عندما تبكي النساء - عبد الكريم ساورة
-------------------------------- تحلم المرأة وتتشبت بالحياة أكثر من الرجل، لهذا تجدها تبحث عن الاستقرار المادي والعاطفي، وتدافع بكل ما أوتيت من وسائل لنجاح مشروعها في الحياة . هل كل مانحلم به يمكن تحقيقه ؟ وماذا عن أحلام المرأة في صراعها المرير لترويض الواقع المر؟ كان شمس التبريزي يقول: " لا تقبل بحياة لا تشعر فيها بالحياة " . مرجانة وجوهرة ولؤلؤة.... ثلاث تجارب لامتحان الحياة.... مرجانة كانت امرأة رزينة، جمالها طبيعي مائة بالمائة،حازمة، منضبطة،لا تتكلم كثيرا، الكل يهابها ويحترمها بالشركة، من عائلة متوسطة، أبوها كان موظفا بالتعليم، تعلمت منه كل أصول وقواعد التعامل مع الآخرين بأسلوبه التقليدي، حصلت على الإجازة في الاقتصاد، حاولت أن تتابع تعليمها العالي بفرنسا لكنها اصطدمت بعقلية أبيها الذي كان يعتبر سفر البنت لوحدها خارج بلدها خط أحمر، وكان دائما يقول لها أمام إخوانها الخمس : " المرأة ليست مضطرة للسفر خارج بلادها لتلقي العلم فهذا شأن يخص الرجل، وجهاد المرأة الحقيقي هو تربية أولاد صالحين للوطن والمجتمع.." كانت كلمات الأب تلقى تصفيقا من طرف أخويها الذكور وتنديدا من طرف الإناث، لكن مرجانة كانت تصمت كعادتها، وعينيها الواسعتين تنطقان من خلال النظر لأبيها بنوع من التقدير والرحمة. تزوجت ابن عمها المطلق، الذي يكبرها بعشرين سنة، وهو طبيب مختص رغما عنها، أنجبت منه ولدا وبنتا، معظم الوقت في عيادته وفي الليل تجده صحبة رفاقه من الأطباء بإحدى الحانات، كان مدمنا على الخمر و النساء حتى أصبح ملقبا بين أصدقائه " بصاحب السوءتين " . " استعملت معه كل الطرق التي تعلمتها من أبي ومن الحياة لثنيه عن هذه العادات السيئة الذكر لكنني كنت أصطدم بجدار مسيك فكانت كل محاولاتي تبوء بالفشل عندما يذكرني بأنه مل العيش معي لأنني مجرد سجن صامت، وأن الحانة أرحم ألف مرة من البيت، فكنت أسلم أمري لله، تبوح مرجانة والدموع تسقط على خديها لصديقتيها اللتان كانتا تحركا رأسيهما إشارة على تضامنهما معها قلبا وقالبا . جوهرة تختلف كثيرا عن صديقتيها فهي من عائلة فقيرة لم تكمل تدريسها والتحقت بالشركة من أجل أن تساعد أباها المشلول، الجندي الذي يتقاضى كل ثمانية أشهر تعويضا تافها عن مشاركته في الحرب على الفيتنام بجانب فرنسا، لها أختين صغيرتين لازالتا تتابعان دراستهما وتحتاجان إلى كل وسائل الدعم والمساعدة، أمها تشتغل في البيوت بين الحين والآخر من أجل التخفيف ولو قليلا من العبء الثقيل الملقى على بنتها جوهرة. التقت جوهرة بعد مرور أربع سنوات بشاب هو الآخر من عائلة فقيرة يشتغل سائق طاكسي، تزوجت به دون أن تكمل أسبوع واحد على معرفته. بدأت المشاكل تطفو على حياتهما بعد مرور أربعة أشهر بسب مساعدتها لولديها بمبلغ مالي كل شهر وهو ما رفضه زوجها رفضا مطلقا، فتح باب الخصام والشجار كل يوم بينهما وصل لحد الضرب المبرح الذي أصبحت تتعرض له جوهرة. كبر الخلاف بينهما كثيرا، فأصبح يعملها معاملة قاسية، لم تجد سوى الطلاق كحل أخير لها رغم حملها المفاجئ. كانت جوهرة لاتفوت الفرصة في أي محادثة مع صديقتيها للهجوم على سائقي الطاكسي وهي تصفهم " بالسلاكط " وفي كل مرة تظهر في نبرتها حقد دفين عليهم حينما تقول وهي ترتعش ووجها يزيد احمرارا " أنا اعرف انه لم يعد هناك رجالا نعتمد عليهم نحن النساء في هذا البلد وأعرف أن كل الرجال أصبحوا يبحثون عن امرأة بوظيفة كيف ماكانت فقط من أجل أن تصرف عليهم، اللقطاء، الكلاب الضالة، الطماعة...كل الرجال طماعون لايستحيون من تسولهم للمرأة في إعالة الأسرة و هم بذلك يسرقون جهدها وعرق جبينها...تفو ..تفو..أصبحت لأطيق كلمة رجل كيف ماكان شكله ولو تقدم لي في صورة ملاك. لؤلؤة تبلغ من العمر35 سنة، جميلة الوجه والجسد، دائمة الابتسامة كالشمس التي تشرق في وجه العالم، أنيقة لدرجة أن كل العاملات معها في الشركة يغرن منها بسبب ذوقها العالي في اختيار الألوان المثيرة وساعدها على ذلك شعرها الأسود الذي يزيدها جمالا وجاذبية. تابعت لؤلؤة دراستها بامتياز، هذا التفوق الدراسي كانت ترعاه عائلتها الميسورة، وأباها البرلماني المعروف بالمنطقة ماجعل أغلب الرجال بعد تخرجها يسارعون في طلب يدها للزواج، فكانت ترفض رفضا مطلقا كل من يتقدم إليها بحجة أنها لازالت صغيرة وتريد زوجا تشعر معه بطعم الدفئ والحب. " أريد رجلا غنيا، وسيما، مختلفا، متميزا، تقول لؤلؤة لصديقتيها جوهرة ومرجانة وتزيد بيقين وهي تضحك قائلة : أريد فارسا حقيقيا أفتح معه كل القلع المحاصرة" فتضحك صديقتيها وهن يرتشفن كؤوسا من القهوة بمقهى السندباد. في كل مرة تتاح لهن الفرصة يخرجن من العمل يذهبن لنفس المقهى يتحدثن عن الأزواج وعن عالم الموضة و تكاليف الحياة وعن الطبخ ولا يُفَوِتْنَ الفرصة للحديث عن المدير المسؤول للشركة والذي كان يحب كثيرا مجالسة النساء والاستمتاع بحديثهن . كان يقول لهن دائما : مجالس النساء مائدة لذيذة لاتشبهها موائد أخرى..... كانت لؤلؤة تُسِرُ إلى صديقتيها في كل مرة يراودها البوح بأنها ليست سعيدة في زواجها وأنا مجرد امرأة تعيش يوما بيوم بدون أي إحساس بالحياة وطعمها رغم أنها تزوجت رجلا فيه كل الصفات التي تتمناها أي فتاة، رغم أنني لم أتزوجه عن حب، له دخل مرتفع باعتباره تاجرا في العقار، من عائلة تملك الأراضي والعقارات، معظم وقته يقضيه في السفريات من مدينة إلى أخرى وأنها تتوفر على كل ما يخلق الرفاهية والمتعة. وتضيف بسخرية : وماذا بعد ؟ ها أنا أجد وحدي أغلب الأوقات بين جدار هذه الفيلا الواسعة لاأكلم أحدا ولايكلمني أحد، ولولا الأوقات التي أقضيها في الشغل والذي أملأ بها كل الفراغات لكنت قد أصبت بالجنون.وتزيد وبنوع من المرارة قائلة : هاهي عشر سنوات تمر عن زواجي ولازلت انتظر رحمة السماء لتدخل الفرحة على قلبي بمولود أو مولودة، فعلا ستكون معجزة.... في إحدى المساءات الجميلة، أعدت لؤلؤة مجموعة من الأطباق المتنوعة من الحلويات،والمشروبات وأنواع من باقات الورود، استدعت صديقتيها مرجانة وجوهرة، وعلى نغمات موسيقى حزينة أطفأن ثلاث شمعات بمناسبة، عيد الحب .........