الغضب الأعمى - أحمد عبد اللطيف النجار ----------------------------------------------
الحياة التي نحياها قصيرة مهما طالت وكل شيء إلي زوال ولو بعد حين ، ولا يبقي إلا وجه ربك الكريم . آه لو يعلم الناس تلك الحقيقة حق العلم والمعرفة ، إذن لعز عليهم أن يبددوا أوقات العمر الثمينة في الخلاف والصراع حول أشياء تافهة يتشبثون بها ويعاندون أنفسهم قبل أي شيء آخر ! كثيراً ما نسمع عن قصص الخلاف بين الأزواج والمحاكم والقضايا التي لا تنتهي ، وكأن الأصل في الحياة الزوجية أصبح هو البغض والكراهية والتنافر ، ليس الحب والمودة والرحمة والمودة والتفاهم والاحترام المتبادل ! صاحبي سعفان نفر من هؤلاء القوم الذين عاشوا حياتهم مع زوجاتهم في خلاف وشجار وتشاحن علي أتفه الأمور ! ولنبدأ المأساة من أولها : بعد أن تخرج سعفان وحصل علي شهادته الجامعية العالية ؛ التحق بسوق العمل وتدرج في وظيفته حتي شغل منصبا مرموقا . تزوج سعفان من زميلته في الكلية حليمة حيث كان يهيم بها حباً وغراماً لمرحها وخفة دمها وجمالها وأخلاقها العالية . بدأ الزوجان حياتهما في منتهي السعادة والتفاهم ، فهي دائمة الابتسام والتفاؤل وتتحمل لحظات غضب زوجها وثورته عليها ، وتحاول دائماً إرضاءه رغم عصبيته الزائدة عن الحد ، وصاحبنا سعفان يستشيط غضباً لأتفه الأسباب من حوله ويحيل البيت إلي جحيم . كانت زوجته حليمة تتحمل وتطيب خاطره . مرت عليهم الأيام بين شد وجذب ، وسعفان متأرجح في سلوكه ، فهو أحياناً يكون هادئا كالنسمة الرقيقة ، وفجأة ينقلب كالإعصار الهائج لأي سبب بسيط ! ذات يوم تطاول علي زوجته ودفعها بعنف ومزق ملابسها وصفعها عدة مرات حتي أصابها بنزيف في الأنف وتوّرم في الوجه وكدمات في سائر الجسم !! كل ذلك والزوجة صابرة تتحمل وتحاول تهدئة زوجها وتدعوه لضبط النفس وتكرر اعتذارها له وهي باكية ومنهارة ومتألمة ، مع أنها لم تفعل أي ذنب أو قول أو فعل تستحق من أجله تلك المعاملة! استمرت الحياة بين الزوجين علي هذا المنوال ، تارة يهدأ سعفان ثم يثور فجأة وبدون أي مقدمات ـ ثم يعود ويعتذر لها مبرراً سلوكه هذا بأنه يفقد السيطرة علي أعصابه ولا يستطيع التحكم فيها ! ولأن الكبت يولد الانفجار ، فقد جاء انفجار حليمة من داخلها ، فأصيبت بأمراض عديدة غامضة واستمرت في رقادها علي السرير عدة أشهر وسعفان يبكي من أجلها ويعض بنان الندم علي ما فعله بها !! قام ذات صباح من نومه ليجدها راقدة إلي جواره بدون حراك ، فقد رحلت عن الدنيا الظالمة في هدوء !! رحلت حليمة عن دنيا سعفان وجبروته وظلمه ولن يجد بعدها من تتحمل عصبيته وثوراته لأتفه الأمور ! ماتت حليمة فجأة وتركت زوجها سعفان وحيداً يجتر ذكريات تعذيبه لها !! يا إلهي ...رحمتك يا رب !! تلك صورة بشعة لزوج بشع أساء معاملة زوجته أشد الإساءة ! فبدلاً من أن يكون لها مودة وسكن ورحمة ؛ كان براكين وأعاصير وزلازل !!! تلك هي لعنة الغضب الأعمى التي تعمي صاحبها ، فلا يعي ولا يسمع ولا يرى غير صوت نفسه الأمارة بالسوء ويدمر كل شيء جميل حوله ! وها هو يندم ولكن بعد فوات الأوان !! ليت سعفان قرأ ووعي حديث خاتم المرسلين صلي الله علي وسلم ( ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من تملك نفسه عند الغضب ) وصدق من قال الغضب جنون لأنه يعمي العقل ويسدل عليه ستاراً سميكاً ، فلا يدرك شيء من أفعاله العدوانية ويؤذي أعز أحبابه ! ماتت حليمة ... نعم ماتت تلك الزوجة المظلومة شهيدة صبرها علي عصبية زوجها الزائدة عن الحد ، وكم من الزوجات تتحمل أخلاقيات أزواجهن الصعبة والمريرة ويكون ذلك علي حساب أعصابهن وصحتهن ! يتحملون من أجل أولادهن وحتي تستمر الحياة ! لكن إلي متي تتحمل ؟!! الكبت يولد الانفجار كما هو معروف ! ونصيحتي لكل زوجة تعاني الهوان مع زوجها العصبي المزاج ، هي أن تتجاهله تماماً حتي تهدأ أعصابه ، ثم تصطحبه مباشرة لطبيب الأمراض النفسية ليفحصه ويعرف سبب انفجار براكينه وعصبيته القاتلة التي تحطم كل من هم حوله !! الأمراض النفسية ليست عار أو فضيحة كما يتصور الجهلاء !! هي مثل أي مرض عضوي لها علاج وتشخيص ، خاصة عندما تكون أمراض بسيطة كالعصبية الزائدة أو النسيان البسيط ، أقصد الزهايمر الجزئي . الحياة الزوجية فيها الكثير من العبر والحكايات ، نتعلم منها الجديد كل لحظة ، ذلك أنها محاولة تعايش كائنين مختلفين مع بعضهما وانصهارهم في بوتقة واحدة ! هنا تلعب الأرواح دورها الخفي بين الأزواج ، ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف ! وإذا اختلفت الأرواح بدأت المشاكل بين الزوجين ، وبدأ التنافر والخوف من الآخر الذي يصبح مرعباً وحانقاً لأتفه الأمور والأسباب ! وهذا ما رأيناه في مأساة سعفان وزوجته الشهيدة حليمة ، التي أرجو ألا تتكرر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية ! ــــــــــــــــــــــــــــ والله الهادي إلي سواء السبيل ــــــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار