الزعيم و العملاق - محمد القصبي
-------------------------------- من رواية صدام ............الفصل 16
الزعيم و العملاق...
الغريب في الأمر أنها لم تنس قط صديقها الشيخ الذي توسمت فيه شعورا ساميا متحت منه دفء المؤانسة كرفيق في
درب الحياة الجامعية المفعمة بروح التجديد لأنساقها الفكرية المتشبعة باكراهات الواقع على اطلاقية اللفظ ..لديها إصرار عارم على المتابعة رغم أنها أصبحت إمبراطورة مجهولة الهوية إلا من اسم مستعار*– العملاق-* رعبا يملأ هوامش و بؤر عالم المعاملات السوداء في الجرائم البيضاء تصديرا و استيرادا دون إغفال للمهربات من مختلف أصناف السموم الفتاكة لمقدرات شباب الأمة...كانت تتقاضى من عشيقها الزعيم نسبة 25 في المائة عن كل عملية ... فضلت استئناف دراستها و بإمكانها أن تشتري جامعة بعمادتها حتى يدرس لها لأجل دبلوم مختار ما شاءت مثلما اشترى خليلها كل فقهاء القانون العام و الخاص لحمايته داخليا و دوليا ...و من غريب الأحداث المؤلمة فقد أصبح برلمانيا يجيد فن الترديد تهجية للحروف متى فضل طرح سؤال اجتماعي يوهم بفاعليته بنقل هموم منتخبيه إلى قبة البرلمان .. انه كالكائنات التي تصفق لتمرير أي قانون ضد مصلحة الشعب المصيرية.. فهل يستطيع أمثال هؤلاء تشريع القوانين العادية عماد مؤسسات الدولة و هو الأمي الذي لم يصل مستواه الدراسي السادس ابتدائي .. كان مجرد راع للغنم في مدشر في الشمال... انس من أهله الاتجار في القنب الهندي..لأن المناخ و التربة ملائمان فقط لمثل هذا النوع من الغطاء النباتي... نزل المدينة و استطاع أن يغسل أمواله في العقارات المتبثة ملكياتها في أسماء الأقربين أصولا و فروعا و كم كان يستلذ الاستهزاء من رجل التعليم متى التجأ إليه يفاوضه في شأن اقتناء شقة يتعلب فيها بمعية أسرته إلى ما شاء الله .. يغريه باسما ..-- الغليون بيده اليمنى و السبحة في اليسرى---: --- ما رأيك أن تشتغل معي بضعف المرتب و شقة بالمجان و تحفيزات لم تكن قط تحلم بها ؟؟؟ --- دع عنك الوظيفة ... اقبل على عالم الأموال و الأضواء بكافة الألوان ... الوظيفة هي لأهلها ممن لا زالوا يؤمنون أن قلة الرزق مع الضمان أفضل بكثير من ربح خيالي مهدد بالحرمان .... تنتابه هيستيريا الضحك حتى يبدو المدين مجرد نكرة سخيفة الحضور أمام سطوة ما يتميز به هذا المنعش العقاري من سمات فارقية في الوجود ..سمات تتباين اختلافا موغلا في التجنيس المريب بين كل من قيم وطنية زائفة و عبودية صامتة بليغة الإخلاص لرابط الوطن الموروث من قبل أمثال هؤلاء القروش رغم حياة الهالكين جوعا .. فقرا و ضياعا في الشوارع ..في المساجد.. في المقاهي و السجون .... أما نادية فكانت قلبا رؤوما بالجميع و لطالما هدأت تصفية لتلوث الأمزجة المنبوة تنافرا كلما اقتضى تدخلها واجب التلطيف و التشجيع على خلق المبادرات و التفاعل معها .. لأجل هذه الخصيصة وحدها كان الزعيم يستطيب نفسا لسرعة بديهيتها تغذية للحل الثالث مما يحفز على تقارب وجهات النظر بين سائر الفرقاء قبولا بالطرح المصلحي البديل كم كان وبلغة الإعجاب يصف للأصدقاء من العملاء ما يميز حضورها الذي هو كفيل بتسوية المواقف التي من شانها يتم إعداد أرضية خصبة منتجة لآثارها.. تضحى كل وضعياتها التعاقدية في غاية الانسجام إزاء الأطراف.. كانت دوما توصيه بتكثيف التبرعات لدور الخيرية الإسلامية و السجناء قصد التواصل بعملائه هناك و تسريب السلع داخل أسوار السجن...حيث كان يتاجر بمباركة المسؤولين المستفيدين من نسبهم كل حسب درجة فعله و استجابته..وعليه كان يتاجر في جميع الأشياء دون استثناء حتى في الهواتف فقد كانت تسرب فتكترى من قبل النزلاء ليس للتواصل مع الأهل و الأحباب بل لربط الاتصال بالعاهرات اللائي يظهرن على القنوات الفضائية فيتواصلون مع إحداهن من خلال الأرقام المبينة على أسفل الشاشة فيستمنون من خلال الدردشة الإباحية معهن ...هذا الزعيم يتاجر ايضا في استمناء من كتب الله لهم سلب الحرية داخل الزنازن... يتاجر حتى في مصائر خدامه متى أراد من احدهم أن يتحمل الجريمة عوضا عمن يرى فيه نفعا مميزا عن الآخر المتلبس بالجرم.وفي في رد الجميل إذ تراه لا ينسى أعوانه الذين يضحون من اجله مهما طال بهم الزمن في السجن يتكفل بهم و بأبنائهم و وواجبات تمدرسهم و تطبيبهم .. يعيلهم مما يعتال عليه فيبتهج الزمان حقا متى تدبر أمر اسر خدامه من المأسورين.. انه نظام اخر من عوالم الجريمة التي لها فلسفتها المخالفة صورة ووضعا... لم تع كيف تأثرت نادية / العملاق بهذا المزيج الأخلاقي بين الوفاء و الهمجية في صيانة الاعتبار الإجرامي بين كافة الشركاء و الفاعلين في المضمار.. و لأنها العملاق فلقد صارت ذات معاملات رقمية مهولة متعددة حساباتها الجارية في مختلف البنوك الوطنية و الدولية ... حققت السلطة لكنها فشلت في نيل شهادة تتبث كفاءتها الفكرية في صنع لبنة حضارية تنضاف إلى برج التطور الذي يسهر على بنائه أبناؤه الأوفياء للتاريخ و لصراع الرهانات المعاشة من دول الجوار ... لم تدرك نهاية بعد أن المادية جزء من اللعبة الرامية إلى مسخ الجوهر الأصيل في الإنسان... مما كانت معه القناعة على تغيير المسار... هكذا إذا انحرف بها القدر إلى حيث أرادت أن تحيا سيدة المجتمع ثأرا مما قدمته لها الوظيفة من وضاعة اجتماعية مفعمة بآيات الجوع و الرهاب مما ألزم وجوب الاخذ بقاعدة خيانة الضمير سيما في دولة شرعت للأغبياء من رجالات السلطة قانونا يلزم بضرب رجالات التعليم متى نادوا مكرهين تحت وطأة الحاجة بمطالب يضمنها الدستور ... خيانة عظمى سيحفظها التاريخ جراحا لن تندمل الا بمحاكمة عادلة قوامها الاقتصاص ... لأجل هذا استقالت فعلا تاركة منصبها الوظيفي لسيئ حظ مثل باقي زملاء المهنة.. يريد بذلك من خلالها أن يمارس فقط محاولة عيش..فالحلول محلها رسميا من أي كان كموظف تابع لوزارة الصحة الموبوءة بقذارة الاتجار في أمراض العامة صغارا و شيوخا سيكرس واقع المجاملة الصورية و النفاق المهني و اللعب على الفراغات لتكريس فلسفة التدمير للمنشأة العامة ... كمثال بمفهوم المخالفة نجد أن نادية لم تخسر الوظيفة لكنها تحررت من عبودية منظمة بمراسيم وزارية و قرارات إدارية... بمثل هذا وشوش الراوي للعجوز.بينما الأخير غاضبا فقد تساءل: --- أي منهما العملاق من الزعيم في هذا الفضاء ؟؟؟ قاطعه الراوي مصححا صيغة السؤال: --- بل قل متى نحب هذا الوطن بإيمان الشهداء؟؟؟؟
يتبع
------------------------------ محمد القصبي 14/2/2017 الرباط المغرب الأقصى