عطر النبض ... - مصطفى الحاج حسين
---------------------------------------
بعضُ الموتِ في الشّوقِ
والكثيرُ من الألمِ
الدّمعُ يفتحُ الأبوابَ للنّارِ
والنّارُ تُشعِلُ أسئلتي
مَن يعوّضُني عن هذا الغيابِ ؟!
ويمنحُني عمراً آخرَ !
مَيِّتٌ أنا منذُ افترقنا
وما كانَ وداعاً بيننا
ولا قبلاتٌ لوَّحت لنا
كيفَ تجرّأَتِ الأرضُ على إبعادِنا ؟!
والمسافاتُ اقتلعَت أرواحَنا
ماكانَ على الدّروبِ أن تأخذَنا
ولا كانَ على الشّمسِ
أن تدلَّنا على سراديبِ الاغترابِ
أعتبُ على الغيمِ الذي
لم يمسك بخطاوينا
حتّى الهواء
كانَ عليهِ أن يسدّ لنا وجهتنا
وعلى اللّيلِ كانَ
أن يعثّرَ غصّتنا
ويبعثرَنا في الاحتراقِ
يُفتَرَضُ بأشجارِ الفستقِ الحلبيِّ
أن تقيّدَ لنا الأرواحَ
وأن يرغمَنا الياسمينُ
على الإقامةِ الجّبريّةِ
كانَ على الحدودِ
القبضُ على نبضِنا
الهاربِ
وإرغامِ حنينِنا على العودةِ
كانَ بمقدورِ الفراشاتِ
فعلُ شيءٍ لِتُبقينا
والقدودُ الحلبيةُ والموشحاتُ
يمكنُ أن تلعبَ دوراً
ما كانَ علينا أن نغادرَ
الموتُ أهونُ من غربةِ الكرامةِ
القذائفُ المتفجّرةُ
أرحمُ من لغةٍ تجهلُ مشاعرَنا
توزَّعنا على رمادِ خيبتِنا
هويّتُنا فقرُ حالِنا
وانكسارُ خاطرِنا
ننتظرُ مَن يتكرَّمُ علينا بالإشفاقِ
نتعرَّضُ لكلِّ أصنافِ التّفرقَةِ
لا تَحِقُّ لنا لغتُنا
لا علمَ وطنَّياً يرفرفُ فوقَ أحلامِنا
ولا نشيدَ نردِّدُهُ في الغربةِ
غريبٌ أنا ياحلب
مِن بعدِكِ صرتُ اللاشيءَ
وربّما أقلُّ منهُ وأدنى مرتبةً
لا يحقُّ لي أن أرسمَ قلعتَكِ
على جدرانِ الغرباءِ
وممنوعٌ أن أغنّي "إسق العطاش "
غربتُنا إذلالٌ لسيفِ الدٌولةِ
وصلاحُ الدّينِ على سوريةَ يبكي
أعِدنا يااللهُ لحضنِ أمّنا
سنكنسُ تربتَها بمناديلِ الرّوحِ
ونقبِّلُ أيدي أشجارَ الزّيتونِ
زيتونةً زيتونةً
ونرشُّ على القلعةِ
عطرَ النّبضِ
حلبُ .. يا الله
هي نسمةٌ يتنفَّسُها الملائكةُ
هي نجمةُ الكونِ بلا منازع
وضحكةُ الدُّنيا الصّافية
تفّاحةُ الشّرقِ
عروسُ السّماءِ السّابعةِ
القمرُ قطعةٌ من حريرِها
النّدى
أنفاسُ صباحاتِها
حلب
الجنّة الأولى للعرب *
مصطفى الحاج حسين . إسطنبول