على نهج النور - محمد ختان
------------------------ ...ترتعد الرياح خوفا من وقوف الأمطار فترتبك السحب بحثا عن تيارات فتتصادم مع بعضها البعض لتعتصر غيوم جرداء, تتناثر نجوما تحابك السماء تلونها أضواء أمل تناجي الأعالي بتضرع وخشوع لا مثيل له كأنها تراتيل ساكنة وتسبيح صامت عمق الروح جسد ملأه إيمان . تبتدئ أمواج ترتطم جوانب رمال ترسوا فيه بواخر صيد على أهبة استعداد لتباشر يومها الجديد المشرق مع بزوغ الشمس بحفاوة ونشاط لعلها تفوز بصيد وفير يغني ها عن عوزها المعتاد وجوعها الناقم وبكاء عيالها المتكرر , يبدأ التجهيزات وتعداد الشباك وتحفيز الأيادي العاملة لخوض معترك أعالي البحار لعلهم يفوزوا بحظ يشبع جوعهم لأيام عديدة. ترتفع الأهازيج والتكبيرات والخطى غدوا ورواحا بغناء صادح يكسر عتمة التردد ويزيل قحط السنين الشائبة مع النفوس التي أصابها الصدأ في كل رحلة فاضيه مرت ,تتحرك الألواح عائمة فوق المياه سائرة نحو مجهول بخطى ثابتة وعزائم مشعة ترتقب أن يبتسم لهم الحظ وتصطاد شباكهم صيد وفير. يتوغلون أميال و أميال ويخترقون أمواجا تعلوا وتنخفض تحركهم يمينا ويسارا تلاطمهم موجة وتصدم بهم أخرى, تعاندهم قسوة الطقس بأمطار غزيرة تتخللها رياح قوية تصدهم عن التقدم تحيلهم عن مواصلة السير لبلوغ موطن تمركز نشاط السمك ,عناء ما بعده عناء لتنقشع العاصفة الهوجاء ليجدوا أنفسهم بمكان غير مدرج بخريطتهم ولا سبق أن سمعوا عنه من قبل, هدوء المكان ورقود المياه واِنعدام أي أرض قريبة أو جزيرة وحتى المؤن غير كافية لتحمل الأيام التي قد سيمكثون فيها للبحث عن يابسة تهديهم السبيل العودة ,شمس تسحر المكان يمنح انتعاشا يجلسون يناقشون يثرثرون يلغون في مصيرهم يحاولون إيجاد مخرج فيلتجئون للقرعة حول الجهة التي سوف تكون وجهتهم إما التقدم للأمام في اتجاه الشمس أو العودة للوراء . ضجيج وصخب وهُتافات وعراك هنا وهناك ليخرج شاب في مقتبل العمر عن صمته ويصعد لبرج المراقبة فيبدأ يصرخ وكأنه رأى شبحا بأعلى صوته القراصنة قادمون القراصنة قادمون ,ليهدا الجميع مرتبكين وخائفين بحثا عن القادمين ليجدوا مجرد سكون محيط بهم ,فينزل الشاب إليهم مبتسما ليقول لهم : أرى أن الجوع أصاب منا الكثير فتعالوا نرمي بشباكنا لعنا نقتات قبل سقوط الظلام وبالغد نعزم بأي طريق نسير,فتحمس الجميع وأخذوا مراكب صغيرة مبتعدين قليلا عن المركب كي يلقون بشباكهم من كل جانب في البحر , بعد ساعات قليلة يعود الجميع هاتفين صيد وفير صيد وفير مرحى.. مرحى فباتوا تلك الليلة وكأنها من ليالي ألف ليلة وليلة طبعا خزنوا ما استطاعوا من المؤن . حل الصباح وقد قرر الجميع أن يحكموا الشاب ليختار لهم الوجهة التي سيسلكون ويكون قائدهم خلال رحلة العودة وأن لن يخالفوه في أي شيء يصدر منه مهما كان وهم له بالسمع والطاعة, جلس الشاب وهو يبلغهم عن اسمه الغريب شيئا ما وكأنه يرجعهم عن صوابهم في اختياره قائدا فهو يدعى : إبراء المخفي يتيم الأبوين كل أوطان العرب وطنه لا يحقد على أحد يحلم بأن يجتمع وطنه كما اِجتمع الصيادون حوله ليرمموا ما أصابهم وما صار إليه مصيرهم من اختلافات زهيدة تعمي بصيرتهم عن تبليغ الرسالة ونصرة الدين . هتف الجميع على قيادته فصار بهم حتى بلغوا موطنهم بسلام محملين بوافر مما يغني هم عن الحاجة والجوع والبكاء طيلة الأعوام القادمة ما داموا سائرين على نهج النور الذي أشع بنفوس القلوب ووحد الأمم وآخى الشعوب ,أعيد فتح النوافذ والتحم الجيران وتصدق الغني للفقير وفتحت الأسواق فعم التبادل ليستغنوا عن ما لا حاجة لهم بها وساد روح الامة بالإيمان.... انتهت بقلمي محمد ختان 25/02/2017