صبرا جميــلا ـ 1 ـ - صفية قم
------------------------------
ودّع عائلته بعد أن ارتدى زيّ العمل الرّسمي وحثّ الخطى نحو الباب... استوقفته زوجته الشّابة لترسم على وجنتيه قبلات هذه الليلة وارتمى الرّضيع على صدره ضاحكا مداعبا معانقا... على عجل وضع القبّعة ونزل الدّرج بخفّة... في آخر السلّم تذكّر أنّه لم يخبر زوجته بأنّهم مدعوّون غدا لتناول الغداء مع والدته التي لم تره منذ زمن... قفز السلّم برشاقة وطرق الباب طرقات متتالية... هرع الجميع إلي الباب حتّى النّيام يستجلون النّبأ وما إن سمعوا صوته حتّى هلّلوا وارتمى الصّغار بين أحضانه مطالبين بنصيبهم من الحلوى وفواكه السّهرة... قبّلهم جميعا كما لم يقبّلهم قطّ وأسرّ لزوجته ببعض همس وهو يعد أطفاله زغب الحواصل بهدايا رائقة، غدا ويوصيهم بأن لا يزعجوا أمّهم، حبيبته... ثمّ ربّت على كتف زوجته وأوصاها خيرا بنفسها وبأطفالها وغادر سريعا وهو يتفحّص ساعته كمن يستمهلها رويدا... وجد زميله في انتظاره على ناصية الشارع المؤدّي إلى مركز العمل... قبّله على غير عادته وسأله عن صحّة والدته المريضة وعن موعد عقد قرانه على حبيبته التي انتظرته طويلا وحثّا الخطى حتّى يكونا في الموعد... لا أحد يغفر لهما ولكلّ زملائهما التأخّر... إنّهم من حماة هذا الوطن الذي تبعثرت أركانه وتشظّت قواه!!! وصلا الثكنة والتحما بزملائهما وعزموا على قضاء ليلة بيضاء، لا أنيس لهم فيها سوى قلوب دافئة وأمل في أنّ الآتي سيكون أبهى وبعض موسيقى خافتة من هواتفهم الجوّالة... فوجئوا، كغيرهم من أهل المدينة بأصوات شماريخ تخترق الفضاء وترسم رسوما بهيّة... تفاءلوا خيرا ونظر بعضهم إلى بعض متسائلين في دعابة إن كان العيد قد هلّ!!! ثمّ انشغلوا بسرد همومهم ورمضان على الأبواب، والجيب شبه فارغ... لكنّهم لم يفقدوا الأمل في أنّها ستُفرَج وأن لا بدّ من صبر ومجالدة وتضحيات من أجل الأبناء والأحفاد، عماد هذا الوطن وتواعدوا على المثابرة!!! كان آخر عهدهم بالحياة، حين كانوا يرسمون أحلاما يانعة وهم يتابعون رقصات الشماريخ الذّبيحة، بينما كانت طلقات الجناة تمزّق الفضاء وتدكّ الأرواح دكّا!!!
مساكن، في 28 ماي 2014