مدنيتهم اليوم جاهليتنا... - محمد القصبي
---------------------------------
من رواية صدام........................................الفصل 19 من الصعب أن أعود اليوم إلى الدارالبيضاء.. خبرني.. كم أجرة الغرفة لليلة واحدة في نزل عادي بهذه المدينة؟؟؟ .. سألته جادة.. حيره أمرها فكيف لامرأة تدعي أنها سيدة المال و الأعمال أن تسال عن تسعيرة نزل شعبي...لم يجد من حول إلا أن قال لها مستغربا : --- إن ارخص البانسيونات تلك التي تتكاثر في سوق برا سيدتي ...قد أرشدك إليها لو شئت.. --- من لهجتك يبدو انك لست من هنا.. هل تستأجر عينا هنا: أردفت القول مبتسمة رد صادقا : ---- لا بل ازور الكلية مرات قليلة .. نظرا لالتزامات أسرية ضاغطة أسفا.. فارقها بعد أن واعدها على اللقاء طبقا لدقة الموعد المتفق عليه زمانا و مكانا... بعد نصف ساعة من تتمة الأشغال الإدارية طلبا... استرشادا و استقصاء اقترح عليها شرف استضافتها هذه الليلة و ذلك توطيدا للعلاقة الطلابية التي جمعتهما للمرة الثانية تحت سقف الكلية المهيب.. ثم أيضا لاكتشاف جمال المدينة ليلا... استقلا الحافلة معا إلى حيث التجمع الفندقي يبحثان معا عما يلائم قوة الدفع نزلا.. نزلا و نادية حينها تستمتع بالرجوع إلى عهد فقرها يوم كانت تتحرى ابخس الفنادق سواء لاجتياز مباراة أو بحثا عن وظيفة حرة .حنينا.. بفضله استرجعت أيام فقرها و ضلالتها الأخلاقية حينما كانت تمارس تحت ضغط الحاجة الرذيلة كي تحيا على كد فرجها...في تلك الأثناء من عمر البحث عن وكر للمبيت رن هاتفها ذو الإيقاع الراقص .. انه الزعيم يأمرها هذه المرة بان تلتقي عميلا على جناح السرعة باصيلا بحديقة محمود درويش حيث سيسلمها مظروفا خطيا مع ضرورة ايلائه العناية الفائقة ...و كلمة السر.. انقلب الزمن صفرا.. التفتت إلى صديقها العجوز تستأذنه بان يسافرا معا إلى أصيلا... إنها مدينة ربما تتميز بالاعتدال و التوسط على مستوى نفقات الاستهلاك فضلا عن كونها مدينة هادئة تغري بالسلام النفسي .. فرح العجوز للفكرة التي تحمل في رحمها روح الاقتصاد أكلا .. مبيتا و تنقلا سيما عبر حافلة ألزا.. فقد تختصر المسافة في نصف ساعة ......انه يعرف المدينة جيدا لأنها وجهته الوحيدة صيفا للاستجمام بموسمها الثقافي... كانت الحافلة غاصة بالركاب و كم كانت نادية تستلذ بتوقفاتها المتكررة في المحطات الرسمية لأنها تذكرها بدفء الأيام العصيبة يوم كانت تتنقل بواسطة النقل الخصوصي بمعية عاملات من نساء الأرياف إلى معمل السردين المصبر المسترجع لانتهاء صلاحيته حيث يوجه إلى معمل صناعة أعلاف الدواجن... لحظات عاشقة للذكرى التي تشمخ بكل وفاء ل إجلالا لسلطان الماضي وبعد لحظة من السفر الروحي حيث كانت طريدة كوابيس الفقر اللاذع اذقاعا شب نزاع بين رجل كهل و سيدة في مقتبل العمر.. علم بعدئذ انه كان يتحرش بها مستغلا التدافع جراء عامل الفرملات المتكررة ... وقفت نادية أمام العجوز و ضحكت عاليا و هي تقول: ---- احمي ظهري من أنياب بشرية سيدي إغواء صاعق لفحولة تطاول حولها المشيب الأبيض... فكيف بثعبانه الأسود أن يسترد عنفوانه بين النوارس ؟؟؟... خنق الفرحة دواخله و همس بلغة التقي الورع : ---لم لم تتزود مثل هذه الحافلات بكاميرا المراقبة ضبطا للجناة إنها الوحيدة التي تجرأت على رفع صوت الاستنكار أما الغالبية منهن فالخجل يخرسهن خوفا من الفضيحة أو أنهن يستمتعن لذة من فعل ذلك...فعلا المرأة فتنة لأنها عورة ..فأينما لمستها كان نزغ الشيطان يلهي الواحد عن رؤية برهان ربه--- و كأنه يوحي لها بما لا طاقة له هو الآخر على كبح شعور لا يقاوم.... فردت واثقة فيما تدعيه من حجة لا تقبل الطعن : ---- كل الحافلات مزودة بالكاميرات التي تحدثت عنها الآن... إن تسجيلاتها اليومية يتم توظيفها بعد الاصطفاء و التصنيف في الشبكات الافتراضية كاليوتوب.. فيتقاضون بذلك أرباحا طبقا لعدد المشاهدات اليومية و تسجيلات الإعجاب المرافقة...الم اقل لك سيدي حتى العفيفة منا صارت دون علمها عاهرة ... بؤرة شر الرجال عقدة الجنس التي تلتف بألياف تفكيرهم ... فهناك من المرضى منهم من يظل طول يومه راكبا في الأتوبيس يختار خطوط النقل المزدحمة ذهابا و إيابا انعطافا و تعريجا ليس هذا إلا ليرضي عقدته المرضية في المواقعة الوهمية ...إننا زمن انهيار القيم .. انهيار التاريخ ...إننا عهد هذا الإنسان الأخير إذ ترانا غصبا نخضع لقانونه الجديد... إنها هوية أخرى قد سنت قيم مضادة للأصيل التليد فينا ؟؟؟؟. رد متجاهلا ضاحكا: --- الضعيف يذوب قهرا في ثقافة الآخر بفعل المحو و الانمحاء سيدتي...كيف لا و أنت تعلمين أن أرباب هذا النظام الجديد بالكاد قد وصلوا إلى أتون جاهليتنا الم يقل شاعرنا آنئذ فيما معناه -- اذا بلغ الفطام لنا رضيع تخر له الجبابرة ساجدينا ... جبابرة...و بفعل سلطة المحو قد سجدوا لأفلاذنا و هم في المهاد... --- الأيام دوائر سيدي : قالت مزهوة بألمعية تعليله مبتسما وشوش في أذنها و دفئ أنفاسه يدغدغ غشاء طبلتها : ---- نفس الخطاب يتكرر في الجامعة و الحافلة و سيتكرر أنى كان جمعنا.../ صراع بين السلطة و التاريخ... يتبع
----------------------- محمد القصبي 19/2/2017 القصر الكبير المغرب الأقصى