top of page
صورة الكاتبAdmin

أوان الندم ! - أحمد عبد اللطيف النجار


أوان الندم ! - أحمد عبد اللطيف النجار ------------------------------------------

لا ينفع الندم بعد فوات الأوان ! تلك حكمة بليغة يعلمها القليل من الناس ، والقليل منهم أيضا هم من يستطيع تفسير معناها جيداً ومعرفة أن عواقب عدم الندم خطيرة علي الفرد والمجتمع . السؤال المطروح هو : لماذا يحتاج الإنسان دائماً أن تنزل به النازلات لكي يدرك خطأ مواقفه السابقة التي طالما أصرّ عليها من مقبل واستمسك بها ، ورأى أنها الحق الذي لا يأتيه الباطل من شماله أو يمينه ؟! كم من السنين يحتاج المرء كي يكتشف أخطاءه ويري كم كان مخطئاً في مواقفه السابقة ؛ فينهض لإصلاح الأخطاء وأداء الحقوق لمن ظلمهم وقت اعتزازه بنفسه وقوته واقتناعه المطلق بصحة مواقفه ! بطلة قصتنا اليوم المهندسة حكمت ، جاءتني حزينة ( نادمة ) علي ما فعلته بنفسها وزوجها ، لنتركها تروي علينا مأساتها من البداية لنري من الظالم ومن المظلوم ،، تقول حكمت : أنا مهندسة شابة علي قدر كبير من الجمال ، نشأت في أسرة متوسطة وكنت أول طفلة في عائلتي ؛ فتمتعت بعطف الأسرة وتدليلها الزائد ، حتي تعودت أن آمر فأطاع و إلا غضبت وتعذر إرضائي إلا بصعوبة بالغة . وقد شجعني علي ذلك تفوقي الدراسي والتحاقي بكلية الهندسة . خلال فترة الدراسة تعرفت علي فوزي ويعمل معيداً بالجامعة ويكبرني بخمسة أعوام . أحببته بجنون وفرضت حوله أسوارا من الممنوعات والمحظورات خوفاً من أن تأخذه مني فتاة أخرى ، وخوفاً علي حياته ، ابتداء من تعليماتي المشددة له بألا يعبر الطريق إلا إذا كان خاليا ، إلي تحريمي عليه أن يتبسط في الحديث مع أي طالبة أو زميلة له في العمل . ويا ويله مني لو فاجأته في عمله ووجدته يتحدث مع زميلة له ، إذن فهي النار التي لن يطفئها سوى تركه العمل مهما كانت العواقب ! تكررت تلك القصة كثيراً حتي لم يعد يستقر في عمل واحد سوى بضعة أشهر ! علي هذا النحو مضت فترة خطبتي ، ثم تزوجنا وتكررت مواقف الشك فيه والغيرة عليه ، فكنت أشك في كل اتصال تليفوني يتلقاه ، كل ورقة أجدها في جيبه أو حقيبته ولا أفهم محتواها ، وأحاصره حين يرجع من عمله مرهقاً بالأسئلة والاستجوابات المضنية ! أنجبنا طفلة جميلة والحال ما زال كما هو ، ثم زاد شكي فيه حين أبلغني بعض الزملاء أنهم شاهدوه يسير في الشارع مع زميلة له في العمل ، ساعتها لاحقته بالتحريات والاستجوابات حتي صوّر لي شيطاني أنه لابد وأنه أخطأ مع هذه الزميلة ! افتعلت معه مشاجرة عنيفة وأخذت طفلتي وعدت ألي بيت أهلي ، وبغير أي محاولة للتفاهم معه بدأت في شن حربي الشرسة ضده ، ابتداء من رفع دعوى قضائية ضده واتهامه بتبديد أثاثي ، إلي رفع دعوى نفقة ، إلي تشويه سمعته في عمله ، إلي اتهامه بكل ما لا يخطر علي البال من اتهامات ! كل ذلك وهو لا يكف عن محاولة إعادتي إلي بيته مرة أخرى واسترضائي والتفاهم معي . لكني كنت قد ركبني العناد وتحجرت أمام مطلب وحيد لا رجعة فيه ، هو الطلاق والحصول علي كل حقوقي منه بلا تنازل عن أي شيء ، ولم أترك وسيلة مادية أو معنوية لإيذاء زوجي إلا واستخدمتها . كل ذلك وهو صابر ويكتفي بالدفاع عن نفسه ومحاولة دفع الاتهامات الظالمة عنه دون أي محاولة لإيذائي ! وأخيراً حصلت علي الطلاق وفزت بالأحكام القضائية التي رفعتها ضده ، وتلقيت التهاني من الأهل والصديقات ، وشعرت بنشوة النصر ، وبدأت أفكر في المستقبل . انتظرت فترة انقضاء العدة كي أبدأ في اختيار واحد من الذين يحومون حولي ويرغبون في الزواج والارتباط بي . بدأت أقارن بينهم وأفكر بعمق حتي لا أكرر التجربة الفاشلة في حياتي ، وبدأت استعد لاستقبال عروض الزواج والمفاضلة بينها ؛ فإذا بالذين كانوا يتنافسون علي الفوز بي خلال انشغالي بالمعركة الطاحنة مع زوجي ؛ يبتعدون عني واحداً تلو الآخر بمجرد حصولي علي الطلاق ، وإذا بأحدهم يقولها لي صريحة إنه كان يريد صداقتي فقط وليس الزواج مني ، إذ ماذا يجبره علي الزواج من مطلقة ولديها طفلة ؟!!! بعد عام من حصولي علي الطلاق رحل أبي فجأة ، يرحمه الله ويغفر له ما جناه عليّ ، إذ لم ينهاني يوماً عن شيء مما فعلته ، ولم يفتح عيني علي حقائق الحياة التي يدركها بخبرته ! وبدلاً من أن يرشدني للحق والعدل في معركتي مع زوجي ؛ كان يساعدني عليه بحيل وأفكار شيطانية ! مرت السنوات وضمّد زوجي السابق جراحه ورمم حياته التي حطمتها له تحطيما وتزوج مرة أخري وتحسنت أحواله المادية كثيراً حتي استطاع شراء شقة جديدة وسيارة جديدة ، وقام بأداء فريضة الحج مع زوجته مرتين وأنجب منها البنين . أما أنا فقد طردني أخي من شقة أبي لكي يتزوج فيها ، وانتهي بي المطاف لأن أحيا وحيدة مع طفلتي التي تبلغ من العمر الآن عشر سنوات ، نعيش في شقة صغيرة بالإيجار ، وقد أصيبت ابنتي بحالة من الاكتئاب والتبول الغير إرادي ، وتعذبني دائماً بتساؤلاتها المريرة : لماذا يكون لكل صديقاتي آباء وأنا وحدي بينهن بلا أب ؟! هكذا عشت حياتي الزوجية التي دمرتها بيدي وافتريت كثيرا علي زوجي الطيب . ونصيحتي لكل زوجة علي وشك الانفصال عن زوجها ، أن تصبر ولا تتعجل وضع نهايتها بيدها !! وأنني وبكل كبريائي اقبل الآن أن أعود إلي زوجي ولو ضربني كل يوم بالحذاء ، واقبل به حتي ولو عرف امرأة مختلفة كل يوم ! واقبل به كذلك ولو رفض أن يكلمني أو يجالسني بالشهور الطويلة ! هكذا عاشت حكمت أيامها أحزانا في أحزان وندم بعد فوات الأوان ، وتلك هي حياتنا الدنيا نحياها ونعيشها في محن واختبارات وتجارب وابتلاءات ، والسعداء من البشر هم الذين تهديهم حكمتهم إلي اكتشاف أخطائهم والتسليم بها بلا مكابرة في المدى الزمني القريب الذي يسمح لهم بالاعتذار عنها وإصلاح آثارها بغير أن يخسروا الكثير ، والتعساء منهم هم من لا يرون الحق إلا بعد أن يتعذر عليهم إصلاح الأخطاء وتدارك المواقف فيدفعون الثمن غالياً من حياتهم وأمانهم النفسي وسعادتهم ! والإنسان منا كثيرا ما يقول لنفسه انه لو رجعت به الأيام إلي الوراء لما فعل كذا وما استمسك بكذا من مواقفه السابقة وآرائه ! ويدرك كم كان جاهلاً وأحمق وقصير النظر حين صم آذانه عن كل نصيحة ، وتصور أنه الأقوى وهو الحق الذي لا يدانيه حق ، وأن الآخرين هم المخطئون الذين لا شبهة في خطأهم وخطيئتهم ! هل كانت حكمت تتصور ذات يوم وهي تقود المعركة الطاحنة ضد زوجها المسكين فوزي في المحاكم وترفض كل محاولات الصلح أو التفاهم ، هل كانت تتصور أنه سوف يأتي اليوم الذي تعترف فيه بجنايتها علي نفسها وزوجها وطفلتها البريئة ؟!!! لماذا نتهلل للخلاف من أول بادرة ، فنقفز علي الفور في مياهه العميقة ونخوض المعارك الضارية ضد من اختلفنا معهم بلا أي اعتبار لسابق مودتنا لهم أو مودتهم لنا أو لما يربطنا بهم من روابط إنسانية ؟! لقد رأينا كيف حطمت حكمت حياتها بغيرتها العمياء علي زوجها وشكوكها الدائمة فيه ، ولعلها الآن تكون قد تعلمت درس التجربة الذي يقول أن الحب وحده لا يكفي لاستمرار الحياة الزوجية ونجاحها ما لم يرافقه الفهم وحُسن الإدراك والاتزان والإنصاف وحسن المعاشرة واتحاد الأهداف ، ولعلها أدركت كذلك أن الحياة ديون وإننا نحاول ان نحتمي من ظلم الأيام لنا بألا نظلم أحد ، ولا نفرح بنشوة النصر الظالم علي من نعرف جيدا في قرارة أنفسنا حقيقة ظلمنا له! ها هو المولي عز وجل قد عوّض زوجها فزوي عن ظلمها له وأبدله زوجة أخرى ترعي مودته وتحرص عليه وتتق الله فيه وتحرص عليه ويعيش الرجل معها آمناً مستقراً وكان فضل الله عليه عظيما بأن عوّضه خيرا بحياة جديدة أفضل وأنجح وأوفر ثمرة ! لكن أكثر ما استوقفني في مأساة حكمت هو موقف هؤلاء الرجال الذئاب البشرية الذين كانوا يحومون حولها مدعين رغبتهم في الزواج منها بعد طلاقها ، وبعد أن ( فازت ) بالطلاق علي حد قولها ؛ انفضوا عنها جميعاً !! هذا هو الفارق الهائل بين من يحومون حول امرأة متزوجة بهدف الفوز بها ( كصديقة ) ومن يرغبون حقاً وصدقا في الارتباط بها بعد الطلاق ! وقد فات علي حكمت للأسف إدراك هذا الفارق ، فقويت شوكتها علي زوجها الطيب الذي لم يكن يرغب في فراقها حتي اللحظة الأخيرة ! ولو أمعنا النظر لأدركنا أن أحد أسباب ( نفور) هؤلاء الذئاب البشرية من التفكير فيها كزوجة بمجرد انتصارها ( الساحق ) في معركتها الضارية ضد زوجها ، هو هذه المعركة ذاتها !! ولا غرابة في ذلك لأن من تخوض مثل هذه المعركة بالحق والباطل ضد من أحبته من قبل بجنون لا يأمن أي ذئب بشري في الارتباط بها حتي ولو كان غارقاً في حبها ! تلك هي طبيعة الرجال ، عفوا أقصد الذئاب البشرية ! وتلك هي طبيعة الندم بعد فوات الأوان !!! ترى هل يفيق جزار سوريا المدعو بشار ويندم قبل فوات الأوان ؟! تري هل يفيق شاويش اليمن علي ابن صالح ويندم قبل فوات الأوان؟ تري هل يفيق جزار دارفور المدعو البشير ويندم قبل فوات الأوان؟ ترى هل يفيق الشعب العراقي من غيبوبته ويندم ويتحد ويثور علي حكامه الأمريكان الخونة ؟!!! تري هل يفيق حاكم مقاطعة قطر المدعو تميم ويندم علي أفعاله الصبيانية ضد أشقائه العرب ؟!! تري هل تفيق قناة الجزيرة الصهيونية القطرية وتندم علي أفعالها وأخبارها وأوحالها القذرة ضد أمتها العربية ؟!! ترى هل يفيق الشعب اليمني من غيبوبة القات ويندم علي إهماله في نظافة نفسه بنفسه حتي يعافيه الله من وباء الكوليرا ؟!!! تري هل يفيق الليبيين من غيبوبتهم وتناحرهم علي سلطة ضائعة بالفعل منهم بعد ان استولي عليهم الدواعش كغنيمة حرب ؟!!! ترى متي يفيق المصريين من حربهم علي الإرهابيين منذ أربعه أعوام والنتيجة = صفر وفشل كبير ؟!!!!!!!!!! ترى متي يندم كل شخص منا قبل فوات الأوان ؟... قبل فوات الأوان! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار


٨ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page