أنـــا والـصَّـــــدى - الشاعر حسن منصور
------------------------------------ وأنْتَ أَمـــامي أُفـكِّــرُ فـــيـكْ || وَأنتَ وَرائـي أُفـكِّــرُ فــيـكْ وأنتَ تُحـيــطُ بكلِّ خُــطـــايَ || وفي كُلِّ نَـبْـضي أَنا أَلْتَقـيكْ هـواجِـسُ نفْسي تَدورُ علــيكَ || ومُنذُ الطُّـفــولَةِ إِنّي أَعـــيكْ أراكَ تُحَــوِّمُ فـوقَ خَـيالِي || وتَرْسُمُكَ الشّمسُ فوقَ الشُّكوك فــأنْظُـرُ نَحـوَ السَّماءِ مَــلــِيّـاً || لـعـلّي أراكَ كَـمـا أرْتَجـيـك ولكنْ أَرى الشّمسَ تَبهَرُ عَيني || وما كانَ يُبْديكَ صارَ يَقيك **** رأيْـتُـكَ يومــاً أمــامي تَســيرُ || بَعــيدًا بعـيـدًا ولَمْ تَنْـتَظِرْنِي فأسْرَعْتُ خَلفكَ كَالبَرقِ أعْدو || أُناديكَ: مَهلاً! فَلمْ تَسْـتَمِعْني وما إنْ دَنَوْتُ وقُلتُ وصَـلْتُكَ || حَـتّى اخْـتَفَـيْتَ ولَمّا تُجِـبْني فـهـلْ أنتَ تسْمعُ مـاذا أقـــولُ || أتَسمَعُ صَوْتِي ولَهْفةَ عَـيْني أتسْمعُ نَجْوى فُؤادي الشَّغوفِ || أتسمعُ روحي ونَفْسي وذِهْني وهــلْ أنتَ فِيَّ ولَسْتُ أراكَ || وهـلْ أَنـا فـيكَ أُفـتِّشُ عـنّي؟! **** لقدْ صَدِئَتْ بِالْحَوادِثِ نفْسي || فَروحي تَئِنُّ وصَدري يَضيقْ وأنْظُرُ حـوْلِي لعَـلَّ صَديقاً || سيَسْمعُ صوْتِي، وَما مِن صَديقْ أُحَــدِّقُ في كُـلِّ وجــهٍ أَراهُ || بِلَهْـفَـةِ طفْــلٍ أَضاعَ الطَّـريق وأرْجـو التَّعَلُّـقَ منْها بِشيءٍ || كَـما تَـتعـلَّـقُ أيْـدي الغَـــريقْ ولكنْ وجـدْتُ التَّـشبُّثَ شَيْئاً || بَعـيدَ الْمَــنالِ وَمـا لا أُطـــيقْ ولَمّا يَئِسْـتُ وكِدْتُ أَغوصُ || وجَـدْتُـكَ تُشْعـلُ فِيَّ الْحَـريقْ! **** فقُلْ لِي بِرَبِّكَ مِنْ أيْنَ تَأْتِي || وكــيـفَ تَجيءُ بِغــيْرِ انْتِـظارِ لِماذا أَتَيْتَ وأيْقَظْتَ روحي || وَأَجَّجْتَ عزْمي وأشْعلتَ ناري وكيفَ عـرفتَ بِأنّي أُعـانِي || وكيفَ أتَيــتَ إلَى عُـقْـرِ داري وكيفَ أضاعَـكَ مَرُّ السّنينِ || وكـنـتُ نَسـيـتُـكَ بعـــدَ ادِّكــارِ فكيفَ احْتفظْتَ بذاكَ الوَفاءِ || ولَمْ تَـنْسَ وَجْهي بذاكَ الغِمارِ؟! قَرَنْتَ الوَفاءَ بِدهْرٍ عَصيبٍ || فــفِعْلٌ عَـظيمٌ وحُسْنُ اخْـتِـيار! **** أَسيرُ ـ وأنْتَ مَعي ـ مُطْمَـئِـنًّا || كَأنّي وُلـــدْتُ بِعـمْــرٍ جَــديدْ ومَهْما اكْفَهرَّتْ وُجوهُ اللَّيالِي || فلَسْتُ أخافُ الدُّجى والرُّعودْ ووَجهُكَ نَجْمٌ ثَوى في خَيالِي || وفي أفْـقِ عَـيْني يَشُقُّ السُّدودْ إِلى أنْ أَتى الفَجرُ والدِّفءُ فيهِ || وبَسْمَةُ شَمْسِ الصَّباحِ الوَليدْ وقَـبْلَـكَ ما كُنتُ أبْصِـرُ شيْئاً || بِهــذا الْجَـمالِ النَّـقيِّ الْفَـــريـدْ فعُمْري جَديدٌ وعزْمي حَديدٌ || وَدَرْبِي أَكــيدٌ وخَطْـوي رَشـيد **** وأنْظُـرُ حوْلِي أَمامي وخَلْفي || لعَــلّي أَراكَ كَلَـمْـــحَـةِ نــورِ أُحِــسُّ بأنَّـكَ تَمْـــلأُ عَــيْــني || وأنَّكَ تَأْسِـرُ كُـلَّ شُـعــــوري ولكـنْ عَـشيـتُ فـلسْـتُ أَراكَ || وأنْتَ القَــوِيُّ بِهــذا الْحُضورِ أُريدُ التّحـقُّـقَ مِـنْـكَ عَــيـانـاً || لأَهْــزِمَ شيْـطانَ شَكّي الْمَريرِ لأُوقِــنَ أنَّكَ ما كُـنْتَ تَنْـسـى || وتَغفَلُ عنْ صَرْخَةِ الْمُسْتَجيرِ وهــلْ يَطْـمَئِنُ الْفَـتى لِنَعــيمٍ || يُشـاغِـلُهُ عَـنْ خَــفِيِّ الْمَـصيرِ؟! **** تَوَدَّدَ لِي صـاحِـبٌ وقَـــريبٌ || وكُـنْتُ سَعــيداً بِهـــذا الــوَدادِ فَهذا صَديقي وهــذا ابْنُ أُمّي || أَراهُمْ يُحِـسّونَ نَبْــضَ فُـؤادي وَليْسـوا يَغيبونَ عـنيّ فأَشْكو || ولَيْسوا يُطـيقـونَ يومَ ابْتِعـادي ولكـنْ مَشَـيْتُ طـريقَ الْحَـياةِ || فغـابَ الرِّفـاقُ وَضَلَّ اعْتِقادي وأصْبحْتُ وحْدي بأرضِ فَلاةٍ || أنا مَــنْ أَرى وَأَنا مَـنْ أُنادي وأنْتَ الوَحيدُ الذي صانَ وُدّي || فَـفـقْــدُكَ ليسَ كأَيِّ افْـتِـقــادِ! **** وَما كنتُ أنْسى زَمانَ السُّرورِ || ولَهْـفَـةَ نَفْـسي بِذاكَ الصَّفـاءْ كأنّي أُريدُ اغْــتِرافَ الْحَــياةِ || بِحِـسّي وَروحي صَباحَ مَسـاء وأمْـشي كأَنّي بِطـولِ الْجِبالِ || وأَحْـــيا كأنِّيَ فــوقَ الـفَــــناء ْ وَكِدْتُ هُنـاكَ أَضِـلُّ الطَّريقَ || ويَغْفو ضَميري وَيَطْغى البَلاءْ إلَى أنْ رأَيْتُكَ تَسمـو بِفِكْري || وَتوقِــظُ فِيَّ صَـدى الكِـبْـرِياء وتَدفَعُني في طريقِ الصُّعودِ || لأَمْشي ورَأْسي يَطـالُ السَّماء **** لوامِعُ مـنكَ تَلــوحُ وتَخْـــفى || ولكـنْ يَـظـلُّ سَناهــا مُقــيـمــا تَرى (عينُ ذاتِي) مَنارًا بِها || فيَهدي الغَريبَ ويَشْفي السَّقيما ويَحْمي مِنَ الغَيِّ، مِنْ شَرِّ دُنيا|| معَ الشَّهدِ دَوْماً تَدُسُّ السُّموما وَتَسْقيكَ كأسَ السُّرورِ ولكِنْ || تُمـيتُ الوَقــارَ وتُغوي الْحَكيما فهــلْ أنْتَ مِنْ عالَـمٍ لا يَزالُ || نَقِيَّ الضّـميِر، مُــحِـبًّا حَمـيما؟! أَفيضوا عَليْنا مِن الطُّهرِ شَيئاً || فـرُبَّ بَغِـيٍّ تَصيـرُ حَـشــيما! **** وأنتَ أمــامي أُفـكّــــِرُ فــيكْ || وأنتَ وَرائــي أُفـــكّــرُ فـيـكْ خَـفـيتَ عليَّ وَلِي قدْ ظَهرْتَ || وإِنَّـكَ لِي في حَــياتِي شَريك ولَـسْــتُ أراكَ ولكـــنْ أَراكَ || وأنْتَ لــــديَّ ولا أدَّعـــــيـك ولكــنْ بِـرَبِّــكَ لا تَـبْــتَـعِـــدْ || وَلَــب ِّ نداءَ الـذي يَرْتَجـيــكْ وإنّي أَجــوزُ صِراطَ الْحَـياةِ || وأسْـعى إلـــيكَ لكيْ ألْـتَقـيـك فكُنْ في ضَميري وكُنْ في حَياتِي || وكُنْ في سَمائي فأنْتَ الْمَليكْ!. ---------------------------------------------------- الشاعر حسن منصور [من المجموعة العاشرة، ديوان: (تقاسيم على مسيرة الزمن) دار أمواج2014م ـ ص31 ]