نشيج الضياع.. - محمد القصبي
------------------------------
من رواية صدام-الفصل /20
أبى إلا أن يستضيفها الليلة ليلتهما التي اعتبرها هدية من جنون القدر إليه.. جذلة لم تمانع فما كان إلا أن أتما حديثهما في حانة اسبانية مقابلة للميناء .. مشهور مطعمها بإعداد السمك الأبيض طبخا و قليا ..و لرد الجميل فقد ألزمته بدفع ثمن العشاء و ما يحتسيانه من دنان التحدي... تساءل العجوز و هل سيصل الأمر إلى منادمتها...جميل ..فالخمر يساعد على التجرد من المحيط و المخيط ... أخذا كفايتهما من العشاء وبعض الكؤوس من خمر المائدة ... استأذنته بعض الوقت للاتصال بقريبة لها على أن تعود بعد ربع ساعة ... نقدت النادل و انصرفت تطلب حديقة محمود درويش استقلت سيارة أجرة صغيرة.. أرادت ولوج الحديقة فإذا بها مغلقة كعادتها... إذ لا تفتح إلا صيفا في وجه المصطافين و كأن سكانها لا حق لهم في الاستفادة من مجالها الأخضر الذي يزين فضاء المدينة... يحرسها على التناوب حارسان من موظفي الجماعة الحضرية.. كم هو جميل أن يبدع مجلس المدينة مشاريع مغلقة أو وهمية لكنها محروسة بموظفين ذاتيين آو أشباح في الحالات القصوى ........ في تلك الأثناء ربتت كف سوداء على كتفها بلطف... التفتت مأخوذة.. فإذا بصوت جهوري يقول : --- أنعمت مساء لالة نادية سألته مرتابة :--- من أنت سيدي؟؟ أجاب بلباقة مميعة ذلة :--- زنجي شرفه الزعيم بتسليمكم أمانة فما كان إلا أن نطق بكلمة السر:--- انقلب الزمن صفرا... تبسمت ثم طلبت منه المظروف ...تسلمته منه شاكرة و أودعته في محفظتها ثم ولت الأدبار حيث الحانة متسائلة : --- زنجي يتحدث العربية كمغربي قحيح .. ترى ما السر في تطعيم الشبكة بالأفارقة؟؟؟ لم أكن اعلم أن شبكتك الإجرامية دولية أيها الزعيم ... باتت لعبتك خارج الوطن فمرحى بالانتربول يوما إلي حيث أجدني مقترفة خطأ قاتلا يوما ما ... ... تبضعت زجاجة من الخمر الرفيع و انصرفت معية العجوز حيث اوطيل المنصور .. اكتريا غرفتين مجاورتين ليتوحدا على سرير واحد بعد أن افرغا القنينة في جوفهما لما كانا جالسين معا في باحة الفندق الداخلية ...كانت ليلة حزينة...قد بكت فيها بحرارة عن آلام يتمها.. عن فواجع حياتها التعيسة في دار الأيتام منذ أن عثر عليها لقيطة بإحدى زوايا ضريح الولي الصالح المظلمة...بكت بحرارة و هي تتذكر بعدد المرات حالات اغتصابها ...و كم كان بكاؤها شديدا على فقد عذريتها كبكائها على نزيل الدار يوم فر من قاعة الأكل فصدمته سيارة حينما كان يحاول العبور عدوا بل فرارا من مدير المؤسسة تلك..فأردته قتيلا .. أغلق المحضر ضد مجهول مادام الضحية نفسه مجهول الهوية أي فاقد الأهلية الوطنية.. فقط لكي تعيش على لقمة و مكان يأويها من لفح البرد و حر القيظ تنازلت نادية على أغلى ما تملكه الفتاة العربية من عرض هو مكمن نخوتها .. بضياع الشرف ضاعت نادية رقما أخر للدعارة و للجريمة المنظمة... فمن المسؤول عن استغلال ضعف النساء لإشباع الرغبات المرضية لدى هؤلاء المسؤولين ... بحكم الوظيفة و سلطة النفوذ تستباح إعراض المتسولين بعض الحق انتماء للوطن.... والعجوز أيضا قد بكى بشهقات الصغار مرثيا راثيا فقد ابنه الذي ابتلعه الموج دون أن يلفظه ... كره كل البحار و المحيطات لان الأمواج غصة أليمة يحسبها تداعب جثة ابنه المحللة... و كم مرة يتخيل أن كل موجة تحمل شلوا من جسد الفقيد ضحية حلم أراد إدراكه حقا ملموسا في الضفة الأخرى... كم كانت ليلة رهيبة أيضا بين الشعر و القصص و قراءة فصول قواعد الدفاع إذا ما تم القبض عليهما في حالة تلبس استهزاء بحرمة الحروف المبعثرة على فراش العلم... فعلى أنغام فكروني أدت نادية للعجوز وصلات رقص شرقية أنسته الرثاء و الفقيد و الموج و الحياة الكريمة في الضفة الأخرى لقد فيغرته – فياغرا- برشاقة حركاتها حتى اختلطت لديه الزغردة بالنهيق .... كان جسدها بضا رشيقا .. قد منحه فعلا الإحساس بالحياة ...إنها الجسد الذي تعلق به جسرا إلى حيث توديع فزاعة النسيان ...لكن أين ذهبت هذا الصباح تساءل بمجرد استيقاظه من الفراش ...لبس نظارته فإذا بورقة تغطي مبلغا محترما من النقود مكتوبة على الطاولة التي تحاذي رأس السرير الجانبي منها :-- هاتفني بمجرد الوصول إلى مدينتك و أتمنى أن يمنح الله ابنك فرصة النجاة حتى تراه ثانية .. اكرر شكري لك... لأنك تجدد عمري ألوانا أيها الصامت الوقور..أحب تفاؤلك الذي يطفو فوق دمعك السري الذي لا يرى بالعين المجردة ... احبك صبرا دامي المقل....لا تنس هاتفني على الرقم خلفه...
يتبع
---------------------- محمد القصبي 20/2/2017 القصر الكبير المغرب الأقصى