top of page
صورة الكاتبAdmin

و لادة بتفاصيل أخرى .. - محمد الكسبي


و لادة بتفاصيل أخرى .. - محمد الكسبي

--------------------------------------

من رواية صدام / الفصل 36

اليوم.. قدر لبسمة أن تتسول المارة و قد وضعت على فخديها طفلين غارقين في سبات عميق..أو لكأنهما أيضا يمثلان باحترافية تامة دورهما كنائمين وذلك لاستدرار عطف الراجلين ... يا له من منظر مؤلم تأثيره لحظة تلاقي نظراتهما الفاحصة مخلفات الزمن على المحيا و قد تسمرت دهشة في بعضها البعض مدة من الوقت المسترجع لتقاطيع الصور الماضية ..لتهب بعدئذ بسمة البدينة مثثاقلة وهي تضم نادية إلى صدرها بحرارة مريرة .. و بينما هما متعانقتان وشوشت نادية حزينة في أذن صديقتها: ---اللحظة إحساس فريد بجدلية الاستحضار والنسيان...و بالنسيان وحده يسعد الإنسان.. أجابتها بسمة على الفور قائلة:--- لا يحق للعاقل أن ينبش جمر الجحيم... انك الآن تضمين بين يدك كل الرميم... أخذتا تبكيان طويلا و نظرات الراجلين ترشقهما في استغراب شديد لما يجري أمامها إذ كيف لامرأة ارستقراطية فادحة الثراء ترى وسط الرصيف العام في عناق حار و متسولة قذرة رثة الأسمال ؟؟؟ ... من تكون هذه ؟؟؟ من تكون تلك؟؟؟ أسئلة مزلزلة تسافر في الاتجاه المعاكس وقد أمطرت غزيرة من الأفواه المتطفلة فقط لتأصيل الهوية.. هويتهما .. أسئلة مغلقة تلقي بها المارة على قارعة الطريق و تمضي و هي تشيع بنفس النظرات المرتابة نصبي الحنين المنتصبين على ركح الوجود وهما يبرقان بالرسائل المشفرة إلى ما يؤجج في صدرهما نار الأشواق المستعرة ذكرى و حنينا ... بعد صمت قصير من عمر اللقاء سألت نادية صديقتها المتسولة التي ما انفكت شاكرة الله كثيرا على مثل هذه الصدفة الكريمة التي منحها إياها : --- من هذان الطفلان يا بسمة؟؟؟ أجابت في استحياء تام : ---هذا الذي على اليمين ابني قد سقط في رحمي لخطأ في الحساب.. و الآخر قد اكتريته من جارتي على أساس أن أعطيها خمسين درهما يوميا.. طأطأت نادية رأسها وقالت:-- اهكذا هي إذا حقوق الطفل في وطني ثم أردفت قائلة : ---و من أبوه ؟ هل هو الآخر من الميتم قد اعرفه ؟ تنهدت بسمة و قالت دامعة: --- انه المدير.. نعم هو ..هو نفسه ... و غيرنا الكثيرات ممن سمم نفسيتهن كدمات لن تنمحي أبدا.. فردت نادية و هي تعض شفتها السفلى بامتعاض: -- انه نفس الشخص الذي اغتصبني بمكتبه بعد أن خيرني بين الرضوخ أو الطرد خارج الميتم .. انه من المنعوم عليهم بالجاه و السلطة و نفاذية الكلمة .. لتتمم كلامها بسمة غاضبة: --- صدقت قولا .. انه نموذج آخر ممن يمتلكون سلطان / دعه يمر.. دعه يعمل.. بهذا الكلام استودعتها نادية كئيبة.. متجهمة.. عبوسة ... وذلك بعد أن أخذت منها كافة البيانات التي من خلالها يسهل التواصل معها..دست في جيبها مبلغا من المال على أمل تجديد اللقاء بها في ظروف أفضل.. و يتجلجل الصوت ورائها مدويا يصم آذان الأجساد المتعبة من نير الاغتراب: --- لقد تركت ماض كسير خلفك يحث السير إلى حيث شاء القدر.. ..انه هويتك الوحيدة التي تحاولين عبثا التنكر لها... لكن هل يحق للإنسان مهما كانت ظروف حياته السابقة قاسية أن يقطع الجذور.. جذور الانتماء إلى من كانوا له في الميتم نعم العائلة...تلك العائلة الصادقة عواطفها و التي قسرا افتقدت ضحكاتها البريئة بفعل القوانين التنظيمية و اللائحية الزائرة اضطهادا..تعسفا و تجريما حتى ...؟؟؟ يا لها من ولادة جديدة تأنف شرور الاستنساخ طباعة و هندسة لتصماميم بشرية مجوفة العمق من أي إحساس جدير بالكرامة ... ربما كان ذلك صوت الراوي الذي يتعقبها سرا أينما ولت وجهها في ملكوت الله مرحمة و لعنة.. أما بسمة فقد بادرت بالقول جارتها : ---اليوم آمنت بأن كل شيء بقدر.. و الدنيا يا شريكتي بيعا لماء وجه الطفولة المغتصبة لصغيرة صغيرة جدا ..إنها بحجم بيضة في الكف هكذا و هي تشير بيدها المفتوحة في اتجاهها ...تقترب رويدا رويدا من جارتها المندهشة من تصرفاتها اللامعتادة و هي الوقورة الساكنة الصامتة دواما ... ضتمها بسمة بكل قوة إليها صارخة : --قد نخسر الأصدقاء يا عزيزتي لكن لا ننسى قط صورهم هذا لأننا نحتفظ بمرآتهم المكسورة هنا هنا في القلب ..نحتفظ بها رغم شظياتها الملمومة ... و ليكن فأجمل صورهم الصغيرة تلك التي تنطبع في جزيئاتها التي تحفظ التفاصيل الدقيقة لحالات قيد زمانها يومئذ.. قاطعتها الجارة مستهزئة : --- هات الخمسين درهما و كفى لغوا ... يبدو انك سئمت مهنة التسول و أردت الاشتغال بدلا عن ذبك فيلسوفة زمانها ... اللهم استرنا فوق الأرض و تحت الأرض و يوم العرض يا رب.... بينما بسمة فضاحكة استأنفت تقول : ---- اعلمي أن التلاقي من بعد الوحشة و الاغتراب يمكن الإنسان من استرجاع وبفضل آلة الحنين كل القوى العاملة و الكامنة فيه لصياغة الجزئيات الواصفة لشكل و جوهر من نحب لحظة لحظة .. إنها مهارة الذاكرة التي من إلفها تنجلي الصورة صادقة الملمح ..مضبوطة الخطوط .. جلية الإشراق .. بقوة كل ذلك سيدتي لو تعلمين ينثال العفو و التسامح لغة ضمنية بين الأصدقاء و الأحباب ... فقط التلاقي من يمنحنا استدراك الأخطاء اعترافا و اعتذارا ان نحن أسأنا...الآن أنا اليوم امرأة أخرى .. من عجينة أخرى.. من فصيلة أخرى.. أي امرأة بتفاصيل جديدة...لا تسول بعد الآن ....لقد أدركت طريقي فاهتديت إلى نفسي مجددا..سيدتي باركيني الولادة الجديدة رحماك... ولادة لا تقبل بأية حال واقع الاستنساخ إطلاقا....

يتبع

17/3/2017 القصر الكبير المغرب الأقصى


٧ مشاهدات٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page