يوم شرّه مستطير - مالكة عسال
---------------------------- طُلِبَ مني وثيقة شخصية هامة من مخفر الشرطة،فتوجهت بحالي ومحتالي أي اللوازم التي تخصني ،حتى لاأوقظ حافظة العباقرة من يتلكؤون في إنجاز المهام الإدارية ،ولايستوفون خدماتها إلا بلمسة مالية ،أوغمزة فوقية تهبُّ عبر اللاسلكي في وعاء عمودي، أشدّ استقامة من عمود الكهرباء..أخذت مكاني في الصف ،بين الكهول والشباب والنساء أنتظر دوري ،وكُتَل من التأفف واللعنة تتراشق بها الشفاه ،كنت أحَملق في الوجوه العبوسة التي دثّرها الغَمّ ،ومسَحَ آخر قطرة فرح فتّحت بتلاتِها على الجبين ، وعبارات الشؤم والقرَف تخدش الأسماع.. ــ يلزمك ساعات لقضاء بُغية مُلحة في دقيقة ــ انظر كيف يتهاونون ويعطلون مصالح المواطنين ــ فالتوقيت المحدد للإدارات من 8و30 إلى 4 و30 دقيقة ،وهؤلاء لايملؤون مكاتبهم حتى 10 صباحا ،ويغادرونها مع 2 بعد الزوال .. ــ والله رائحة التسيبِ تتضوع في جميع الأركان ،الإدارات التعليم ،والصحة ؛ لامراقبة ولامحاسبة ،ولاقوانين صارمة تعيد العجلة إلى الطريق ... كانت أذني تتلقف الكلمات والألفاظ الغاضبة ،التي تنتزع نتفة من صمتي في همس ،تشاطرها طقطقات الآلات الكاتبة ،وأجهزة الكمبيوتر،وصريرالأبواب ،ونقرالأحذية على الإسفلت، وحفيف الأوراق المقذوفة في سلة المهملات ،أو المُرَصّفة في الملفات ..الزبائن يجوبون المكاتب بحركات غير مُرْضية ،وملامحَ يضمخها تَجَهّم مُنَفّر ،حين يظهر الرقم في لوحة التنظيم ، ينتفض صاحبها كمن لسعَه مخلب طائش، مهرولاً صوْب الموظف المسؤول،إمّا أن يَخرُج من حلقته بوجه بشوش ،أو يغادر المكان محمّلا بألوان الضيق والكَدَر، تعلو محياه مسحة من الكآبة ..والطّامة الكبرى إن اختل الميزان ،فلاترىَ ولاتسمع إلا ألفاظَ الحنق تتطاير من الطرفين ،فتضج القاعة بالهرج والمرج ، ويتعالى الزعيق والنعيق ،إلى أن تعود بنا الذاكرة إلى ألأسواق الأسبوعية .... بعد أن مرّت أمام عينيّ لقطاتٌ ومشاهدُ ساحرة ماكرة تضيق بها الأنفس ،غمَزَ رقمي ،فقُمت والقيام أحمد ،أدْلي بنسخة من بطاقتي في انتظار بقية الأوامر، حَدَقني الموظف بعينين كعيني ابن المقفع ،يغسلني بنظراته من كعب قدمي حتى القفا .. (( ياربي ماخطْب هذا الشخص، وماتخفيه هذه النظرات المرعبة المتلاحقة ؟؟)) بسطت عينيّ أرضا لاألوي على أحد ،أَتأمل حذائي المتآكل ،وسروالي الباهت ،تارة أدَحْرِج بليتَي عينيّ تحت المكتب ،وبين قيامة البشر، وأخرى أرسلهما إلى السقف، كأني أداري الموقف المخجل / المحرج ،أو أهَدّئ من ذُعْر اللحظة المفزعة ..دقائق معدودات ،رفَع صاحبنا السماعة ،وشوش والخياشيم تبتلع المسرودات ؛ لاأحد مِنا أدرك السِّر..طَفِر لسانه يمطرني بأسئلة لاعلم لي بجوابها ،ولاأدري البتة في أية خانة تصُب،ولا مِن أي منبع غرفها ، كان الرد في الغالب حزمة من اللاءات ..ماكِدت أبتلع آخر سؤال ،حتى وشّح معصمَيّ كبْل حديدي من الطراز الرفيع ،وساقني شرطيان إلى دَرَك المخفر ،لتبدأ محاضرة أخرى دون عنوان ــ أنت فلان بن فلان أب لستة أطفال ؟؟؟ هراء ازدرده مسمعي على مضض ثم أجبْت .. ــ إطلاقا لا ياسيدي، فأنا لي ابن واحد فقط فقط ،والسلطات لاتخفَى عليها مثل هذه الحقائق.. ــ مشكوك في أمرك حتى إشعار آخر .. زجوني مع قوم لاتعلم النفوس بأمْرِهم ،قضيت الليلة الأولى بامتياز أتجرع كؤوس النذالة ،فالليلة الثانية، ثم الثالثة إلى أن وسِعَني كرسي النسيان ..وحين بادرت لمعرفة وضعي ، تنكروا لي بِعَدَم فَهْم أي شيء .. انتبهت على صوت الموظف ينبهني بالنقر على مكتبه ، ــ أين جالَ بك فكرك سيدي، هات ثمن الوثيقة وتسلّمها من الشباك الآخر ... ناولته ماأراد ثم خرجت وأنا أبتسم لحمقي
-------------------------- مالكة عسال بتاريخ 19/12/2016