تناقضات مربكة... - محمد القصبي
--------------------------------
وصلت مجهدة إلى منزل الزعيم الكائن عزلة في ضواحي المدينة العتيقة و الجاثم على قمة تلة غابوية أخاذة سحرا و جمالا.. ... منزل مألوف لديها بخلفيته التي تمنحه كل آيات الفخامة التي ترفع صاحبها شأوا بليغا بين النخبة من سلاطين المال الحرام.. خلفية بمثابة حديقة أندلسية غناء فيحاء تجسد تحت جنح الليل محاكم التفتيش فلا غرو إن كانت في الحقيقة مقبرة لخونة الزعيم...غالبا و في حضورها كان يشير بسبابتها إلى الورود قائلا: --- إن سماد هذه التربة الغنية بالذبال من الأجساد الحية التي اخترقت تلاعي و قلاعي .. فقد داهنتني بالطاعة العمياء لأجل ارتكاب جرم الخيانة فكانت معصيتي الوحيدة إزاءها القصاص..سبحان من يخلق من الميت حيا.. حبيبتي انظري إلى هذه الورود التي نبتت مؤخرا فوق قبر كلب نتن لا يستحق الحياة... لقد عض اليد التي تطعمه ... الآن قد طهره التراب صعيدا طيبا انظري إلى مختلف الأشكال النباتية الزاهية كم هي عبقة بالرائحة رائحته التي تتناقلها الفراشات من رحيق هذه الورود الجميلة ... فهذه الحديقة يمثل كل قبر فيها أصا للزهور اللاحمة ....ما اسم الشاعر الذي قال :--- خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد ..... أجاب البستاني بأدب رفيع المستوى : --- المعري أيها الزعيم .... رد هازئا: --- تخرجت من الجامعة الوطنية بشهادة عليا ...لم تؤهلك كي تأخذ فرصتك في التوظيف الرسمي ...شاب رأسك في دهاليز البطالة المقنعة تحيا على اقتسام خبز اسود مع أسرتك المتعددة الأشخاص ... ...و اليوم فحمدا لله أصبحت لديك وظيفة قارة بيننا كحفار للقبور... عفوا مجرد زلة لسان لا تؤاخذينني أيتها العملاق المؤنث تذكيرا هههه وظيفتك كبستاني تتقاضى لأجلها أضعاف ما كنت ستتقاضاه لو عينت ضمن أسلاك الوظيفة العمومية قال البستاني الماهر المختص في حفر القبور: --- أطال الله عمرك أيها الزعيم ...فلولاك لما عرفنا للحياة طعما --- جميع الخدم يحيونها / نادية/ بالعملاق...لقد نفذت المهمة الإضافية التي ألزمها بها الزعيم بنجاح باهر.. انه يستدرجها للإيقاع بها في تنفيذ العمليات الكبرى كتجارة السلاح.. قبلته بحرارة ممزوجة ببعض الريب ...فهو مالك رقبتها الساعة ... لقد أصبحت هي الأخرى معزولة عن العمل بفعل الجرم الذي اقترفته ...حيث كانت تسرق أدوية المستشفى لتبيعها لأرباب الصيدليات ...لا سيما حبوب الأنسولين .. اعترفت بجريمتها أمام الضابطة القضائية لكنها لم تورط أي احد من الصيادلة المتعامل معهم خارج دائرة المشروعية...الشيء الذي دفعهم للتضامن معها بمنحها على الاشتراك مبلغا محترما لم يغط نفقة شهرين إيجارا و اكلأ و تطبيبا ... لقد اختارها الزعيم لوفائها و كتمانها للأسرار المهنية التي يتطلبها عالم الإجرام ...كما تم اختبارها مرات عديدة للإيقاع بها ... أصبح الزعيم منذ الآن يثق فيها لأنها قنطرة منيعة إلى كسب رهانات السوق السوداء نفس الثقة التي يمنحها العجوز لها لأنها الجسر المؤمن إلى جنة يتجدد فيها معها شبابه ...كانت نادية تستلذ خوفها من الزعيم ...فتقبل عليه لمضاجعتها بكل جموح .. كما الفت دفء الحب و الأمان مع العجوز لأنه استحضار للأبوية المفقودة.... يا لها من شخصية تجيد الرقص رقصتها الأخيرة على أوتار التناقض ... --- فمن تكون نادية / الأنوثة و الوداعة و رهافة الحس حس أمومتها الموقوفة التنفيذ؟؟؟... --- من تكون هذا العملاق الذي تذكر جبروتا عنفا و رهابا يغشى قلبا لا يعرف الرحمة إطلاقا ؟؟؟ .... --- لم هي دوما رغم فطرتها الأصيلة فيها براءة و ضعفا تمعن في إتيان الأفعال الدموية التي لا تعرف وجها آخر للغفران؟؟؟؟ ... فنادية إنما هي الحب الذي تحاول أن تشتريه عمرا لأجل أن يعمر طويلا و العجوز... نادية قدر اسود ضارب في العتمة كل السجف... اسمه العملاق الذي ينفذ بقلب بارد قرارات الزعيم القاتلة .... يا لوحشة التناقض الذي يطبع على الاعتدال مناصفة هوية امرأة صنعها المجتمع درعا واقيا و قاتلا لأمنه و سلامة أجياله ...إنها الثأر إنها الحب الممتطي صهوة الانتقام .... إنها الإعجاب بشخص منحها من صمته سكون الأقدار المرموزة ألغاما تهدد من حولها تنفيسا لعقد الذنب ... فضلا عما يمنحها الزعيم في الاتجاه المتعاكس من نفوذ و قوة و باس شديد تعزز لديها تركيز سلط القيادة و السيطرة بين يديها .. فرغم كل هذه الامتيازات التفضيلية تقديرا من الجميع .. فإنها دوما مرتبكة رعديدة العمق مرتجفة ...فمن أين مرد كل هذا التوجس المريب فيها والذي يحيل وجهها إلى قناع متصلب التجاعيد ؟؟؟
---------------------------
- من رواية صدام /الفصل 22 - محمد القصبي 22/2/2017 القصر الكبير المغرب الأقصى