سور "
ستون".. رد أوروبي على سور الصين العظيم - د. صالح العطوان الحيالي
-------------------------------------------------------------------- يبلغ طوله 5.4 كيلومتر ويعد أطول قطاع لتحصينات مدينة أوروبية لا يزال باقيا على مر الزمن. قد يكون هذا الرد زائدا عن الحد قليلا عندما يطبق على الأسوار التي يمكن رؤيتها بوضوح في بلدة ستون الكرواتية بالقرب من دوبروفنيك، غير أنه لا يمكن لهذا السبب التقليل من روعة هذا البناء المشيد بغرض الدفاع. ويبلغ طول هذا السور 5.4 كيلومتر وتم تشييده ليحيط ويحمي بلدة ستون الواقعة جنوبي الإدرياتيكي في عصر جمهورية دبروفنيك الممتد خلال الفترة من القرن الثاني عشر حتى القرن التاسع عشر ، لكنه لا يمكن بالطبع أن يتنافس في الأهمية مع سور الصين العظيم الذي يمتد لنحو تسعة آلاف كيلومتر. ومع ذلك فإن سور بلدة ستون يعد أطول قطاع لتحصينات مدينة أوروبية لا يزال باقيا على مر الزمن ، وبعد عمليات الترميم التي استمرت لعدة عقود تم افتتاح السور بأكمله مرة أخرى مؤخرا أمام السياح. ويقول رئيس منظمة في دبروفنيك إيفو روميش كرست نفسها لتجديد وصيانة المباني والمنشآت التاريخية إن العمل لإعادة السور إلى حالته الأصلية استمر لفترة ثلاثة عقود وانتهى العمل فيه الآن أخيرا. وتولى روميش منذ فترة مهمة العناية بأسوار المدينة في دبروفنيك، وفقدت الأسوار الآن نصف طولها الذي كانت عليه أصلا عندما شيدت ومع ذلك حظيت بوضعها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ ثلاثين عاما ، ويقول روميش إن حوالي 765 ألف زائر تجولوا على طول هذه الأسوار ، وأن منظمته تعتزم القيام بحملة إعلانية ترويجية حول السور. وتم تشييد "أسوار ستون" كما تعرف بشكل رسمي في القرن الرابع عشر في وقت كان فيه نفوذ دبروفنيك في منطقة حوض البحر المتوسط يتوازي تقريبا مع نفوذ مثلها الأعلى الكبير فينيسيا. وتم سد المدخل إلى شبه جزيرة بليشاك بهدف حماية منخفضات الأرض القديمة المستخدمة في إنتاج الملح وذلك في وقت كان الملح موردا ثمينا، وفي هذا الصدد يؤكد سلوبودان بافلوفيتش الذي يسلم تذاكر دخول الزوار مقابل 30 كونا وهي العملة المحلية أي ما يوازي خمسة دولارات للتذكرة أن أهمية الملح وقتذاك كانت تضاهي أهمية النفط في العصر الحالي، وثلث إيرادات دبروفنيك كانت تأتي من بيع الملح. ويستمر استخلاص الملح خلال شهري يوليو وأغسطس كما كان الحال عليه منذ ألف عام، ويتم ضخ مياه البحر داخل 11 من الأحواض المسطحة وتترك حتى تتبخر المياه ثم يتم كنس حبات الملح البلورية وجمعها وبيعها في منافذ محلية، وينتج عن هذه العملية نحو 55 طنا من الملح كل يوم. ولم تشكل بلورات الملح الرائعة ناصعة البياض كتلا بسبب نظافة المياه ويعد الملح صحيا، وتم إطلاق أسماء القديسين على أحواض الملح، وتم إطلاق اسم "الشعب" على أحد الأحواض لأن السكان المحليين لم يكونوا يدفعون في ذلك الزمن أي مقابل نظير استخدام الملح. ويأمل السكان الذين يعيشون داخل أسوار ستون ويبلغ عددهم 4000 نسمة في أن تسفر عمليات الترميم عن حدوث ازدهار في عدد السياح الذين يقومون بجولات سيرا على الأقدام في هذه المنطقة، وتحسنت الأمور كثيرا منذ وقوع زلزال شديد العام 1996 أسفر عن تدمير معظم مباني البلدة. واضطر السكان إلى الإقامة في مساكن مؤقتة لعدة أعوام خارج البلدة كما أدت هذه الكارثة إلى الإسراع بمعدلات هجرة أبناء البلدة إلى الخارج، وتم اليوم إعادة بناء البلدة بالكامل تقريبا ، وتعرضت الأسوار إلى أضرار محدودة من جراء الزلزال. واستغرق العمل في تشييد هذه الأسوار القديمة 18 عاما واشتهرت خلال فترة بنائها عبر القارة الأوروبية باعتبارها إنجازا بارزا لعمارة العصور الوسطى ، ودفعت جمهورية دبروفنيك أجورا للعاملين في بنائها ولم تجبرهم على تنفيذ العمل، ووراء الأسوار السميكة والتحصينات ظهرت بلدة جديدة تم التخطيط لها بعناية وهي تعد نموذجا نادرا للمعمار الأوروبي وقتذاك. وأفل نجم الأسوار العظيمة في القرن التاسع عشر عندما وقعت بلدة ستون تحت حكم إمبراطورية هابسبرج ، ويوضح بافلوفيتش إن حكام هذه الفترة لم يشعروا بالأهمية التاريخية لهذه الأسوار وباعوا كثيرا من أحجارها كمواد بناء للمنازل الجديدة، وكان صوت بافلولفيتش يمتزج بالغضب لدرجة أن المرء قد يعتقد أنه لا يزال يشعر بالغضب إزاء ما حدث.