الأقـنـعـة - بن عمارة مصطفى خالد
----------------------------- (رعد)،لا نعلم إن كان هذا اسمه أو هو نعت ينعتونه به،فلم نكن نحفل بهذا سوى أنه أستاذنا في الرياضيات،جاد في عمله محترم وقور،لا يجرؤ أحد محادثته إلا نادرا سواء أكان من زملائه أو من طلابه و كأنه سلطان جائر أو حاكم دكتاتور،رغم قصر قامته و جسمه الضعيف،الذي و إن رأيته ظننت أن به حمق أو نزق أو ضعف،و لكن شخصيته كانت تنم عن عظمة محشوة بهذا الجسد الصغير،عكس ما كنت تظن. بعد مضي حوالي العام،نهلنا من هذه المادة ما نهلنا و الفضل كان للأستاذ،و لكننا كشفنا مستورا داهمنا دون سابق إنذار كالزلزال،فدوي الرعد كان أمام الأنظار و الأعين،أما ليلا فكان عربيدا تعزف أنامله لحن الكؤوس المترعة و غياب العقل و الترنح بالطرقات،فسقط من أعيننا سقوط النخلة الباسقة و البنايات السامقة بعدما وضعناه في شفعة أفئدتنا،و حلمنا أن نتخذ سبيله في الحياة،ففي ذات مساء و أنا خارج من المكتبة رأيته يكنس الرصيف بملبسه و فمه يقذف السباب و الشتائم على كل من يمر عليه،فراعتني رؤيته و هالني منظره و الناس يبصقون عليه و كأنه حثالة،فلما وقفت أمامه،استطرد شخص من الواقفين:أتعرفه؟؟قلت:أجل،هو أستاذي في الرياضيات.فقال:و هل كنت تتوقع أن تجده بحاله هاته؟؟قلت:كلا.فقال:أأزيدك،على ما علمت؟؟قلت:هات.قال:هذا الشخص له ولدان و بنت،يعتبر طاغية في بيته،ففي يوم من الأيام دوهم بعلة بزوجته فحملها و أخذها إلى بيت أهلها دون رحمة أو شفقة،و بعدما برئت من علتها و تعافت،سقط سقطة ظنها الجميع أنها نهايته بلا ريب،فقد أقعده المرض،لا من يعتني به و لا من يمرضه،فذهب ناس الاحسان إلى زوجه و طلبوا منها أن ترحمه ففعلت مروءة و كرما حتى وقف كعهده الأول.قلت:ثم ماذا؟؟قال:البعض يقول هي لم تبرح بيته حتى اللحظة،فبقيت رغبة للأولاد،و البعض الآخر يقول أنه طلب السماح منها فقبلت،أما هو فما زالت سحنته تتناوب على ارتداء القناعين إلى اليوم.تركت المكان و الدهشة ترافقني و علامات التعجب مطبوعة على ملامحي و أنا أتساءل:كيف لشخص أن يتقن لعب الأدوار،موهما الناس بسلوك غير سلوكه و طبع غير طبعه،فرجعت البيت مثقلا بهموم أستاذي ثقل جبل على كاهلي،فدعوت له في سري أن يهديه بحق ما علم و جزاء تعب أداه في حجرات الدرس
--------------------------------------------. بقلم الأستاذ:بن عمارة مصطفى خالد. تيارت/الجزائر.