تحريف العقيدة - سعد بن عيسى الباتني
------------------------------------ لم يجد اليهود الحاقدون الناقمون على الإسلام من سبيل لتحريف شريعة الله و تحريف الدين الذي ارتضاه الله تبارك و تعالى لسائر العالمين إلا طريق الأموال . لقد حاولوا تحريف بعض آيات القرآن أو حذفها تماما ، كما حاولوا طمس السنة و دسّ أحاديث ليست للرسول عليه الصلاة و السلام . و أخيرا لاحظوا بصفتهم أصحاب حرف و تجارا أن اهتمام و شغف الناس بالأموال يمكن استغلاله و يمكن تضليل المؤمنين من خلاله ، فعمدوا إلى الغش والاحتكار و استعمال المزور و التعامل بالربا لتحقيق الثراء . ثم أنشؤوا البنوك الربوية التي أصبح أصحابها هم الأغنياء وحدهم دون سائر سكان العالم ، و لم يقتصر سعيهم عند هذا الحد بل تجاوزه إلى إنشاء البورصات التي تقدر قيمة العملات في الأسواق و أصبحت العملات نتيجة لهذه البورصات عبارة عن سلع و منتجات تشترى و تباع كسائر السلع في الأسواق . لقد جعلوا العملات النقدية هي المطلب الأول و الأساسي قبل طلب الأرزاق و ثروات أرض الله . لقد أصبحت النقود هي الهدف الأول و الرئيس في الحياة و كأن النقود المصنوعة من طرف العباد من مجرد الأوراق هي التي تمنح الحياة و تحفظ سلامة الأبدان و خلود الأرواح و ولوج الجنات لقد استغل اليهود حرية الملكية التي أباحها الإسلام و استغلوا تحليل البيع و الشراء و لكن لأغراض هدامة حيث أباحوا لأنفسهم الغش و الربا و التطفيف و احتكار الأموال وكنزها و تهريبها من مكان إلى مكان و التسبب في الأزمات النقدية للدول ، إلى أن استقر بهم المقام في الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت بعيدة عن النزاعات و الحروب الأوروبية الداخلية ، بعيدة عن تنافس الدول الغربية على المستعمرات . و في الختام و بعد الحرب العالمية الثانية تحققت امنيتهم و تكلل سعيهم في مؤتمر (بروتن وودز) باعتماد العملة الورقية بدلا عن العملات التي كانت تصك من معدني الفضة و الذهب الذين يصعب خلقهما . لقد استغل اليهود جهل المسلمين و النصارى و سائر الشعوب لحقيقة كون الأموال هي مجرد وسيلة لتقسيم الأرزاق و المنتجات على العباد و ليست وسيلة للكنز والاحتكار و تحقيق الثراء . و قد تغافلوا عن كون الأموال وسيلة للإنتاج و الإنفاق ، و تغافلوا عن كون البيع و الشراء عبارة عن تبادل للمنتجات المتساوية في القيمة و ليس عبارة عن البيع و الشراء بمجرد قيمة الشيء نفسه . لقد تجاهلوا بأن الله يغني العباد و الدول بالمحاصيل و المنتجات التي تحيي الأنفس و تحافظ على سلامة الأبدان و تجلب الراحة و الطمأنينة و السعادة و البهجة للإنسان ، و تجاهلوا بأن الله يغني عباده بالأرزاق و المعادن و الخامات الثمينة و لا يغنيهم بالعملات النقدية الورقية التي لا تؤكل و لا تشرب ولا تلبس و لا تتخذ كحلية أو تستعمل كزينة . لقد نجح اليهود في استقطاب العباد و توجيههم إلى الأعمال التي يجنون من خلالها العملات النقدية بدل التوجه إلى الأعمال التي يجنون من خلالها الأرزاق و المعادن و الخامات و ما يصنع منها من متطلبات الحياة ، لقد حول اليهود قبلة العباد فأصبحوا يتوجهون إلى أرباب البنوك التي تغني العباد بالأوراق النقدية بدل توجههم إلى الله الذي يغني العباد بكنوز أرضه المستدامة . لقد تجاهل اليهود بأن إغناء الناس بالنقود الورقية إنما هو إغناء لهم بمنتجات و أرزاق غيرهم و ليس إغناءً لهم بمنتجات اليهود أو بمنتجات أصحاب النقود . إن حصول الناس بواسطة العملات النقدية الورقية الرخيصة فقط على منتجات و أراضي الغير دون تقدير لأتعاب المنتجين وما بذلوه من جهد في استصلاح الأراضي و انتاج الأرزاق و استخراج الثروات التي خلقها الله هو ظلم شديد و عدوان سافر على الأفراد و الشعوب . إن الترخيص لأرباب البنوك بصك النقود يعني إحلالهم محل الله في تقسيم الأرزاق و المنتجات على العباد ، و إحلالهم محل الله في إغناء و إفقار من شاءوا من الدول و العباد . و إحلالهم محل الله في خلق الأموال . و هل هناك تحريف للشريعة أكثر من خلق أنداد لخالق الأرزاق و الأموال و العباد ؟ إن توزيع أراضي العباد و منتجاتهم على غيرهم يستوجب استصلاح الأراضي المنتجة لتلك الأرزاق و امتلاكها بعقود شرعية و استخراج و انتاج ما يوزعونه على العباد ، و لا يجب توزيعهم لأراضي ومنتجات غيرهم بمجرد نقود الورق . إن الأرباح التي يحققها أصحاب العملات النقدية تساوي خسائر أصحاب الأراضي و خسائر المنتجين لأنهم هم الذين يدفعون منتجاتهم مقابل النقود و ليس الذين يقومون بصك النقود و يحققون الأرباح الربوية مجانا على حساب الآخرين . و إنه لمن أعجب العجائب و من أغرب الغرائب أن يرضى قادة الدول الكبار والصغار وجميع شعوب الأرض أن يرزقهم زمرة من الذين يقومون بصك النقود بأرزاق غيرهم بدل أن يرضوا بالحصول على أرزاقهم مباشرة من عند الله . إن الله تبارك و تعالى يقسم أرزاقه على عباده بواسطة ذهبه دون حاجة له إلى تحقيق منفعة أو الحصول على مقابل ، أما أصحاب النقود الورقية فيقسمون منتجات غيرهم على غير أهلها قصد الحصول على خدمات العباد و تحقيق الأرباح على حسابهم . إن التجارة في الحقيقة عبارة عن تقاسم للمنتجات و ليس الغرض منها هو تحقيق الأرباح لأن حاصل القسمة واحد فقط و ليس عبارة عن قيمتين مختلفتين . إن العودة إلى شريعة الله لا تتحقق إلا بالعودة إلى تحصيل جميع العباد على أرزاق الله و ثروات أرضه و تقاسمها بالعدل بين جميع العباد سواء في شكل مقايضة أو عن طريق نقود الذهب إلتى تحول إلى حسابات العباد و تنفق آليا فقط حتى لا تكنز و تخزن و تحتكر من طرف العباد و تحول أصحاب النقود إلى أرباب و طواغيت . إن قادة الدول و جميع الناس لا يدركون بأن التسابق و التنافس على السلطة و الأموال و تحقيق المصالح هو السبب في الصراعات والفتن و الدسائس وإذكاء نيران الحروب التي يخسر فيها المنهزم و المنتصر ، يخسرون العباد و الأموال و من يقتل في غير سبيل الله فهو في النار . و إن زعماء العالم لا يدركون بأن الإرهاب سببه العنصرية والمحاباة و عدم تقسيم ارزاق الله و ثرواته على جميع عباده بالعدل والمساواة . إنني أقر بأن المسلمين لم يسيروا على النهج الذي أراده الله من خلال القرآن و الذي خط و سطر المصطفى عليه الصلاة و السلام صراطه المستقيم ، الشيء الذي أوقعهم تحت سيطرة الكفار المسيحيين و اليهود على الخصوص . و إن العودة إلى التعامل بالذهب سواء عن طريق انفاقه آليا عن طريق الحسابات فقط أو عن طريق إنفاقه آليا كذلك بواسطة عملة نقدية عالمية واحدة فقط على أساس أن الرزاق واحد فقط و ليس متعددا . إن انفاق الذهب آليا يعني منع كنزه و احتكاره و غشه و تزويره . مع العلم أن العدل هو أساس الحكم . قال تبارك و تعالى : (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود و الذين أشركوا ، و لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين و رهبانا و أنهم لا يستكبرون ) صدق الله العظيم . الآية (82) من سورة المائدة . باتنة في 11/07/2017