ندم إبليس ! - أحمد عبد اللطيف النجار
------------------------------------------ الزوج والزوجة والصديق الوسيم !!
إنه ثالوث الشيطان الرجيم ، ودائماً وأبداً ما يكون ذلك الصديق الوسيم من أقوى أسلحة إبليس اللعين لخراب البيوت العامرة بالحب والتعاطف والتراحم . كالعادة يتقرب ذلك الصديق الوسيم للأسرة وتتكرر زياراته لهم باسم ( الصداقة ) وتبدأ الزوجة في المقارنة بين زوجها وبين ذلك الصديق الوسيم الدخيل عليهم ، وتكون المقارنة بالطبع في صالح الصديق الوسيم !! حسناً تلك هي القصة أو فلنقل المأساة باختصار شديد وإليكم التفاصيل : جاءتني عواطف نادمة ، حزينة باكية تقول : أنا سيدة في الأربعين من عمري ، توفي أبي وأنا طفلة صغيرة عمري عشر سنوات ، كان أبي رحمه الله عاملا بسيطا لديه ميراث صغير يدر علي الأسرة عائد ضئيل ، وتكفل معاشه وهذا العائد البسيط بحياتنا في حدود الكفاف . بعد وفاة أبي تولي رعايتنا خالي ذو الشخصية المتسلطة ، فكان الآمر الناهي في حياتنا بالرغم أنه لم يساعدنا مادياً في أي شيء ! حدثت بعض الخلافات القديمة بين خالي وعمي حول عائد الميراث البسيط وهو عبارة عن إيجارات زهيدة لعدد من المحلات ، فتدخل بينهما قريب لأبي يُدعي حسن لفض الإشكال وديا دون اللجوء للمحاكم ، وانحاز إلي صفنا هذا القريب ؛ فاعتبره خالي صاحب فضل لأنه مال الي جانبنا بالرغم من أنه من أسرة أبي ! لهذا سارع خالي بالموافقة علي طلبه حين أبدى رغبته في خطبتي ، بالرغم من أنه يكبرني بعشرين عام ودميم الشكل بدرجة ملحوظة ، وليس فيه أي شيء يرشحه لأن يكون فتي أحلام فتاة صغيرة مثلي ، ولصغر سني وعدم نضوجي العقلي وافقت عليه لعدم معرفتي معني الزواج حين خُطبت له وأنا في الصف الأول الثانوي ! ثم بدأت مداركي تتفتح مع تقدم العمر ، وبدأت أشعر بعيوبه حين بدأت زميلاتي في المدرسة يسخرن من شكله الدميم وكبر سنه بالنسبة لي كلما رأوه معي ! استمرت خطبتنا ثلاث سنوات ، كنت أشعر خلالها تجاهه إحساس بنت تجاه أبيها ، وليس إحساسها تجاه عريسها أو فتي أحلامها ! حين اجتزت مرحلة الثانوية العامة ، استطعت التفريق بوضوح بين الاحساسين وتأكدت من عجزي عن احتمال الحياة مع رجل بتلك المواصفات ؛ فأعلنت رغبتي في فسخ الخطبة ورفض الزواج منه بإصرار ، فكانت الثورة الهائلة من خالي وأسرتي والسخط عليّ وخوفهم من كلام الناس بعد ثلاث سنوات من الخطبة ، فلم أجد مفرا من الاستسلام والرضوخ للأمر الواقع وتم عقد القران . وتم الزفاف مباشرة وانتقلت للحياة معه في بيت أسرته الريفي بإحدي القرى الريفية في دلتا مصر . بدأت حياتي الزوجية في بيت مفتوح ، نعم مفتوح علي مصراعيه ، إذ ليس فيه باب شقة أغلقه علي حجراتي وخصوصياتي !! واجهت واقعي المؤلم بلا أي أمل في الحب أو السعادة أو الحياة بكرامة ! فجأة وجدت نفسي زوجة لزوج تجتمع فيه كل المنفرات بالنسبة لفتاة صغيرة مثلي ابتداء من الشكل الدميم البشع إلي قصر القامة ، إلي نحافة معيبة إلي كبر السن والشهادة المتوسطة ! إلي الشخصية السلبية التي لا تستطيع حمايتي في البيت ، إلي الشخصية غير المحترمة لدى الآخرين ! صدقني أخي كانت نظرتي لزوجي نظرة فتاة صغيرة لأبيها ! مرت الأيام بحلوها ومرها ، وبعد عام من االزواج أنجبت طفلتي الأولي واستمرت حياتي الباردة مع زوجي 14 عاما أنجبت خلالها ابنتي الثانية والثالثة وأنا أكنّ لزوجي كل كراهية الدنيا ورفضي له يزداد يوماً بعد يوم . كنت أعامله بما يرضي ضميري وربي في كل شيء ما عدى حقه عليّ كزوج ، إذ كنت شديدة النفور منه ، ومهما وصفت لك مدي كرهي لنفسي و الدنيا كلها حين يقترب مني ؛ فلن أستطيع أبداً أن أصوّر لك حقيقة مشاعري في هذا الشأن ! كان حسن يعرف ذلك جيداً ورغم ذلك يتمسك بي ! رغم مشاعري تلك فقد كنت زوجة مخلصة لزوجي ، وكنت أشعر دائماً بأنني مطمع لكل إنسان تجمعني به الظروف مع زوجي ! كنت أري النظرات الجائعة في عيون كل أصدقاء زوجي الأصغر منه سناً ، وكنت أتجاهلها ! وفرضت العزلة علي نفسي باختياري وإرادتي ، ثم مرضت ابنتي ذات ليلة ؛ فاستدعي زوجي الدكتور رفعت ، وهو طبيب شاب يقيم في شارع قريب منا ومن أسرة محترمة ومعروفة ، وكنت اعرفه بحكم الجيرة قبل زواجي . جاء جارنا الطبيب الشاب للكشف علي ابنتي وبذل كل جهده في رعايتها ، وظل يتردد علينا للاطمئنان عليها بضعة أيام حتي شفيت تماماً والحمد لله ، وانقطعت صلتنا به وبعد فترة طويلة التقي به زوجي حسن مصادفة ، واخبره رفعت أنه سيتزوج قريباً ودعاه لحضور حفل زفافه . ذهبت مع زوجي إلي حفل زفاف ذلك الطبيب رداً لجميله علينا ، وذهبت كذلك مع زوجي إلي بيته الجديد لتهنئته وزوجته الجديدة . شيئاً فشيئاً بدأت أشعر بأنني لا أستطيع احتمال غيابه عن حياتنا وانقطاعه عنا لأي سبب من الأسباب ! فإذا غاب عنا اتصلت تليفونياً بزوجته وطلبت منها إبلاغه أننا في حاجة إليه لأمر هام وعاجل ، وحين يأتي لا يجد شيئا هاما و عاجلا يبرر استدعاءه بهذا الشكل ، وبدلا من أن يغضب ؛ يضحك ويقول إننا قد فعلنا به خيراً لأنه أيضاً لم يعد يحتمل البعد عنا ، إذ أصبحنا جزءاً أساسياً من حياته ! كل ذلك يجري وكل منا ملتزم بحدود الأدب وليس بيننا سوى النظرات ذات المغزي الخاص !! أصبحت يا أخي لا أطيق بُعده عنا مع أنني لا التقي به إلا في حضور زوجي ولم يكن بيننا شيء يغضب الله . استمر الحال بيننا هكذا عامين كاملين ، أنجبت زوجة الدكتور رفعت خلالهما طفلة جميلة ، وحاولت أنا أكثر من مرة أن أخرجه من حياتي وأعيش بدونه وباءت كل حاولاتي بالفشل ، فلا تمضي أيام حتي أتصل به وأعاتبه علي عدم زيارتنا ، فيأتي هو الآخر مسلماً بفشله في الابتعاد عن حياتي ، وأخيراً صارحني بحبه الشديد لي ، وبدأ يشكو من زوجته ومن عدم سعادته معها ، ويؤكد لي أنه لا يريدها زوجة له وإنما يريدني أنا ! تصورت في البداية أنه يريد أن يخدعني بهذا الكلام المعسول حتي ينال مأربه مني ؛ فانقطعت عن الخروج من حجرتي حين يجئ لزيارة زوجي حسن ، فبدأ رفعت يشكو لزوجي حسن من زوجته ومتاعبه معها ! وزوجي المسكين لا يدري أنه يقرّب النار من البنزين بصداقته الحميمة لهذا الشاب الوسيم الذي لا تناسب ولا كفاءة بينهما ! في هذا الوقت بدأت المشاكل تثور بين رفعت وزوجته بسبب زياراته المتوالية لنا ، فقد أدركت بغريزتها أن زوجها يحضر إلي بيتنا من أجلي أنا وليس من أجل زوجي ، وبدأت تثير له المتاعب بهذا الشأن ، وكان هو عنيداً معها وزاد من زياراته لنا ! وزاد رفعت من جرعة كلامه المعسول لي حتي وجدت قلبي يرغبه بشدة ، وبدأت أشعر لأول مرة في حياتي بأنوثتي وبنفسي وبأنني مرغوبة ! شعر زوجي حسن بالتغيير الذي طرأ عليّ وكان سعيداً لسعادتي ، رغم أنني كنت أرفض نهائياً معاشرته معاشرة الأزواج خلال الأعوام الأخيرة ومنذ بداية اختلاطنا بالدكتور رفعت ! بعد فترة قصيرة طلّق رفعت زوجته وأعطاها كل حقوقها ودياً ، وعاد للإقامة مع أمه ، وقمت أنا بدوري بطلب الطلاق من زوجي حسن وصممت عليه وسط ذهول أهلي وأقاربي ، وتم لي ما أردت بعد محاولات مستميتة من حسن ! تركت لزوجي ثلاث زهرات هن بناتي الأعزاء وعدت لبيت أهلي، بعد شهور العدة تقدم الدكتور رفعت لأسرتي يطلب يدي بعد ما ناله من تشهير وزوابع من كلام زوجته وزوجي ! وبالطبع رفضه أهلي بإصرار حتي لا يؤكدوا تلك الشائعات عنا ، وثار أهله عليه وهددوه بالقطيعة طوال العمر ، لكنه رغم كل ذلك لم يتراجع ولم ييأس ، وفعلت انا بدورى المستحيل كي اقنع أهلي بالموافقه علي زواجي منه ؛ فرضخوا للأمر الواقع في النهاية ، وتزوجنا واستطاع رفعت أن يجهز لي شقة جديدة بكل مستلزماتها العصرية الفاخرة ، وتحقق لي كل ما أردت ، وعشت كما كنت أتمني مع رجل تجتمع فيه كل مميزات الدنيا من الوسامة إلي الشباب إلي المركز المحترم ، إلي المستوى المادي المرتفع ، إلي الشخصية الجذابة اللطيفة . باختصار حققت كل ما أريد ونسيت بناني فلذة كبدي ، خاصة بعد أن رفض زوجي الجديد أن تكون لي بهم أي صلة ورفض دخولهم إلي بيته !! الأن أعيش حزينة نادمة علي ما فعلت بنفسي وبزوجي الطيب حسن وبناتي الأبرياء ! والله يا أخي نادمة أشد الندم إنني مشيت في طريق الشيطان والغواية ، فماذا أفعل وبماذا تنصحني ؟!! تلك مأساة حقيقية بطلها الحقيقي إبليس اللعين الذي وضع هذا الطبيب الشاب الوسيم في طريق عواطف وزوجها المسكين حسن كي يهدم حياتهم في غفلة وبلاهة من الزوج الساذج ! كيف ارتضى علي نفسه ورجولته أن يدخل بيته رجل أجنبي بحجة الصداقة !! أى صداقة تلك التي تهدم البيوت العامرة وتدمرها هكذا بكل بساطة؟ رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم يقول ما معناه ( ملعون كل من نظر إإلي حليلة جاره ) . أما تبريرات عواطف بأن زوجها دميم الخلقة وغير محترم ، فهي تبريرات ساذجة واهية لأنها قد قبلت الزواج منه بعد أن نضج عقلها واكتملت إرادتها ، وهذا لا يبرر لها أبدا خيانة زوجها ، فالخيانة كالسموم البيضاء تبدأ بجرعة واحدة ، فإذا خطوت الخطوة الأولي علي الطريق فإنها تستدرجك للمزيد والمزيد من التنازلات والخطوات للإنحدار إلي الهاوية ! وهذا ما حدث مع عواطف عندما أغواها شيطان الإنس رفعت وأقنعها بطلاقها من زوجها المسكين كي يتزوجها هو ! لقد زيّن لها ذلك الشيطان الإنسي الرجيم سوء أفعالها ، فأقدمت علي ما فعلت بقلب متحجر وضمير ميت ! لقد ملأني الغيظ والعجب لاعتقاد رفعت أنه لم يظلم حسنا بأخذه زوجته منه ومن بناتها الأبرياء !! ألم يعلم ذلك الطبيب المتعلم الوسيم أن جريمة إفساد زوجة علي زوجها من الجرائم التي تبرأ منها ومن مرتكبها رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم حين قال ( ليس منا من خبب ) أي أفسد امرأة علي زوجها ! انها لمأساة او فلنقل ملهاة توضح لنا كيف أن الصداقة في زماننا أصبحت من المستحيلات السبع ، وأنه لم يعد هناك صديق مخلص وفي ، في زمن ضاع فيه الإخلاص والوفاء ، وذهبت المروءة وضاعت الرجولة ، وأصبحنا نعيش في زمن أشباه الرجال !! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار