سمفونية الكوكب الأحمر - خيرة الساكت
--------------------------------------
في صباح يوم من أيام العمل غمرتها فرحة كبيرة و سعادة مفاجئة لا توصف..سرى الدفء في عروقها وابتسمت أساريرها...انطلق وجهها الذي تلمحه في زجاج النافذة و أشرقت ملامحها بعد كآبة دامت شهور...
تساءلت ما هذا الذي يعتمل بداخلها ؟ ...
إنها مغرمة تمكن العشق منها ولم تعد ترى سوى طيفه يجوب الأنحاء .. .. بحثت عنه في كل مكان ..أين هو يا ترى ؟ و من هو؟ ...هذا الذي تظل بإنتظاره الليل بأكمله ...تحاكي النجوم و تتأملها إلى بزوغ الفجر فترى وجهه المضيء محمرا خجلا .... يكابد كل أشكال البرودة و الموت ليظل سابحا قائم الذات ...يطل عليها كل فجر فتقضي يومها منتشية تدندن... لا تزعجه محاولات التطفل بل لعلها تؤنسه في وحدته...فرت الحياة منه لكنه لا يزال حيا... و بحياته هو تحيا هي...يكفي وجوده ليمنحها سببا للحياة و ذكر اسمه ليجعلها تقضي يوما دافئ المشاعر و هادئ الطباع....
صارت الإبتسامة لا تفارق محياها ...ترد التحية و التهكم بالإبتسامة ...اتهمها الجميع بالبلاهة ....يتحدثون وراء ظهرها و يتغامزون ...هي على علم بأنهم ينعتونها بالبلهاء و الساذجة و أنها في بداية الجنون...يظنون أنها تهذي عندما تحدثهم عن حبيبها...... ومع ذلك فهي سعيدة ..تقابل كل هاته التهم بالإبتسامة لا غير....وحدها الإبتسامة كفيلة بكل شئ... اشتكاها رئيسها في العمل و قال أن إبتسامتها مستفزة و لا تقدم فروض الولاء و الطاعة..... واصلت ابتسامتها و لم تكترث للأمر...
شحنة الحب و الأمل تلك التي ترسلها ابتسامتها ...
و الآن أين هو حبيبها ؟ ...إنه خارج البيت المزيف...يدور في أرجاء البيت الحقيقي غير المحدودة و اللامتناهية ...
وراء اللون الأزرق المزيف يختفي اللون الأسود الحقيقي و الفارغ..... حقيقتنا السوداء الفارغة ...حقيقة عزلتنا في هذا الزمن....حقيقة تسبب الأرق للذين يعلمون...
يتردد الصوت في أذنيها منذ الصباح....عزف جميل يدغدغ مشاعرها و يجعلها تترنم و تطرب.... اعتقدت أنها تتخيل صوت دوران حبيبها....
و لكن هل صارت حاسة السمع لديها قوية لدرجة التقاطها أصوات من الفضاء الخارجي ؟ ... ابتسمت في رضا يعكس وفاءها لمن تعلق به قلبها.... يزداد صوت العزف قربا و تناسقا كأنما اكتسب شحنة جديدة من القوة...
تركت القاعة التي تعمل بها و بدأت بجولة في المؤسسة .... مرت أمام قاعات التدريس الهادئة مبتسمة ..لم تكن هي مصدر العزف ....أيضا الإداريون منهمكون في عملهم وسط الملفات الكثيرة ...
إذا من أين يأت العزف ؟...تساءلت في نفسها..
وقفت وسط ساحة المؤسسة تتطلع في جميع الأنحاء ...لمحت باب قاعة المسرح مفتوحا على مصراعيه و بعض الطلبة يلجون النادي .....خصصت المؤسسة أكبر قاعة لديها لنادي الفنون الذي يضم المسرح و السينما و الموسيقى....
ألقت نظرة من الباب ...ينتظم العازفون فوق الركح مكونين أوركسترا غاية في التناسق... يمسك جميعهم الكمان و يعزفون لحنا رقيقا شاعريا ...تسببت إضافة عازفين إلى الأوركسترا في بلوغ صوت المعزوفة قاعة عملها....
أشار إليها أستاذ الموسيقى بالدخول مرحبا ... دخلت القاعة مبتسمة ...بهرها جمال التنظيم و رقة الموسيقى ...
" أعتذر لإزعاجك زميلتي ...إن أردت سنغلق باب القاعة حتى لا يصلك صوت الآلات الموسيقية...نحن نتدرب كما ترين ..."
" لم أنزعج مطلقا ...قادتني أذناي إلى هنا ....ما اسم هذه المعزوفة الرائعة..؟ "
" إنها سمفونية الكوكب الأحمر ...سيقوم فريق من رواد الفضاء برحلة استكشافية لكوكب المريخ ...سنعزف هناك هاته السمفونية كتحية للكوكب الأحمر الذي سيحتوينا و يكون ملاذا آمنا لنا يوما ما ...."
" هي سمفونية حبيبي ....خذوني معكم أود أن أكتشف حبيبي "
-.تمت -