بطفل وأنها غير متزوجة أصلا.. جرت لطيفة هاربة لاهتة إلى بيتهم الذي تكسرت نوافذة من جراء صراخ الأم وباقي الأهل تعتيبا وقسوة. حججها لم تأويها إلى بر الأمان حيث نالت حصة الأسد من أنواع السب والشتم ...(الخير ولد الحرام) (ماتفعل خير مايوقع باس) مع العلم أن هذه القولة المأثورة أطلقها السلف كمثل لواقعة ما ولا تنطبق على كل الوقائع تبعا للزمان والمكان ... على مكان غير بعيد من الحلقة التي دشنها كل المارة الذين تهوى أبصارهم التطفل والتجمهر الكلامي بعيون أوسع من عيون المها والغزال ..ظهرت امرأة تسأل ،تبكي،تتفحص أبسط الثقب والمناطق وحتى الأوجه .تحملق دون هوادة ... وسط الصخب والصجيج تتعثر في جلبابها. أفتش عن ابن صغير.!! المواصفات تنطبق على الطفل أحمد. ما إن رأته حتى تعلقت برقبته تكاد تخنقة من شدة التقبيل المختلط بصدمة اللقاء...صاحت حبيبي ابني أحمد روحي التي لا تفارق جسدي بدونك لست أنا خرساء مبثورة العقل نبض فؤادي بك يخفق جوهرتي الضائعة أشكر الخالق وأتألق الكل ينظر إليها بانبهار شديد وينصت إلى ما تتفوه به من أشعار ألهمت بها دون سابق انذار حمدت الله لطيفة التي ظلت مختبئة بين جنبات أسوار بيتها تضطرب وترتعش كفرخة مذبوحة وهي تنتظر نتيجة الفحص السريري التي أعطتها درسا في الحياة حيث... لا يعذر أحد بجهله للقانون ... "وكذا كما سطرت مسطرة في دفاتر القوانين لا في مدرسة عشوائية الحياة"القانون لا يحمي المغفلين. تعرفت لطيفة على حليمة أم أحمد الجميل وشكرتها على موقفها البطولي
------------------------------------- بقلم القاصة فوزية أحمد الفيلالي فاس في 15/05/017