الأصيلة - أحمد عبد اللطيف النجار -------------------------------------
الزوجة الأصيلة العاقلة بنت الأصول كنز ثمين نادر في ذلك الزمان ، والكثير من الشباب ينساقون وراء المظاهر الخادعة ، ويحلمون بزوجة المستقبل الجميلة ذات الشعر الأصفر الناعم ، الذهبي والقوام الممشوق ، ولا يعنيهم في شيء تدينها والتزامها بتعاليم ربها ! هذا هو واقع الحال للأسف الشديد ، ذلك أن شباب الجيل الحاضر تربي علي قيم القنوات الفضائية الهابطة وثقافة الانترنت المريضة التافهة ! وكأن الاستعمار الغربي عاد من جديد وبأدوات عصرية جذابة كي يحتل عقول شبابنا ويدمر فيهم القيم والمُثل العليا ! صاحبي رامي مهندس شاب تخصص في علوم الحاسب الألي ويشغل وظائف مرموقة في أكبر الهيئات ، وهو كذلك الشاب المدلل في أسرته ، نشأ وتربي في أرقي أحياء القاهرة . عندما فكر في الزواج وتكوين أسرة ؛ رشحت له أسرته نورا ابنة الجيران ، تلك الفتاة التى يشع وجهها بنور الإيمان ، علاوة علي جمالها الطبيعي الذي يلفت إليه الأنظار . تقدم رامي طالباً يدها وتم الاتفاق علي كل شيء والقبول من الطرفين . في غضون شهور قليلة تم عقد القران والزفاف في أكبر فنادق العاصمة ، ومنذ الليلة الأولي للزفاف وبمجرد أن خلعت العروس ثيابها ؛ اكتشف رامي أن زوجته شعرها أقل كثيراً كثيراً من مستوي جمالها ! كانت تلك في نظره صدمة عمره ، فهو كان يحلم بزوجة ذات شعر أصفر ناعم وذهبي ، لكنه لم يخطر في باله أن يكون من نصيبه زوجة ذات شعر جاف خشن !! منذ اللحظة الأولي عامل الرجل زوجته بجفاء شديد باعتبار أنها خدعته ولم تصارحه بحقيقة شعرها الخشن !! هكذا صارح رامي زوجته أو فلنقل صدمها بصراحته وبجاحته ووقاحته !! ولم يكتف بذلك ، فهو في كل مناسبة لم يكف عن مضايقتها بهذا الموضوع التافه ! بالرغم من اعتنائها بشعرها إلي الكوافيرة النسائية مرة كل أسبوع وبدلاً من أن يقول لها كلمة طيبة تشجعها علي محاولاتها لتحسين شعرها ؛ نجده يصدمها بقوله : (متحاوليش ) وأحياناً يداعبها ويناديها يا ( كارتة ) !! ما يفعله رامي هو البطر بعينه ، هذا الفتي الجاهل لا يشعر بنعم الله عليه ويجحدها بوقاحة ! فهو يجهل أو يدعي الجهل أنه من حُسن المعاشرة الزوجية ألا يعيّر أحد طرفي العلاقة الزوجية الآخر بسمات تكوينه الجسدي مهما كانت تافهة مثل مسألة الشعر الخشن ، حتي ولو كان ذلك من باب المداعبة الكريهة !! ذلك يؤذي نفسية الطرف الآخر ويحطم معنوياته وروحه . كان من الواجب عليه أن يحترم مشاعر شريكة حياته ، لا أن يهينها هكذا علي الدوام ! آه لو أدرك رامي ما فيه من نعمة يحسدها عليه الكثير من الرجال ، تلك هي نعمة الزوجة الصالحة المطيعة لزوجها وربها ، فالعِشرة الناعمة الخالية من الشقاق والنكد أفضل ألف مرة من الشعر الأصفر الذهبي الناعم !! ولو كانت الحياة اختبرته بزوجة متمردة أو سليطة اللسان أو سيئة العِشرة ، لما أغناه جمالها ونعومة شعرها شيئاً عن شقائه بها ولو كانت أجمل نساء العالمين ! لكنه الإنسان في كل زمان ومكان ، ينسي نعم المولى عليه ، فينسيه الله نفسه ويكون من الأشقياء الجاحدين ! صاحبي رامي كل مشكلته في الحياة شعر زوجته ! يا له من سبب سخيف يؤدي إلي تدمير حياة زوجية كاملة ! نحن لا ننكر أن نصف جمال المرأة شعرها . حسناً فلننظر إلي نصفها الآخر ، سنجده أكثر بهاء وجمال وروعة ! الزوجة الصالحة التي تحب زوجها وتحفظه في ماله وأولاده وعِرضه أليست جميلة ؟! الزوجة الحكيمة التي تراعي شئون زوجها وتتحمل انفلات أعصابه ، ألسيت جميلة ؟!! الزوجة الحنون الطيبة التي تراعي أم زوجها وعائلته كلها ، وتعاملهم أحسن معاملة ، ألسيت جميلة ؟!! الزوجة الأصيلة العاقلة التي تقابل زوجها بوجه بشوش عندما يعود من عمله ، أليست جميلة ؟!! الزوجة الصابرة علي محن الحياة وتقف بجوار زوجها تسانده وتؤازره ، أليست جميلة ؟!! الزوجة التي تحفظ سر زوجها ولا تفضحه بين خلق الله ، أليست جميلة ؟!! الزوجة التي تري الويلات في الحمل والولادة من أجل أن يكون لك ذرية تحمل اسمك ، أليست أصيلة ؟!! الزوجة التي تسهر الليالي في تربية أولادك وتقوم بكل شئون البيت من طبخ إلي غسيل ونظافة ، أليست أصيلة ؟!! تفكيرك يا صاحبي تفكير صبياني مريض ! ما هكذا يفكر الرجال ! ولا هكذا تكون الشهامة العربية !!! الرجل العربي المحترم لا يعاير زوجته وأم أولاده ! لقد انحرف تفكيرك بسبب تدليلك الزائد في بيت أسرتك منذ كنت صبياً ، وبسبب ثقافتنا وإعلامنا العربي المريض الذي تسبب في تشويه عقول الرجال ، فأصبحوا يفكرون بغرائزهم ويعيشون بغرائزهم ! وللأسف الشديد ما زال إعلامنا العربي (( كله )) مريض وتافه ، يقدم برامج هابطة ومسلسلات هابطة وأفلام هابطة ! وما دام الوضع لم ولن يتحسن ؛ فسوف تستمر أخلاقنا الزوجية وغير الزوجية في الانحدار إلي الهاوية !! ــــــــــــــــــــــــــــــ ولله الأمر من قبل ومن بعد ـــــــــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار