أزواج ولكن ! - أحمد عبد اللطيف النجار
---------------------------------------------
الرجولة الحقة تعني أن يكون الإنسان مسئولاً عن أقواله وأفعاله ، وبالنسبة للأزواج تعني أن يكون الزوج رجلاً في بيته ورجلاً خارج بيته ، ومع زوجته رجلاً ومع أولاده رجلاً . إذن فالرجولة معني مرادف للشخصية القوية المتزنة التي تكون قوتها رحمة وحزمها مع الآخرين اقتناع ، ليس خضوع وإذلال ! لكن ما بالنا نري بعض الأزواج مع زوجاتهم كالخاتم في الإصبع ، أو لعبة تلهو بها الزوجة وقتما تشاء ! من تلك النماذج ( الشاذة) عرفت صاحبي مدبولي ، مهندس الديكور الذي نشأ وتربي وحيداُ مع أربع شقيقات لأب يعمل موظف بسيط في الحكومة وأم ربة بيت طيبة . عاش مدبولي طفولته مع أبويه وشقيقاته في أحد الأحياء الشعبية بمدينة دمنهور . الحب يرفرف علي الجميع رغم حياتهم المتقشفة . كان الهدف الاسمي الذي وضعه الوالد لأولاده هو أن يتفوقوا في دراستهم ويجدوا عملاً ، ومن أجل ذلك الهدف ذاته كان الأب يخضع البيت لنظام عسكري صارم قبل الامتحانات ، فلم يكن يقبل أي تهاون في أداء واجبات الدراسة . أثمرت تربيته الصارمة لأولاده ؛ فالتحق مدبولي بكلية الفنون التطبيقية وتخرج منها بتقدير مرتفع والتحق بوظيفة مهندس ديكور بوزارة الإعلام . بدأ مدبولي رحلة كفاحه ووقف بجوار أبيه وإخوته في مراحلهم التعليمية المختلفة ، مرت الأيام سريعاً وحصلت شقيقاته علي شهاداتهم الجامعية . يومها شعر والده أنه قد أدى رسالته في الحياة ، أما مدبولي فقد التحق بعمل إضافي بعد الظهر في مكاتب المهندسين المعماريين ، وأثبت لديهم كفاءة كبيرة في العمل ، فكان يكسب أضعاف ما يتقاضاه من عمله الحكومي . علي هذا الحال قضي مدبولي أكثر من خمسة أعوام ساهم خلالها في زواج ثلاثة من شقيقاته . ذات يوم أخبره أحد أصدقائه بوجود فرصة عمل رائعة في الكويت كمهندس ديكور . لم يتردد مدبولي وقدم أوراقه للسفارة الكويتية ووفقعه الله ونجح في الاختبارات . يومها عاد لأسرته وهو لا تسعه الدنيا من الفرحة ، وأبلغ أبيه بقرار سفره للكويت . استمع اليه أبيه صامتاً ثم قال : عندك ما يكفيك يا ولدي ولا داعي للغربة عن الوطن ! وأمام إصرار الفتي نصحه والده النصيحة الأخيرة قائلاً : احذر من أن يملكك المال بدلاً من أن تملكه أنت ! سافر مدبولي وتسلم عمله سعيداً راضياً وازداد سعادة وفرحاً بالمرتب الكبير ، وكان يرسل لأبيه وأمه ( مبلغ صغير) للمساعدة في نفقات جهاز آخر شقيقاته ، واستغرق تماماً في العمل حتي أنه أمضي العام الأول في غربته بلا أجازة سنوية ، وفي العام التالي حزم حقائبه وعاد في أجازة لمصر . شاءت إرادة الله أن يجلس في الطائرة بجوار امرأة مصرية ، تعرف عليها وعرف أن اسمها إخلاص وأنها مطلقة ولديها طفل . حدث إعجاب متبادل بين الطرفين ، وفي نهاية الرحلة طلب منها رقم هاتفها وعنوانها بالقاهرة . بعد أن قضي أسبوعان مع أهله ، فكر في الذهاب لزيارة إخلاص وأسرتها بالقاهرة ، وهناك لاقي ترحيباً كبير منها ومن أهلها . عندما عاد لبيت عائلته فاتح أبيه في أمر الزواج من إخلاص وصارحهم أنها مطلقة ولديها طفل ! في البداية رفضت أمه أن يتزوج مطلقة واعترض أبيه وشقيقاته ؛ لكنهم أمام رغبته فيها وإصراره في الزواج منها وافقوا . تم عقد القران والزواج في فترة قصيرة للغاية ، ثم اصطحبها معه للخليج . وعاد مدبولي لحياته الأولي من العمل المتواصل لزيادة مدخراته ، وعندما فكر في شراء شقة في القاهرة ، طلبت منه زوجته أن يكتبها باسمها ولم يرفض ! بل وتعمد ألا يطلع أبيه وإخوته علي حقيقة مدخراته ظناً منه أنهم سوف يطمعون فيه ! بعد ذلك قامت إخلاص بفرش الشقة بأثاث فاخر استنفد كل مدخرات زوجها حتي أن مدبولي لم يجد لديه أي رصيد يساهم به في زواج أخته الصغرى ، ورغم ذلك لم يغضب منه أبيه وإنما لفت نظره إلي إسراف زوجته الزائد عن الحد حتي لا تضيع سنوات شقائه في الغربة هباء ! عاش لزوجين في وئام وتفاهم أكثر من أربعة أعوام لم تحمل خلالها إخلاص ، وذهبا للأطباء الذين طلبوا إجراء فحوص وتحاليل للزوجين أثبتت أن مدبولي غير قادر علي الإنجاب ! كانت الصدمة هائلة علي الرجل ، لكنه عاد وتماسك راضياً بقضاء الله وركز كل اهتمامه علي ابن زوجته وكأنه من صلبه . بعد مرور 15 عام كبر عبد السلام ابن زوجته وبلغ العشرين من عمره ، واكتشف مدبولي أنه لم يستطع أن يغرس حبه في قلبه ! فقد كان فتي مستهتر ، مدلل من أمه ومتعثر في دراسته ، لا يبدي اهتمام بأي شيء ! مرت الأيام واستطاع مدبولي تكوين ثروة كبيرة من عمله بالخارج واشترى قطعة أرض كبيرة للبناء عليها وكتبها باسم زوجته أيضاً حسب رغبتها ! لقد أصبح الرجل كالخاتم في إصبع زوجته ، هي تأمر وهو يطيع طاعة عمياء ! حتي جاء يوم نشب فيه خلاف بينهما كأي زوجين ، وفوجئ بها تخبره أن كل شيء باسمها وأنه ضيف لديها ، لا أكثر ولا أقل !! هكذا ببساطة فقد مدبولي كل ما يملك رغبة منه في إرضاء زوجته ( إخلاص ) !! نعم فقد كل شيء وهو الذى كان يخفي ثروته عن أهله حتي لا يطمعوا فيه ! يا إلهي ..! لقد كان عقاب السماء سريعاً وحاسماً لذلك الزوج الغافل الذي جحد فضل ربه عليه وفضل أهله عليه وتضحيتهم من أجله ، وإنه لجزاء عادل لأولئك المغرورين بأنفسهم ومالهم ! المولي عز وجل لم يرض عن تصرفه منذ البداية وهو المطلع علي خبايا الصدور ، وأيضاً لا يرضي عن تصرف تلك الزوجة الغير مخلصة التي اغتصبت مال زوجها دون وجه حق كي تتمتع به هي وولدها المدلل ! إنه الغدر بعينه قد أطل علينا واقعاً حياً مجسداً لأصحاب النفوس الضعيفة والضمائر الخربة الذين يظنون أن المال باق وأن العمر طويل وأن الصحة دائمة ما دام معهم مال ! بئس ما يظنون بقلوبهم الميتة وتفكيرهم المنحرف ! ــــــــــــــــــــــــــــ وإن ربك لبالمرصاد ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار