دولة المُبتلين - أحمد عبد اللطيف النجار -------------------------------------------
دولة المبتلين دولة كبيرة جداً ، لا حدود جغرافية لها ، يعيش علي أرضها الواسعة كثير من البشر المُبتلين الذين ابتلاهم المولي عز وجل بشتى أنواع البلاء ، منهم الصابرين صبر أيوب عليه السلام كما صبر الشعب الليبي العظيم علي حاكمه المستبد أربعين سنة ثم ثار عليه ، ومنهم الحياري التائهون مثل الشعب اليمني الشهيد الذي خدعه الخائن الشاويش علي عبد الله صالح وما زال ، ومنهم المظلومون الذين يتجاهلهم العالم كله مثل الشعب السوري الذبيح الصابر المحتسب ، ومنهم الثائرون علي فرعون القرن الحادي والعشرين مبارك الذي نهب شرف وثروات المصريين طوال ثلاثة عقود كاملة ! تلك الشعوب المضطهدة قامت قيامتها بثورتها علي الجبابرة الظالمين ، تطلب بصوت عال كالرعد حريتها المسلوبة منذ مئات السنين ! هؤلاء لا فرق عندهم بين الموت والحياة ، بل أن الموت والاستشهاد بكرامة وشرف أغلي غاياتهم وأعز أمانيهم ! هذا علي مستوى الشعوب ، أما علي مستوي الأفراد فإن المُبتلين لو فكروا قليلاً لعرفوا أن كل شيء في الحياة الدنيا بقضاء الله وقدره وأننا يجب أن نرضى بذلك القضاء بنفوس راضية وقلوب مطمئنة . تخيل معي أنك ( لا قدر الله ) فقدت أولادك واحداً تلو الآخر بمختلف العلل والأسباب ! إنه شعور صعب رهيب علي النفوس الضعيفة في إيمانها ، وبالمقابل نجده شعور إيماني واستسلام لقضاء الله عند أصحاب الهمم العالية في إيمانها التي لا تهزها الخطوب مهما كبرت ! صاحبي أيوب جاءني ذات ليلة علي وجهه علامات الرضا والسكينة مع مسحة حزن طفيفة ، سألته ما بك ؟ ..قال : أنا وأعوذ بالله من نفسي رجل في الخامسة والخمسين من عمري ، أعمل موظفاً صغيراً بإحدى الشركات العامة في مدينة أبو حماد ، تزوجت منذ ثلاثين عام من زوجتي سميحة ، وهي سيدة طيبة ليست من قريباتي وأنجبت منها ثمانية أبناء . كانت سعادتي بأولادي كبيرة رغم قلة المال لأنني عشت شريفاً طوال حياتي ولم تمتد يدي إلي المال الحرام ، وكانت صلتنا بالله قوية دائماً ، ثم كان الامتحان والابتلاء وكان معه الصبر الكبير ! فأما أبنائي الذكور فقد فقدت أولهم وهو ما زال طالب في دبلوم التجارة حين ذهب مع أقرانه في رحلة مدرسية إلي شاطئ بلطيم وكان قدره الذي ينتظره هناك ، ومات غريقاً شهيداً . وكان ابني الثاني المدرس في السويس وقت اشتداد معارك حرب الاستنزاف ، فاختاره الله شهيداً إلي جواره ، وكان ابني الثالث متطوعاً بالقوات المسلحة حين وقع حادث بالمعسكر بمنطقة الإسماعيلية وراح ضحية له وشهيداً عند ربه . هذا عن أبنائي ، أما بناتي فقد توفيت الأولي بمستشفي المنيرة بعد مرض قصير ، وقضيت الثانية في المستشفي العام بأبو حماد في ظروف متشابهة ، أما ابنتي الثالثة فقد توفيت إلي رحمة الله بمستشفي المعادي العسكري بعد مرض عضال . كان الفاصل الزمني بين رحيل كل ابن وابنة قصير لا يتجاوز عدة سنوات ، وهكذا صار لي عند الله ستة من الأبناء وللمولي عزو وجل عندي اثنان ، ولم أفقد إيماني وصبري لأن ما مر بي هو ابتلاء وامتحان وكذلك كانت زوجتي ، بل أننا كنا بعد كل ابتلاء نزداد قربا إلي الله وتمسكاً بكتابه ، صابرين محتسبين راضيين بقضائه . تلك كانت قصة صاحبي أيوب الصابر المحتسب ، وها نحن نشم من عباراتها رائحة الجنة وعطر الإيمان العميق بالله وزاداً من الحكمة الفطرية التي صنعتها تجارب الحياة وآلامها . وتلك هي دولة المُبتلين فيها أبطالاً لم تهزمهم شدائد الحياة و لم تزعزع ثقتهم بربهم ، وقد ذكّرتني قصة صاحبي أيوب بقصة فيلسوف يوناني قديم يُدعى زينون ، الذي نعي إليه النعاة ولده فقال لهم متصبراً : لقد أنجبت ولداً يموت ولم أنجب ولداً يقهر الموت !! تلك هي فلسفة الموت ، ذلك الاسم الرهيب الذي يخشاه أعتي الجبابرة والطغاة الظالمين في أرض الله . هؤلاء الضالين لم يدركوا أن ( كل من عليها فان ويبقي وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) . الموت نهاية كل حي ، ونحن في الحياة ضيوف عابرين ، لكل إنسان أجل محتوم ، وهكذا هي الدنيا الزائلة الفانية لا تستحق البكاء عليها ، والعاقل من بني آدم من يعمل لآخرته ويصبر علي ابتلائه كما فعل صاحبنا أيوب . بين الموت والحياة شعرة واهية هي أجلك المحتوم ، لا تعرف متي وأين سيأتي ، ولا تقدر علي منعه لأنك أضعف من ذلك بكثير ! ولو سألنا جبابرة العرب الذين أذلوا شعوبهم وما يزالون : لمن الملك اليوم لخرست ألسنتهم !! لمن الملك اليوم يا حاكم ليبيا وملك ملوك أفريقيا ؟! لمن الملك اليوم يا حاكم مصر و فرعونها الأخير ؟! لمن الملك اليوم يا شاويش اليمن الذي خدع السعودية مرتين ؟! لمن الملك اليوم يا حاكم تونس الغبراء وناهب ثرواتها ؟!! لمن الملك اليوم يا حاكم سوريا وقاتل شعبها بيد الملحدين الروس ؟! لمن الملك اليوم يا صدام حسين أبو المعارك وأم المعارك ؟!!!! لمن الملك اليوم يا حاكم السودان المفتري علي شعبه وجيرانه المصريين ؟!! لمن الملك اليوم يا حكام المسلمين ؟!!! كل هؤلاء لن تسمع منهم أي جواب ، لأنهم عبيد السلطة والتاج والصولجان ، لا تعنيهم شعوبهم ، فلتذهب كلها إلي الجحيم !! المهم المحافظة علي سلطانهم الزائف !! لقد تفرغوا (( كلياً )) لنهب شعوبهم واستعبادها !! وبالتالي ماتت تلك الشعوب وهي علي قيد الحياة !! العالم كله من حولنا يتقدم ونحن محلك سر !!! العرب بكل ثرواتهم يزدادون تخلفاً وجهلاً ، هكذا يريد سلاطينهم ! السلطان يستطيع أن يحكم بسهولة أمة من الغنم !!! ولكنه يرتعد خوفاً أمام شعب واع ، متحضر يعرف حقوقه ويصرّ عليها ! انظروا إلي اليمن التعيس وقد انتشر فيه وباء الكوليرا !!! قد يظن البعض ان الوباء انتشر بسبب الحرب الدائرة هناك ! الحقيقة المؤسفة أن الوباء انتشر لأن الأوباش الحوثيين وتابعهم الشاويش علي عبد الله صالح تركوا القمامة بكميات هائلة جدا في الشوارع ولمدد طويلة جدا جدا ، وتفاعلت القمامة ذاتيا مع قدوم الصيف وانتشر الوباء كالريح العاصف بين كل فئات الشعب اليمني التعيس !!! ذلك نموذج واحد طرحته عليكم لأحد الشعوب المقهورة المغلوبة علي أمرها ! وكلمتنا الأخيرة لكل الشعوب المقهورة في دولة المُبتلين : عظّم الله أجركم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أحمد عبد اللطيف النجار