الأم مدرسة - د. صالح العطوان الحيالي
---------------------------------
الأم مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق التعبير عن الأم مسألة سامية عظيمة لها ما لها، وعليها ما عليها، فإن الأم هي الأصل الذي يبدأ منه وعليه ارتكاز بناء المجتمع والأسرة والدولة والوطن، فهي الحاضن للرجال، وهي مربية الأجيال الصاعدة، فهي كل المجتمع إذ الأصل في وجود الرجال وتربيتهم ليكونوا رجالاً، وهي نصفه الآخر من النساء بالعمل على تقديم الخير لمجتمعها وأسرتها والعالم كله. الأم كلمة يحويها من الجمال ما لا يحوي غيرها معه، ولا يضاهي في وصفها أمر من الحياة آخر نستطيع الإرتكاز عليه غيرها، فالجنة تحت أقدامها، وجنة الدنيا بين ضلوعها وأطرافها، إنها سر الوجود الذي حملنا في جسده ورعانا باللطف وتحمل ألمنا وألم ولادتنا، وكانت الحنونة على بقاءنا وإدامة حياتنا حتى أصبحنا بهذه القوة التي نحن عليها، فسهرها الطويل طول تلك الليالي لأجلنا، وكل ذلك الذي قدمته من أجل أن نحيا حياة سعيدة آمنة لا نخاف من البرد ولا الجوع ولا الضياع، فساعدتنا للوصول إلى بر الأمان في الدنيا والأخرة، كيف لا وهي سر الوجود الأعظم الذي رافق قلوبنا منذ تلك النعومة التي كانت بأجسادنا، حتى قوي ذلك الجسد وأصبح قادرا على العطاء والإنتاج، فهي المنشأ لهذا الجسم الذي تكونت خلاياه من طعامها ومن دمها، وتلك العظام التي آلمتها وهو ينمو ويكبر يوما بعد يوم في بطنها، ولتلك اللحظة التي شعرت بألم يفوق تكسر عظام الإنسان عظمة عظمة لتخرجه إلى نور الحياة، ابنها وفلذة كبدها ودنيتها، لترعاه فتطعمه حليباً سائغاً مما تأكل وتطعم نفسها لتدعه يشعر بالامتلاء والشبع، وتسهر الليل على راحته لتجعله الأسعد والأكثر راحة في الدنيا، فتطعمه وتحضنه وتدعو له في نومه، وتدفئه من البرد وتنفخ عليه من ريحها البارد؛ ليذهب عنه شر الحر وحماوة اليوم، حتى يصبح ما يصبح في سن رشده وقوته. إنها الأم التي تغفر ما بدر من ابنها وتسامحه وتعفو عنه، إنها الأم التي لا تطلب من ابنها غير أن يكون سعيداً حتى لو كان على حساب سعادتها ويومها وليلها، إنها الأم التي تستعد أن تفدي روحها بدلاً عنه وتدفع دمها لتحميه وتحافظ عليه، إنه القلب الذي لا يخذل أبداً في حبه، إنه الحب الأسمى والقلب الأعذب والرحيق الأطيب، إنها الأم التي تسهر وتربي وترعى وتكبر، إنها الأم التي ترحم وتدلل وتعطف، في قلبها كل الحب ومنها انبثق جمال العالم في الدنيا، وفي الجنة هي السحر والممر الأوحد للعبور إلى الجنة، فمن كانت له أم فليحفظ عهدها ولا يحزنها أبداً، فإنها سر الجنة وبوابتها الأولى والأقوى والأمتن، إنها الجنة في الآخرة وجنة الحب والرحمة والطيبة في الدنيا، لا ينسى فضلها ولا يستطيع أحد مكافئتها عليه، فقط تذكر بأنها الأم لتشعر بحجم عطائها عليك. أمي أمي، كلمة صادقة قوية تنطق بها جميع الكائنات الحية طلباً للحنان والدفء والحب العظيم الذي فطر الله قلوب الأمهات عليه تجاه أبنائهن. وقد وصّى الحق تبارك وتعالى بالأم، كما حثنا رسوله صلوات الله وسلامه عليه على برها، ولقد أوصى القرآن الكريم بالأم، وكرر تلك الوصية لفضل الأم ومكانتها فقال سبحانه: (ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير* وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون)، وجعل الله سبحانه وتعالى الأم مسؤولة عن تربية ولدها، فهي راعية ومسؤولة عن رعيتها، وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك". قيل: ثم من ؟ قال: "أمك". قيل ثم من؟ قال "أمك". قيل ثم من؟ قال: "أبوك"). رواه البخاري . فرض الله تعالى على المسلم بعد عبادته سبحانه وتعالى أن يكون بارّاً بوالديه عامة وبالأم على وجه الخصوص حتى لو كان هذان الأبوان غير مسلمين. كما أوجب الإسلام على الابن أن يتكلم مع أمه بأدب ولطف، وأن يتجنب أي قول أو فعل قد يسيء إليها أو يؤذيها، حتى ولو كانت كلمة ضجر أو تذمر لأمر يضايقه من الأم، فلا يصح للابن أن يقول لأمه مثلا كلمة (أف) علامة على ضيقه أو تذمّره، واذا رأى الابن أن الأم في حاجة إلى قول ينفعها في أمر دينها أو دنياها فليقل لها ذلك بلطف وليعلمها بأدب ولين، وعلى الابن أن يعمل كل ما في وسعه من أجل إدخال البهحة والسرور إلى قلب أمه، ويكون ذلك بالاجتهاد في الدراسة والتفوق، وأن يتجنب الابن كل قول أو فعل مع أصدقائه وجيرانه قد تكون نتيجته أن يسب أحدهم الأم أو يسيء اليها ولو علي سبيل اللعب والمزاح، وعلى الابن أن يكن مطيعاً لأمه في كل ما تأمره به أو تنهاه عنه طالما كان ذلك في حدود الشرع والدين، ولكن إذا أمرته الأم مثلاً بترك أمور دينه أو معصية الله سبحانه وتعالى، فمن حق الابن ألا يطيعها لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق سبحانه وتعالى. وفي كتاب الله وأحاديث الرّسول صلى الله عليه وسلم نجد إشارات صريحة على ضرورة بر الأم وضرورة طاعتها واحترامها، سواء في مرحلة الصغر أو في مرحلة الكبر. وللأم فضل عظيم، وللوالدين بصفة عامة، وقد أكّد الله لنا الوصية بهما في كتابه الكريم، وفضّل القرآن الكريم الأم عن الاب وذلك لأنها تقوم بالدور المستتر في حياة وليدها وهو غير مدرك عقليّاً لما تفعله من أجله، فحتى يبلغ الوليد ويعقل تتحمل الأم آلام كثيرة طوال فترة حمله، ثم ولادته، ثم السهر عليه لإرضاعه ورعايته، فإذا كبر يظهر دور الأب الذي يكمن في تلبية احتياجاته من شراء لعب وملابس وغيرها. كن مطيعاً بارّاً بأمك الآن، لأنه سيأتي يوم ولن تجدها بجانبك، عندها ستندم على ضياع كل لحظة لم تقضيها بجانبها. أدام الله أمّهات الجميع ورزقنا برّهن. درو الأم الأم نصف الدنيا، هي نصف المجتمع بأسره، وعماده وأساسه؛ فهي من تُربّي وتهتم بالأطفال، ومن تهتم بشؤون المنزل، ترعى زوجها وأطفالها، تسهر على راحتهم ووقت تعبهم، وتفكر في مستقبلهم. يبدأ دور الأم منذ بداية حياة الطفل، فمنذ أن تنزل به الروح وهو جنين بعد أن يتم في رحم أمه أربعين يوماً تبدأ الأم بالاهتمام والتعب من أجل صحة وراحة جنينها، فهي تتعرض لمتاعب الحمل المختلفة، تتحمل الوجع والألم بكل حب، تنتظر بفارغ الصبر كي ترى وليدها بين ذراعيها لتضمه في حضنها ويصبح هو شغلها الشاغل، وتتحمل كل ذلك بكل حب. هل تعلم أن آلام الولادة تصل إلى حد الشعور بتكسير عشرين عظمة فى جسم الانسان؟ كل هذا الألم تتحمله الأم، ورغم ذلك بمجرد أن ترى وليدها تنسى كل آلالم الحمل والولادة وتضمّه إليها، وتعطيه من الحب والحنان في هذه الحظة ما يكفيه عمره. من في الدنيا سوف يتحمل كل هذا غير الأم؟ ونحن لا ننكر دور الأب فى المجتمع على الاطلاق بينما نوضح مدى عظمة وأهمية دور الأم في المجتمع، ولهذا فعلينا تذكّر كلمات الله تعالى عز وجل عن الوالدين قوله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ). كما أوصانا الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام بالأم؛ فهو خصّها في الحديث الكريم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أمك)، قال: ثم من؟ قال: (أبوك) ). مهما تحدثنا عن الأم وردوها العظيم في المجمتع لن نوفيها حقها، يكفيك أن تنظر إلى عائلة بلا أُم لترى حالهم وكيف كان قبل رحيل هذه الأم عن الدنيا، فنحمد الله على نعمة الأم ولنعمل على برّها وإرضاءها. الأم العظيمة الأم لها دور أساسي في تربية ونشأة أطفالها، حيث إن العبء كله يقع على أكتافها منذ أن حملت وليدها في بطنها ما يقارب من تسعة أشهر، وهي مدة طويلة تنهكها وتشعرها بالتعب والإرهاق الشديدين، وكل هذا في سبيل خروج مولودها إلى الحياة، ثم يأتي دورها بعد ذلك برعاية كل ما يخص طفلها من مأكل، ومشرب، وملبس، حتى النظافة الشخصية لطفلها تقوم بها له دون أن تشعر بالاشمئزاز، فهو قطعة من جسدها فلن تنفر منه أبداً. ثم تتوالي السنين ويكبر طفلها أمام عينيها الحنونة، تفرح لفرحه وتحزن إذا أصابه أي مكروه، تعلم كل شيء عنه دون أن يدري، حتى وإن حدثت له مشكلة خارجاً وعاد إلى البيت، فإن أول من يسأله عما يضايقه هي أمه، لا يغمض جفنها إلا بعد أن تطمئنّ أن أبناءها ينعمون بالنوم العميق، تسهر الليالي في حالة مرض أحد أطفالها، وتتمنى ألف مرّة أن يصيبها ذلك المرض بدلاً من أطفالها، تدعو بكل نفس يتردد في صدرها بالسعادة والصحة لأبنائها، وتتمنى لهم الخير حيثما كان، فهي الوحيدة التي تتمنى أن ترى أطفالها أفضل حالاً حتى من نفسها. تربّي أبناءها تربية فاضلة، وتقوم بتوعيتهم وتربيتهم بطريقة صحيحة، تعاتبهم على أخطائهم وترجوهم ألا يكرّروها، فهي أسمى درجات الحب والحنان والعطف، ومهما كتبنا من سطور أو أصدرنا كتباً فلن نقدر ان نوصف الأم وأهمية دورها العظيم.