معجزة - عبد الكريم ساورة
---------------------- كان يتسول أمام المسجد، لباسه ممزق ووجه قاحل يغطيه شعر خفيف وعينان جاحظتان ورجلان حافيتان، لايبدو من أهل الأرض ، تتعاطف معه من النظرة الأولى، يبتسم كل الوقت، تحركاته بهلوانية، وسبحة من حجر في يديه كأنه يهيئ نفسه لرجم قبيلة من الشياطين، يرتدي قفطانا أخضر، باهتا، بسبب تعرضه لضربات الشمس، يضع حزام بلون الدم يشد به بطنه المنتفخ ويفاجئك بسرعة حركته كأرنب هارب من طلقات صياد محترف. لاتكاد تضع يدك في جيبك لتتصدق عليه حتى يستقبلك بموجة من الدعوات ويفتح يديه المتعفنتين كأنه خارج للتو من مشرحة طبيب جراح ،فيبدأ يقذفك بالكلمات الصوفية المطروزة ، وصوته يتعالى تدريجيا كأن خطرا يلاحقه. ماهي إلا ثوان قليلة حتى اجتمع حشد من المصلين والفضوليين الذين تحلقوا حوله من أجل اكتشاف مواهبه، ثوان معدودة بدأ في تلحين كلام يشبه القرآن حينا ويقترب من الشعر حينا آخر، كلام ملغوم ومبهم، وبين الفينة والأخرى يرتشف كوبا من الماء ويبدأ في رش الدائرين حوله وهو يردد " يا لطيف " يا الله" . يزيد عدد الناس في التدفق، فتتفتق موهبته في الحكي ، فيبدأ في سرد تفاصيل حكايته الغريبة وكيف قطع مسافات طويلة وعاش لحظات فظيعة وكابد ظروفا قاسية حتى وصل به الحال إلى هذا المكان الذي تمنى أن يكون بر الأمان بالنسبة له. وأردف بصوت من الخشوع المهيب : "ولدت غريبا في هذه الدنيا وسأموت غريبا لامحالة " وهو ماجعل الناس يتعاطفون معه ويجزون له العطاء مقترحين عليه أن يقيم في المسجد معززا مكرما بينهم. الناس يصدقون بسرعة كل من يدعي أنه صاحب كرامات، يبحثون من خلاله عن الآمان والخلاص، وهو ما جعل أهل هذه البلاد يعضون على هذا المجذوب بالنواجذ،ربما سيرفع كفيه للسماء في يوم ذي مسغبة، فيأكل الطير والإنسان والحيوان، ومن يدري إن الله يضع سره في أضعف خلقه......... أيام قليلة، بدأ الناس يتحدثون عن بركاته، يقبلون يديه، من أجل أن يمطرهم بدعواته، بالرفاه والبنين، فكروا في تزويجه أجمل فتياتهم حتى يختلط نسلهم بنسله ولن يعود غريبا عندما يحل ببيوتهم . في إحدى الليالي اجتمع علية القوم، ومن أجل أن يستفيدوا أكثر من خوارقه، اجمعوا أن يصبح إمامهم في الصلاة بعد أن أزاحوا رجلا كان عالما بكتاب الله ، وفي أول صلاة صبح يؤمهم، جادت السماء عليهم بسيول من الماء جرفت صغيرهم وكبيرهم..