ميراث حي ! - أحمد عبد اللطيف النجار -------------------------------------------
قال تعالي في كتابه الكريم ( أيحسب الإنسان أن يُترك سُدى . ألم يكن نطفة من مني يُمني . ثم كان علقة فخلق فسوي . فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى . أليس ذلك بقادر علي أن يحي الموتى ) 36/ 40 سورة القيامة . بلي يا رب إنك قادر علي كل شيء ، قادر أن تقول للشيء كن فيكون ذلك هو حال بني آدم الذي تجّبر وطغي في الأرض ، ونسي ربه فأنساه نفسه ! تخيل معي بعد أن كنت تمتلك الثروة الهائلة والقوة والجاه ، وقد سلبك ربك صحتك وقوتك ! انظر إلي من حولك تجد ضعاف النفوس منهم وقد طمعوا في ثروتك التي ستذهب إليهم بعد أن تغادر الدنيا ! بل هم يتمنون سرعة موتك في قرارة أنفسهم ، بدلاً من أن يدعون لك بالشفاء العاجل يدعون لك بالموت العاجل !! هذا ما حدث للسيدة سوزان المبتلية في صحتها والتي سمعت تفاصيل مأساتها من احدي السيدات الفضليات التي جاءتني ذات يوم تقول : أنا سيدة مصرية أعيش بأحدي الدول الأوروبية منذ سنوات بعيدة ، وكنت في زيارة مؤخراً للقاهرة ، وأريد أن أقص عليك مأساة سوزان ، تلك المرأة الرقيقة الشفافة ، التي قابلتها خلال إجازتي بمصر وتأثرت كثيراً بمأساتها . إنها سيدة جميلة، جامعية وعلي ثراء كبير جدا ، تتمثل ثروتها في مؤسسة استثمارية في مجال تخصصها وأموال أخري بالملايين في البنوك المصرية والأجنبية . سوزان متزوجة من مهندس مشهور من نفس مهنتها المرموقة ، لكن شاءت الأقدار أن تُصاب بالشلل الرعاش منذ خمسة سنوات وأن ترقد في فراشها عاجزة عن إطعام نفسها وقضاء احتياجاتها الضرورية !! كان زوجها عادل يساعدها في بعض الأحيان . المشكلة هي أنه هناك خلافات حادة بينه وبين أسرة زوجته علي الميراث ، ويريد الأهل أن يجبروه علي طلاقها حتي يستولوا علي كل ثروتها ! عادل بالطبع يرفض الطلاق إلا إذا حصل أولاً علي ما يعتبره ميراثه الشرعي في ثروة زوجته المريضة ، وقد حدد ميراثه بعشرين مليون جنيه ! الأهل بالطبع يرفضون طلبه وقاموا بقطع المياه عن المسكن الذي يعيش فيه مع ابنتهم المريضة وإيقاف المصعد حتي يجبروه علي تركه وطلاق ابنتهم المريضة المسكينة ، بل ويضغطون علي ابنتهم المسكينة لكي تكتب لهم تنازلا عن كل شيء حتي لا ينازعهم زوجها في الميراث ! وزاد تجبرهم بأن امتنعت أمها وشقيقاتها منذ فترة عن زيارتها حتي تستجيب لمطالبهم ! الخاسر الأكبر في تلك القضية هي تلك السيدة البائسة التي ترقد في فراشها حائرة ومعذبة وفي حالة نفسية سيئة جداً ! والله يا سيدي لقد بكيت عندما رأيتها من شدة تأثري ، وبكيت أكثر لتلك القلوب المتحجرة ، سواء زوجها أو أهلها ! كيف هانت عليهم ابنتهم إلي هذا الحد ؟! كيف أعماهم الطمع عن الواجب الإنساني تجاه ابنتهم المريضة العاجزة ؟! بل كيف يستعجلون قضاء الله بموت ابنتهم ويكون ميراثها كله لهم ، نعم لهم وحدهم ؟! والله يا أخي لقد كرهت الدنيا حين التقيت بتلك المرأة البائسة الرقيقة الجميلة ولم أدر ماذا أفعل لمساعدتها ؟!!! تلك هي مأساة سوزان ، تلك السيدة الرقيقة المسكينة التي لم ينفعها ثراؤها في شيء سوي أن يطمع فيها الجميع بلا استثناء ، الزوج النذل والأهل غلاظ القلوب ، لقد طمع الجميع في تقسيم الميراث وصاحبته حية ترزق علي قيد الحياة !! أي بشر هؤلاء ؟!! وليت تلك الغربان الضالة تتجمل وهي تفعل ذلك أو تخفي مخالبها عن أنظار الضحية حفاظاً علي البقية الباقية من كرامتها الإنسانية ومشاعرها الآدمية ، وإنما يجري كل ذلك أمام أنظارها وغير بعيد عن سمعها وبصرها ، تاركين المسكينة في أسي ومرارة لا يستطيع أحد مها أوتي من قدرة علي التعبير أن يصورها ! يا إلهي ..! ماذا جري لقلوب البشر وإيمانهم بربهم وطاعتهم لنواهيه وأوامره وقد أمر نبيه المصطفي صلي الله عليه وسلم عند ذبح ذبيحة أن يحد شفرته ويتخفى بها عن عينيها حتي لا يطيل عذابها ! أى سحر غامض تراه تلك الكواسر الآدمية في لعنة المال كي تجعل قلوبهم متحجرة حتي مع فلذات أكبادهم ؟! كيف أطاعتهم قلوبهم فكانت القطيعة المُرة من أهلها وهي في أشد الحاجة إليهم ، لرفضها أن تسجل لهم تنازل عن كل ممتلكاتها وثروتها الهائلة ؟!!! أي رحمة وأي إنسانية في أن يتحدث الأهل مع ابنتهم عن ميراثهم منها وهي علي قيد الحياة ، وقد يخلف الله ظنون الجميع ويرد عليها صحتها وعافيتها كما ردها علي نبيه أيوب عليه السلام وهو علي كل شيء قدير . لماذا لا يحتكم الجميع إلي شرع الله ويرضون به حكماً عادلاً وهو أحكم العادلين ؟! هذا الزوج النذل الذي يحدد مبلغ معين لكي يوافق علي الطلاق ، أين نخوته ، أين رجولته ؟! لقد كان من واجبه الإنساني أن يستمر في رعاية زوجته وألا يسمح لخلافاته المادية المؤسفة مع أهلها بأن تنعكس علي حياة تلك السيدة المريضة المسكينة التي لا حول لها ولا قوة ! لماذا لم يفكر مرة واحدة في أن يعالج زوجته المريضة سوزان من مالها وثروتها وهي أحق بها من أي مخلوق آخر ؟! هذا الزوج المتنطع يريد أن يعيش علي ثروة زوجته المريضة ! يا له من نطع كبير يستحل عرق النساء ! يا إلهي .. إنها حقاً مأساة رهيبة أن تنحدر بنا أخلاقنا وقيمنا الإسلامية إلي تلك الهوة السحيقة من انعدام النخوة والمروءة ويصبح تفكيرنا كله مادياً ! تلك هي إذن لعنة المال ، ذلك المال الذي جمعه قارون في غابر الأزمان من الناس غصباً ونهبا ، فخسف الله به وبماله وداره الأرض ! تحول البشر إلي وحوش ضارية ينهش بعضهم بعض من أجل المال! انعدمت المروءة والإنسانية وكل القيم النبيلة وضاعت ملامح البشرية وتلاشت في ملامح ذئاب مفترسة لا تعرف الرحمة والمودة والتآخي ، لغتها الوحيدة المعتمدة هي المال ، هو المحّرك لغرائزهم البوهيمية القذرة ! نتعلم من مأساة المسكينة سوزان صاحبة الأموال والثروة الطائلة ، أن ثروتها ومالها لم ينفعها في شيء ، بل انقلب المال إلي نقمة ولعنة بدلاً من أن يكون نعمة وعوناً لها في محنتها !! حتي أقرب الناس إليها تحولوا إلي وحوش مفترسة يتمنون موت ابنتهم كي يرثوها ! هذا هو هدفهم وأسمي أمانيهم ، ويا لها من أماني حقيرة دنيئة ! يا لهم من جبناء ماتت ضمائرهم قبل أن تموت ابنتهم المريضة ! ندعو المولي عز وجل أن يخيب ظنهم ويشفي سوزان من مرضها العضال كما شفي نبينا أيوب عليه السلام من كل أمراضه ! يا حي يا قيوم بك نستغيث من دنيا البشر الظالمة . اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين ولا تحوجنا لغيرك يا نصير المستضعفين . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ اللهم آمين ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار