ذئاب صدام ..- أحمد عبد اللطيف النجار ------------------------------------------- " تنبيه هام " قبل أن تقرأ قصتي ،، أريدك أن تفهم وتتأكد أنها ليست شماتة في أحد ، إنما هي عظة وعبرة حتى لا يتكرر ما حدث في تسعينيات القرن الماضي وابتلع العراق أخته الكويتية في لمح البصر ،، وها أنا أري اليوم بعين بصيرتي أن المأساة ممكن أن تتكرر في أي لحظة ،،، بل وأوشكت علي الوقوع بالفعل !!!! و....... اللبيب بالإشارة يفهم !!!!! - ليست قصة ،، سرد قصصي يفوق القصة - ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من منا يستطيع أن يقف أمام الموت ؟ ! من منا يستطيع أن يهرب من مصيره المحتوم ولو كان في بروج مشيدة ؟! للموت رهبة ، أي رهبة ، وأشجع الشجعان تهرب منه شجاعته أمام رهبة الموت ! هناك من يفسرون ذلك بحلاوة الروح ، وهناك من يرجعونها إلي الحكمة وعدم التهور ! لكن ماذا تفعل وأنت ترى زوجتك يفترسها ذئاب البشر أمامك تحت تهديد السلاح بلا وازع من ضمير أو دين ؟!!! ماذا تفعلين سيدتي عندما تضعك الظروف الصعبة في موقف رهيب ، تواجهين ــ وحدكِ ــ الذئاب البشرية من الجنود الأشاوس والنشامى من بني جلدتك ؛ يهجمون علي بلد عربي مسالم ، يفترسونه في لمح البصر ؟!! ذلك ما حدث مع الطبيبة المسكينة عابدة ، التي جاءتني ذات يوم باكية حزينة تقول : ...... منذ خمس سنوات كنت طالبة بكلية الطب ، علي قدر كبير من الجمال ومحجبة ومتدينة ، ولا أتحدث مع أي شاب إلا للظروف القصوى في الدراسة والعمل ، ذات يوم عندما كنت في السنة الرابعة بكليتي تحدثت مع عابد ، طبيب امتياز شاب ، أُعجب بي وتقدم لأبي طالباً يدي للزواج ، وتمت خطبتي له رغم تواضع إمكانياته ، وكان عابد أول رجل في حياتي ، أحببته بكل جوارحي وأحبني كثيراً . بعد تخرجي مباشرة تزوجنا وسعدنا بزواجنا رغم قلة إمكانياتنا ، فأنا أيضاً من أسرة شعبية بسيطة ، تسكن في حي شعبي . مرت الأيام سريعاً وبعد عام من زواجنا رزقنا الله بأول مولود لي، وكان رزقه واسعاً والحمد لله ، فحصلت علي عقد عمل بأحد مستشفيات الكويت، ورفض أبي أن سافر إلا ومعي زوجي ، وشاء الحظ السعيد أن يعثر زوجي عابد علي عقد بمستوصف خاص في الكويت أيضاً . سافرنا للكويت أنا وزوجي وطفلنا الوليد أسعد نحمل أحلاماً ليست مسرفة في الخيال ، واتفقنا علي ألا نطيل مدة غربتنا عن وطننا الغالي مصر إلا بقدر ما نستطيع أن نحقق به مطالبنا الضرورية، وهي عيادة لزوجي عابد في مصر وسيارة متوسطة تحملنا إلي عملنا ونخرج بها في زيارتنا للأهل والأقارب ، ومبلغ لا يزيد عن 300 ألف جنيه نضعه في البنك ليكون أماناً لنا ضد طوارئ الزمن ! مضى العام الأول من غربتنا ، كنا فيه حريصين للغاية في إنفاقنا لنوفر ثمن العيادة ، واستطعنا بالفعل أن نحصل على شقة للعيادة وحققنا بذلك أول أحلامنا ! في العام الثاني تمكنا من شراء سيارة جديدة وادخار عدة آلاف من الجنيهات في البنك ، وانقضى العام الثالث واستطعنا بفضل الله تجهيز شقة الزوجية في مصر بالجهاز اللائق وجهزنا كذلك عيادة زوجي عابد بالأجهزة الطبية المطلوبة . فجأة وجدنا رصيدنا الباقي في البنك من مدخراتنا لم يتعد الثلاثة آلاف جنيه ، واستقر رأينا على الاستمرار في الغربة عام آخر حتى نتمكن من زيادة المدخرات كما كنا نخطط ، وتعاهدنا علي أن يكون عامنا الرابع هذا هو الأخير مهما كانت الظروف ، ثم نعود لنبدأ حياتنا في مصر راضيين بما أعطانا الله من فضله . كان ذلك في النصف الثاني من سنة 19900 بالتحديد كنا في شهر يوليه وكنت حاملاً في طفلي الثاني الذي وضعته بعد أسبوع وأسميناه سعيد . بعد أسبوعين انتهت أجازة الوضع وعدت لعملي بالمستشفي الحكومي في دولة الكويت الحبيبة . بعد أسبوع من عودتي للعمل وقعت الواقعة وزلزلت الأرض زلزالها وقامت دولة العراق (( الشقيقة)) بغزو همجي وبربرى مفاجئ لدولة الكويت (( الشقيقة)) !!! تصور الأشقاء يذبحون الأشقاء ويغتصبون كل شئ علي أرض الكويت ، البشر والحجر والشجر ! كنت ليلة الغزو فجر الثاني من أغسطس 1990 في نوبتي للمبيت بالمستشفي الذي أعمل به وهو مخصص للنساء فقط ، فلم أستطع مغادرة المستشفي لمدة يومين لأن كل المستشفيات أصبحت في حالة طوارئ ، ولم أعلم شيئاً عن زوجي وأطفالي !! في اليوم الثالث للغزو حدث ما لم أتخيله في أشد الأحلام المزعجة رعباً! فقد حدث هجوم وحشي علي المستشفي من أشاوس صدام حسين المغاوير ، والله يا أخي لقد كان الوضع داخل المستشفي المنكوب هكذا : الممرضات للجنود لأشاوس والطبيبات للضباط الأبطال من قوات العراق وجيشه الغازي !!! هل تصد ق ذلك ؟! ... الجنود يغتصبون الممرضات من كل الجنسيات أجنبيات عرب مصريات ، من كل الجنسيات ، والضباط المغاوير يغتصبون الطبيبات ، وقد قاومت كثيراً وبشدة حتى عجزت ووجدت الجميع يصرخن ويولولن ، والمرأة التي تزيد مقاومتها عن الحد المحتمل تصبح هي (( الطبق الشهي)) للجميع نكاية فيها !! فجأة وأنا وسط مأساتي رأيت زوجي عابد ، نعم زوجي ، لا أعرف كيف حضر ولا كيف دخل المستشفى ، هل أحس بالقلق علىّ فجاء ليطمئن ؟! لا أعرف ، كل ما أعرفه أنني رأيته فجأة ومعه مجموعة من الرجال المصريين والأطباء يحاولون ويحاول زوجي معهم الدفاع عن الممرضات والطبيبات، بل والمريضات أنفسهن لم يسلمن من الاغتصاب من الأبطال الأشاوس الذين يعتدون عليهن بلا رحمة !! رأيت زوجي المسكين والرجال معه محاصرين والجنود يصوبون ناحيتهم المدافع الرشاشة والبنادق ويهددون من يتحرك منهم بقتله علي الفور ! صرخت حين شاهدت زميل زوجي الواقف بجواره وهو يسقط غارقاً في دمائه ، ساعتها صرخت علي نفسي وعلي زوجي وعلي أبنائي! ولم يستطع أحد أن يفعل شيئاً ، ولا أعرف ماذا حدث بعدها سوى أنني وجدت نفسي ممدة علي أرض المستشفي والدماء تنزف مني بغزارة وبجواري زوجي يحاول إنقاذي من النزيف الشديد !!! ساعتها والله يا أخي رجوته ألا ينقذني وأن يتركني أنزف حتى الموت ، فتمتم بكلمات مقتضبة بأن أطفالي يحتاجون لي وبأن الذنب ليس ذنبي ، ساعتها صدقته وقاومت الأوجاع وعدت معه للبيت . لم تلتق عيناي بعين زوجي عابد أبداً ، وهو لا يرفع وجهه إلىّ وأنا لا أرفع وجهي إليه ولا نتحدث إلا للضرورة القصوى ! ظللنا علي هذا الحال عدة أيام لا نغادر البيت ولا نتكلم ، وأخيراً استطعنا الهروب من مدينة الأحلام المنهارة (( الكويت)) بسيارة زميل زوجي الذي سقط بجواره قتيلاً . بدأنا رحلة العذاب الطويلة في الصحراء العربية القاحلة ، وفي درجة حرارة لا توصف ، فلم يحتمل وليدي الصغير سعيد تلك الظروف القاسية ولفظ أنفاسه الصغيرة بين أيدينا وأنا وأبوه طبيبان ولا نملك أي وسيلة لإنقاذه ، فكان ولدي الحبيب سعيد آخر وأغلي وديعة أودعناها أرض الأحلام المغتصبة قبل أن نغادرها للأبد !!! ساعتها والله يا أخي لم أبك ولم أذرف دمعة واحدة ، ولم يبك زوجي عابد ، وواصلنا الزحف في الصحراء العربية القاحلة صامتين لا نتفوه بكلمة واحدة طوال المسافة الشاسعة ، وكان أملنا الوحيد الوصول إلي أم الدنيا مصر ، ولا يشغلني إلا خوفي علي ابني الوحيد أسعد ! وأخيراً وصلنا ألي أرض مصر الحبيبة الطيبة ، مصر أم الدنيا حقاً وصدقاً ويقيناً !! دخلنا ميناء نويبع ومنه إلي مدينة قليوب البلد ، وفي الطريق إلي قليوب نطق زوجي عابد لأول مرة وبغير أن ينظر ناحيتي طالباً مني بألا أحكي شيئاً عما حدث لأى مخلوق ، لأنه كما قال ليس في حاجة إلي مزيد من الفضائح !!!! استقبلنا أهلنا ولم نرو لهم شيئاً ، وعدنا إلي شقتنا بعد عناء الرحلة القاسية والذكريات المريرة ، و توقعت أن تخرج عودتنا سالمين لوطننا الغالي مصر ؛ الحزن من قلب زوجي عابد ونعود لحياتنا الطبيعية من أجل ولدنا الوحيد أسعد . لكن مرت الأيام وزوجي عابد يلتهمه الحزن وتدهورت حالته أكثر وأكثر ، وهو لا يغادر البيت ليلاً أو نهاراً وينام علي أرض الصالون ولا ينظر إلىّ ولا أنظر إليه ! ذات يوم وجدت بالصدفة ورقة ملقاة علي أرض الصالون ، فدفعني الفضول لقراءتها ، فوجدت زوجي المسكين يقول فيها أنه فقد الإحساس برجولته لأنه (عجز) عن حماية زوجته وعِرضه وشرفه ، وإنه لا يستطيع أن ينظر في عيني لإحساسه بالجبن لأنه خاف من البندقية والموت أكثر من خوفه علي ضياع شرفه، وأنه رآني بأم عينيه والضابط العراقي الوغد يغتصبني لمدة أكثر من ساعة كاملة! إنه يتساءل لماذا أنقذني ؟!.... بل ويفكر في التخلص مني لأنه لم يستطع لمسي بعد الآن !!! بعد قراءتي لأفكاره ومعرفتي ما يدور بذهنه؛ تساءلت : لماذا أنقذني ولم يدعني أموت نزفاً بعد أن ماتت روحي يوم الغزو العراقي المشئوم ؟!!! والله يا أخي لقد تحطمت نفسي وأعصابي وحياتي كلها ، ولولا خوفي من الله لأقدمت علي الانتحار لأتخلص من عذابي ! لقد بكيت بحرقة لأول مرة منذ قدومنا من أرض الأحلام الضائعة الكويت ، ولا أعرف هل أبكي علي شرفي المغتصب ، ويا لها من كلمة ؟!... أم أبكي علي وليدي المسكين الذي ضاع مني في رحلة الهوان ؟َ... أم أبكي علي زوجي عابد الذي يقتله الهمّ والغمّ كل يوم وكل لحظة؟!.... أم أبكي علي طفلي الوحيد أسعد الذي يفتقد ابتسامة الأب والأم ولم يعد يرانا إلا واجمين ؟ّ!ّّ أم أبكي علي أحلامنا الضائعة في حياة سعيدة ؟! أم أبكي علي حالي وحيرتي ومصيبتي ، وأنا الآن لا أعرف ، هل أطلب الطلاق من زوجي ؟... وإذا فعلت فماذا عن ابني وإخوتي وكلام الناس ؟! لقد كان في مقدور زوجي عابد أن يتركني أموت كما فعل زميل له ترك زوجته تموت علي أرض الأحلام المغتصبة لأنه لا يطيقها بعد ما حدث لها (( طبعاً نذل )) ولكن له عذره الأكيد ! أرجو أن تهديني إلي القرار السليم ، فأنا حائرة مهزومة منكسرة !! • هذا ما حدث للطبيبة الشابة المسكينة عابدة ، لقد عاشت هي وزوجها محنة قاسية رهيبة ، ... شيء مروع فظيع أن يكون هذا هو مصير أسرة مصرية صغيرة ، سافرت إلي بلد عربي صغير مسالم ؛ تحلم بحل مشاكلها الصغيرة، فتعيش ذلك الكابوس المريع ! • بداية أؤكد لها إنه لا يُلام المرء علي ما لم تجنه يداه ولم تكن له صلة في دفعه عن نفسه أو توقيه ، لقد تعرضت أختنا عابدة لعملية (( سطو مسلح)) علي حُرمة جسدها وتحت تهديد الرشاشات ، ومن الممكن أن تتعرض لها أي سيدة فاضلة مثلها وضعتها الأقدار في نفس ظروفها الأليمة ! • لقد كانت ظروفها صعبة ، قاسية وكان الاختيار قاسياً عليها وعلي زوجها الشهم النبيل الدكتور عابد ، وليس من العدل أبداً أن تستسلم لهذا الإحساس المرير بالدونية وفقدان الثقة بالنفس • شرفك سيدتي الفاضلة مصون ولم يُمس ، لأن ما يُؤخذ من الإنسان رغماً عنه لا يمس شرفه ولا ينتقص من فضائله ، والعار كل العار إنما يكون علي السارق الغاصب لا علي المسروق !! • والحق ، كل الحق إنكِ سيدتي الفاضلة في حاجة أنت وزوجك الفاضل إلي علاج نفسي طويل لإزالة الآثار السلبية المدمرة لهذا الحادث البشع الذي لم نسمع عنه إلا في شريعة الغابة التي يغتصب فيها القوي كل الضعفاء ! • أم أخونا الفاضل الدكتور عابد ، فأقول له صادقاً والله علي ما أقول شهيد ، أنك رجل شهم ، نبيل وكريم وشجاع، وما حدث لك ولزوجتك يوم الغزو المشئوم كان أكبر منك وأكبر من شجاعة أي إنسان يواجه مثل هذا الاختبار القاسي الذي واجهته ! • الشجاعة يا صاحبي لها حدود إذا تجاوزها الإنسان صارت خبالاً وحمقاً وتهوراً ، ليست شجاعة أبداً ، واعلم أن الخوف من الموت والمدفع الرشاش إحساس طبيعي يستوي فيه الجميع وعرفه أشجع الشجعان علي مر التاريخ !! • أنت يا صديقي بكل تأكيد أشجع من النذل الذي ارتكب جريمته القذرة في حماية عصابة من الأشاوس المدججين بالسلاح ، وأكثر رجولة ممن استباح لنفسه حرمات الآخرين تحت تهديد مدفعه الرشاش ! • لقد كان الموقف أكبر منك ومن زوجتك ومن أي إنسان ، فلا تجلد نفسك بجريمة ارتكبها نذل لا يستحق صفة الإنسانية ، ويكفيك أنك حاولت وقاومت ، فلم تجد أي جدوى من المقاومة ورأيت زميلك يسقط قتيلاً بجوارك ! • إن ما فعله هؤلاء الأوغاد، الأوباش من بلاد ( الرافضين) فاق في هوله وبشاعته ما فعله التتار في وطنهم العراق في غابر الأزمان ! • لكن هكذا هي سنة الحياة ، كما تدين تُدان ، انظر معي إلي العراق كدولة ووطن !... لقد ابتلاهم الله بالدواعش الخنازير الذين احتلوا محافظاتهم بكل سهولة وبساطة ، ولن يخرجوا منها إلي يوم الدين ، لأنه وبمنتهي البساطة والسهولة الدواعش هم أنفسهم جنود صدام المغاوير الذين اغتصبوا الكويت أوائل التسعينيات من القرن المنصرم ! • الدواعش بكل تأكيد صناعة أمريكية عراقية مختلطة ، هدفهم الأساسي هو زعزعة أمن المنطقة وتفتيت الشرق الأوسط إلي دويلات صغيرة متناحرة ، وهذا ما سيحدث للأسف الشديد ما دامت الشعوب العربية تعيش في غيبوبة وخنوع واستسلام ! • ثق وتأكد يا صديقي أنك تصرفت تصرف نبيل وشهم وإحساس كامل بالمسئولية حين أنقذت زوجتك وأم طفليك من الموت وعدت بها إلي أحضان أم الدنيا مصر ، ولله در القائل : • لابد من يوم معلوم ترتد فيه المظالم • أبيض علي كل مظلوم أسود علي كل ظالم !
أحمد عبد اللطيف النجار