حِنَاءُ شَامَةَ - عبد الكريم ساورة
-------------------------- الأخبار منذ أرسطو-يقول الفيلسوف مشيل سيري في تعليق له على كتابه " معنى الإخبار" لا تحيد عن أمرين هما " المهول والمثير للشفقة " وقضية شامة التي استيقظت المدينة كاملة على وقعها يصعب تصنيفها، هل في مقام المهول أم مقام المثير للشفقة ؟ أم هما معا ؟ شامة امرأة جميلة، فيها كل شيء يثير الشهوة، كلامها كفاكهة الصيف، بساطتها، حركاتها الجذابة كطفلة في رقص استعراضي، تختار دائما لباسها بذوق لافت. في تلك الليلة، أعدت شامة لباسها التقليدي، بعد أن جربت أكثر من " تكشيطة " للذهاب لعرس بالمدينة، وفي الأخير استقر رأيها على لباس ممزوج بالألوان ، كالفراشة، وضعته بقربها، كانت غاية في السرور، وهي المعروفة " بالدَوارْ" أنها لا تخرج كثيرا، لأن زوجها الذي يشتغل بالخارج يغير عليها من الذباب الذي يحلق فوق رأسها ، وشامة لم يمضِ على زواجها منه ثمانية أشهر. استيقظت في الليل مفزوعة، وهي تردد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، ثلاث مرات، وتضيف متمتمة: اللهم اجعله خيرا، ثلاث مرات، واستسلمت للنوم بمشقة. في الصباح نهضت على طرقات صديقتيها ، اللتين سترافقانها إلى العرس، استقبلتهما بوجه مصفر، واعتذرت بعد أن حكت لهما كابوس الليل، ولكن سرعان ما اعتبرتا الأمر مجرد أضغاث أحلام لا أقل ولا أكثر بعد أن أكدتا لها، أن الأمر حدث معهما في أول الزواج ، وأن الخروج من البيت بعد فترة من الزواج يشبه كثيرا خروج الفأر من الغار عندما يكون في بداية حياته وهو مايسبب له الخوف والذعر من تعرضه لهلاك محتمل، وأمام إصرارهما خضعت للأمر الواقع. لم يدم وقوفهما طويلا على جانب الطريق، حتى توقفت سيارة أجرة ، هللت واحدة منهما وهي تقول : هذا جيد، جاء في الوقت المناسب، لم يكن أحد من الركاب سوى السائق الذي كان ينظر إليهن باحترام كبير، كان يتجاوز الأربعين من عمره، شقت جبينه تجاعيد زادت من حدتها لونه الأسمر، ضامر ونحيف داخل لباس مبعثر، كأنه لم ينم مند مدة طويلة، عيناه تتحركان في كل الاتجاهات بحثا عن شيء ما، وفي كل مرة يململ رأسه كلما انخفض أو ارتفع صوت المذياع متفاعلا مع الداعية الذي يتوعد المتبرجات بنار جهنم، ويحض على فعل الإحسان وهو ما جعل شامة تستقيم في جلستها. ومع مرور الوقت بدأت صديقتاها في تبادل النظرات وأطلقتا العنان للحديث عن العرس وأجوائه الصاخبة، ولم تعطيا اعتبارا لما يقوله الداعية من وعظ ووعيد، بينما شامة شعرت بالملل والقنوط، لأنها كانت تجلس في الأمام وزاد في ذلك الجو الحار لأن الأعراس غالبا ما تقام في فصل الصيف في أغلب المناطق المغربية، وهو ما جعلها تغير طريقتها في الجلوس ، فظهر جانب من ساقيها الفاتنتين المنقوشتين بالحناء ، ما أثار شهوة السائق وجعله يلتفت بعد الحين والآخر مما أفقده توازنه في السياقة وهو ما دفع صديقتيها إلى تنبيهه أكثر من مرة ولكن دون جدوى. لم تمر عشر دقائق حتى انعطفت السيارة عن طريقها الرئيسية، واتجهت نحو طريق ثانوية، وهو مادفع بإحداهن لسؤاله عن هذا الإنحراف الواضح ، فرد و وجهه يتصبب عرقا والذي بدأ يميل إلى الصفرة قائلا وهو يتلعثم : لا تقلقن ، لن أتأخر كثيرا، هناك سيدة في الدوار القريب تنتظرني، مريضة جدا تريد الذهاب عند الطبيب، وهي فرصة لفعل الخير في هذه الدنيا الفانية، وزاد بنوع من التخشع قائلا: ألم تسمعا ما قاله مولانا الشيخ الداعية بعد قليل عن الإحسان ؟ على مقربة من ساحة كبيرة بها بعض الأشجار المتهالكة، و أحجار مترامية هنا وهناك ، وبقايا قنينات خمر فارغة، توقفت السيارة فجأة، بدأت صديقتاها في الهمس، فنزل السائق بسرعة، فاعتقدن جميعا أنه نزل يقضي حاجته، لكن سرعان ما اتجه نحو الباب الأمامي وفتحه بقوة وجذب شامة بعنف ورمى بها في الأرض وانقض عليها كنمر عندما ينقض على غزال صغير، فبدأت تقاوم وتصرخ بأعلى صوتها، فنزلت صديقتاها اللتان اندهشتا من الموقف المباغت للسائق والذي كان يتحرك بكامل جسده النحيف ليفترس طريدته الفاتنة، فهجمتا عليه شر هجمة لم يتوقعها منهما، فوجد نفسه في مواجهة ثلاث فتيات في مقتبل العمر ويتمتعن بكامل لياقتهن، ما دفعه إلى الإرتماء إلى ساق شامة ، كما يرتمي حارس المرمى على الكرة، وبدأ في عض ساقها ككلب مسعور، ورغم كل المحاولات التي بذلت من طرف صديقتيها لفك ساقها من أسنان السائق لكن دون جدوى، ما دفع إحداهن لضربه بحجرة على رأسه فسقط مغميا عليه والدم يسيل من فمه من حر العض. لم تلفت الثلاث إلى الوراء، كن يركضن بكل ما أوتين من سرعة كأنهن يسابقن الريح، حتى وصلن إلى بر الآمان، فتنفسن الصعداء واتفقن على تكتم الأمر حتى لايذاع الخبر بين الدواوير ويصبحن مصدر القيل والقال فتلطخ سمعتهن هن الثلاث، لأن المرأة في الأول والأخير هي من تؤدي الثمن في هذه الحوادث رغم أن الرجل هو البطل الحقيقي في ارتكابها. قضين اليوم كاملا في العرس، رقصن على نغمات شعبية، كأن شيئا لم يحدث، وفي الوقت الذي قررن فيه العودة إلى بيوتهن في المساء، بدأت شامة تشكو من الألم في ساقها، فاضطررن الى التوجه إلى المستشفى، ورغم إنكارها على قول الحقيقة للممرض في البداية إلا انه شك في الأمر وطلب منها الإفصاح أو الاتصال بالشرطة،لأن أثر الأسنان بدا واضحا على موضع الجرح، وفي الأخير استسلمت واعترفت بكل شيء. بسرعة اتصل بالطبيب الذي كان متواجدا آنذاك بالعناية المركزة و أخبرعائلة زوجها، وأنجز محضرا بذلك لأن الأمر يدخل في جريمة اختطاف واغتصاب مع سبق الإصرار والترصد يجب التبليغ بها. غادرت المستشفى بعد أن قامت بالإسعافات الأولية ، في الصباح الباكر سُمِعَ خبر وفاتها .