ليتني قدمت لحياتي ! - أحمد عبد اللطيف النجار ---------------------------------------------------
هناك نفوس كارهة للبشر والحياة ، تتهلل لما يصيب الآخرين من أكدار وأحزان ، وتسعي في الخفاء لإيذاء الغير وإيلامهم إلي أن تهوي علي صاحبها المطارق والمحن الحقيقية ، ويري ويلمس ثأر الله منه ، فيكون الندم الحقيقي لا العابر ويفيق الإنسان من غيه ويهتف بدموع الحسرة والندم ( يا ليتني قدمت لحياتي ) ! من هؤلاء صاحبي جودت ، ذلك الشاب الذي وُلد يتيم الأب ، وعاش في كنف جدته بعد أن تزوجت أمه من رجل آخر . عاش مع جدته بأحدي المدن النائية ، يشعر بأنه منبوذ ، فكل فرد من أفراد أسرته مشغول بذاته ، حتي جدته كانت لا تهتم به ، وأعمامه وعماته لا يحبونه لأنهم يكرهون أباه ! لم يتحمس أحد لتعليمه تعليماً عالياً ، ورغبوا في ألا يواصل دراسته ، فتولدت لديه الرغبة وإرادة التحدي علي أن يواصل تعليمه ، حتي أنه كان يذاكر دروسه خفية عن الجميع ! وفقه الله والتحق بكلية الصيدلة وحصل بقوة إرادته وتصميمه علي بكالوريوس الصيدلة ، ثم اتيحت له الفرصة للسفر إلي السعودية ، وهناك حقق لنفسه ما يتمناه وأكثر ، بإرادته وقدرته علي العمل لساعات طويلة . لكنه كان يعاني أشد المعاناة من رواسب الكراهية والحقد علي الآخرين منذ طفولته البعيدة وخاصة الرجال ! هو لا يطيق أن يراهم أو يسمع أصواتهم ، ولا يشعر بالسعادة إلا إذا رأى الكدر والحزن يخيم علي البيوت التي يعرفها ، وبالفعل تسبب بذكائه الشيطاني الحاد ووجهه البرئ في مشاكل عديدة لمن يعرفهم ويدخل بيوتهم، حتي أنه تسبب بطريقة غير مباشرة في أن يطلق أحد جيرانه زوجته ، وكان يشعر بسعادة شيطانية غريبة لحلول الخراب علي هذا المنزل الذي كان سعيداً قبل أن يقترب منه ! ووصل به الحقد الدفين إلي تفكيره في تدبير مكيدة لأحد أخواله كان يمكن أن تؤدي به للسجن ، ولم ينقذه سوى سفر جودت للخارج ! استمر هذا الفتي المريض نفسياً في هوايته الرذيلة في دخول بيوت الزملاء والأصدقاء والسعي بطرق ملتوية وخفية لإحلال التعاسة فيها ! كان وهو يعمل في الخارج يمارس نفس الهواية الشيطانية في إبلاغ السلطات السعودية في إخفاء إخوانه المصريين مما يؤدي إلي قطع أرزاقهم وترحيلهم ! هو لم يشعر بالندم أبداً علي أفعاله ، بل كان يتمني المزيد والمزيد ، لقد غاص حتي أعماقه في الحقد علي كل الناس ، ولم يفكر أن يتوقف ويتوب عن أفعاله الشيطانية القبيحة ومجاهدة نفسه لردها عن رغائبها ونزعاتها المريضة ! كانت أحياناً تأتيه نوبة صحيان ، فيتوب إلي الله ، لكنه سرعان ما كان يعاود طريق الشيطان مرة أخري ! إنه يعاني من أعراض مرض نفسي مدمر بسبب نشأته المبكرة وهو يفتقد العطف والحنان من كل أفراد عائلته ، فترسب في أعماق نفسه كراهية الآخرين وتمني زوال النعمة عنهم ! مع أنه لا ذنب للجميع في أنه قد نشأ في تلك الظروف المأساوية ، فتلك هي أقداره التي لا ذنب لأحد فيها ! وبالتالي لا يحق له معاقبة ( كل ) الناس بالكراهية والحقد والحسد والسعي بالإيذاء ! ليته يستفيق من حقده وأوهامه التي استقرت في وجدانه أنه ضحية للآخرين والمجتمع بأسره ! ينبغي عليه أن يتطهر من كل آثامه وجرائمه حتي يشفي جراح نفسه ، وما أبلغ قول الشاعر : أذا ما الجرح رم علي فساد تبين فيه تفريط الطبيب ! والإنسان منا طبيب نفسه ، وهو يعرف علّته ونواقص نفسه البشرية ، وبالتالي يعرف العلاج جيداً ! وما أيسره من علاج بالتوبة إلي الله وتطهير روحه من الحقد والكراهية والحسد لخلق الله بدون سبب !! ماذا سوف يستفيد من حقده وكراهيته ؟!! لا شيء سوى حصاد الذنوب وخراب البيوت المطمئنة الآمنة ! علاج جودت هو الندم والتوبة الصادقة ومجاهدة نفسه الأمارة بالسوء ، بحيث تطغي نفسه اللوامة علي نفسه الأمارة ! وذلك الحديث لجميع المؤمنين الصالحين وليس لصاحبي جودت فقط ، أيقظ داخلك دائماً نفسك اللوامة التي تحاسبك علي أفعالك وأقوالك كل ليلة ، وتهديك إلي طريق الحق والخير وحب الناس أجمعين . إذا ظلمت إنسان اليوم بفعل أو بقول ، لا تتردد في الاعتذار له في اليوم التالي ، وتعترف بظلمك له وترد له حقوقه التي اغتصبتها منه بأمر من نفسك الأمارة بالسوء ! الكثيرين يركبهم العناد ويتكبرون علي الاعتذار ! هؤلاء شيطانهم هو الذي يركبهم ، ويسوق المبررات المنطقية لاستمرار عنادهم ! يقول لهم لماذا تعتذرون ؟! ويحكم إنكم بذلك تنتقصون من أنفسكم ومن عظمتكم ومن كبريائكم ، ويستمر إبليس اللعين في وساوسه حتي ينجح تماماً في شل إرادة التفكير لدى بني آدم الضعيف ، وهناك الكثيرين من شياطين الإنس يساعدونه في غواية بني آدم ! أقوى تحصين للإنسان من غواية الشياطين ، هو أن يكون معك دائماً كتاب الله ، أو علي الأقل بعض سور القرآن الكريم ، فلا يستطيع الشياطين الاقتراب منك بأي صورة من الصور ، إنه كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل ولا تقربه الشياطين . ـــــــــــــــــــــ والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين ــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار