top of page
صورة الكاتبAdmin

مقابلة على الهواء مباشرة بين حماروإنسان - بقلم: فؤاد زاديكه


مقابلة على الهواء مباشرة بين حمار و إنسان - بقلم: فؤاد زاديكه

أراد الحمارُ يوماً إجراءَ حوارِ حضاريّ مع الإنسان، ليقفَ منه على خلفيّة الأسباب، التي تجعل معشر البشر، يستحمرونه،ناعتينه بأبشعِ النعوت و أسوأ الأوصاف، مستغلينَ هدوءَه و صبرَه و تحمّلَه. فأحضر ورقة و قلماً، ليضع رؤوسَ أقلام لأفكاره التي يريد طرحها على الإنسان، و كان كلّما دوّن بعض الأفكار، عاد فأتلف الورقة، ملقياً بها في سلّةِ المهملات. إنّه يعمل منذ عشرين عاماً كإعلاميّ لامع، في قناة الحمير الفضائيّة، فهو لم يشعر لمرّة واحدة، و في جميع اللقاءات و المقابلات التي أجراها، بما شعر به اليوم من إحباط و تبعثر أفكار و خوف مشوب بالحذر الشّديد. حاول أن يجمع رباطة جأشه، و أن يركّز أفكاره، لكي لا يخرج فاشلا من هذه المقابلة، فيتأكد بذلك اتهام الإنسان له بالغباء و عدم الفهم.

نظر الحمار المضطرب إلى كومة الأوراق، التي ألقى بها في سلّة المهملات، و هو يقول في نفسه: لماذا أنا خائفٌ اليوم و إلى هذه الدرجة؟ هل سأترك الإنسان يستمر في سخريته بي، و في احتقار اسمي كما اعتاد؟ أم أنني سأبيّن له, إنَّني لست أقلّ منه حنكةً و ذكاءً؟ بعد فترة تأمّلٍ طويلة، قرّر الحمارُ أن يجري المقابلةً ارتجاليّاً، دون تحضيرٍ كتابي، أو وضع أسئلة محدّدة قبل المقابلة، معتمدا على, ما يعتقد أنّه سريعة بديهة لديه، فهو سيستخلصُ أسئلته من أحشاء الحوار، الذي سيجريه مع هذا الإنسان. نظر الحمارُ إلى ساعته، لقد بقي لديه قليلٌ من الوقت، شاء أن يقوم بالاستفادة منه، في تهدئة نفسه، و في تركيز فكره. مضى الوقت بطيئاً، و كانت عدسات التصوير حُضّرت، و الكادر الحماري الذي سيقوم بمعاونة الحمار المذيع، من مصورين و مخرجين و حمير التخصص في الصوت و الديكور و غيره، كان الجو المخيّمُ هادئاً و رومانسياً، فيه الكثيرُ من أجواء الراحة و الاسترخاء. دخل الإنسان إلى غرفة المقابلة فاستقبله الحمار بحافر الترحيب، و هو يبتسم له قائلا: إنها فرصة سعيدة أن ألتقي بك اليوم يا سيدي الكريم. فقابله الإنسان بترحاب لا يقلّ عن الذي قابله به الحمار. لكنه بادر الحمارَ بالسؤالِ عن سبب هذه المقابلة، فهي فريدة من نوعها، إذ لم يسبق أن أجرى حمار أو أيُّ حيوانٍ آخر مقابلة مباشرة على الهواء مع أحد أبناء البشر. فردّ الحمار مبتسماً: لا تستبق الأمور، فسوف تعرف كلّ شيء من خلال هذه المقابلة. _ متى تريد أن نبدأ؟ سأل الحمار الإنسان. _ كما تريد أنت! أجابه الإنسان. _ هل أنت مستعد؟ سأل الحمار. _ نعم. أجاب الإنسان. واحد... اثنان... ثلاثة. _ ما الفرق بيني و بينك أيّها الإنسان؟ _ و هل هذا سؤالٌ يُسأل؟ _ لماذا هذا ليس سؤالا يُسأل؟ _ أنت كحمار تعرف كم الفرق بيننا كبيرٌ. فلماذا تسأل؟ _ أنا لا أرى أيّ فرقٍ بيننا يا سيدّ إنسان. _ (الإنسان منفعلا) كيف لا ترى فرقاً بيننا؟ _ إذا كان هناك فرق واضح و مميّزٌ و معقول، فأرنِ إيّاه؟ _ طبعاً هناك فرقٌ غير معقول بيننا، فأنت حمارٌ لا تفهم، فيما أنا شخصٌ عاقلٌ و مُدركٌ، أعي و أميّز بعقلي ما الذي يجب عليّ فعله، و ما لا يجب أو يجوز. _ و هل أجاز لك عقلك أن تقبل بإجراء هذه المقابلة و على الهواء مباشرة مع حمار؟ (شعر الإنسان بحرج من هذا السؤال، لكنه حاول، و ليثبتْ حقيقة وجود هذا الفارق, بينه و بين الحمار، أن يتجنّب الحرج بابتسامة خفيفة) _ لماذا تبتسم؟ هل هناك ما يدعو إلى الابتسام و الضحك؟ زاد الحمار من حرج الإنسان، و مِنْ زيادة في تعقيد موقفه. _ أنا أريد فقط ألا أردّ على سؤالك حول قبولي إجراء هذه المقابلة مع حمار. _ أنت حرّ في أن تجيب أو لا تجيب على سؤالي, لكن ليكن في معلومك بأنّ أيّة محاولة في التهرّب من أسئلتي, التي قد تكون محرجة, لن تكون في صالحك بالنهاية, فهناك ملايين من البشر و الحمير و معشر الحيوان, يشاهدوننا على الهواء مباشرة في هذه اللحظة. - الإنسان كما تعلم, شخصٌ واعٍ و عاقل, يفهم أمور الحياة و يقوم بالاختراعات و بأشياء مذهلة في العالم من أجل تطوير و تقدم عجلة الثقافة و العلوم و الحضارة. أما أنتم كحمير ما الشيء الذي تقدمونه للحياة من فائدة؟ - _ لا أستطيع نكران أنكم تقدمون أشياء كثيرة جميلة و مفيدة و لصالح الحياة ككل. لكن لديّ سؤال لو سمحت, بل أسئلة كثيرة. - _ ما هو ما هي هذه الأسئلة؟ تفضّلْ! - _ أسأل موضّحا, و أوضّح سائلا: أنتم تقدمون بيدٍ أسباب تقدم الحياة و تطورها, و كلّ هذه العلوم و الإنجازات المذهلة التي أشرتَ إليها, لكنكم في النهاية تستخدمون اليد الأخرى في تدمير كل ما بنيتموه. من خلال الفساد و الحروب و الاختراعات المدمرة التي, تبيد الحجر و البشر و الحيوان و النبات. هل في هذا صواب يا سيدّ إنسان؟ ثمّ هل ترى في مجمع الحمير حماراً يقتل حمارًا أو يسرقه أو ينهبه أو يقهره أو يعتدي عليه و على ما لديه؟ هل رأيت حماراً يقود جيوشًا لغزو بلدان أخرى أو ينفق ما لا حدّ له من الأموال على إنتاج أسلحة دمار شامل تهدّد الكون برمته بالزوال؟ هل رأيت حماراً يرفض أمر إنسان بأن يركبه و يسوقه إلى حيث يشاء تلبية لخدمته؟ هل رأيت أو سمعت عن حمار يشتم أخاه أو صديقه أو يعتدي على حرمة و أعراض الآخرين؟ هل ترى في طاعتنا لكم و صبرنا على تحمّل مذلّتكم لنا, جبنًا و حمرنةً و استغباءً؟ أنت تعرف أن الله خلقنا من أجل خدمتكم, فهل خالفنا أوامر الله, أو عكّرنا صفو أسباب الخلق, كما يفعل بني آدم؟ أنتم تقتلون و تسرقون و تنهبون و تعتدون على غيركم, و تفعلون كل ما حرّم الله و تتلاعبون بالقوانين وفق مصالحكم و تتكالبون على مزيد من الربح, تبيعون من أجل ذلك أخلاقكم و شرفكم و ضميركم. نعم تقدمون خيرا, لكنكم تقومون بتحويله في النهاية إلى شرّ و خراب و دمار و سفك دماء و أطماع لا حدود لها. هل ترى في عالم الحمير شيئاً من هذه الصفات و الأفعال؟ إنّ عالم الحمير يتمتّع بالصبر و الجلد على تحمّل اعتداء الإنسان عليه, يقبل بالمذلة و الإهانة و يتحمّل كلّ هذه المعاملة القاسية, دون أن يقوم بردّ معاكس, بل هو يتحمّل كلّ ذلك من أجل أن يبقى الإنسان سعيداً, أي نحن نضحي من أجلكم في قبول و تقبّل كل هذه المعاملة السيئة منكم يا سيّد إنسان. - نحن لا نكذب و لا نسرق و لا نقتل و لا نخون و لا نتاجر بالشرف و لا نستغل كرامة الإنسان و لا نغتصب الصبية و النساء و لا نفرّق بين الناس و الأجناس. هل هذه الصفات فينا غير حميدة؟ و هل الذي فيكم من صفات, و عندكم من ممارسات هي أشرف, و أكثر إنسانية, و أرحم من هذي التي عندنا؟ إذا استطعت أن تجيبني على هذه الأسئلة صادقاً دون لفّ أو دوران فإني سأوافقك الرأي بأنكم أفضل مني يا سيد إنسان. - وقف الإنسان حائراً أمام هذا الكم الهائل من التهم, و السيل المتدفق من الدلائل و الوقائع التي ساقها له, لم ينبث ببنت شفة, إذ علم بأن الفرق بينه و بين الحمار لا يجب أن يكون نظرياً, بل عمليّا و تطبيقيّا أيضًا. إنَّ كلّ ما قاله الحمار, عن تصرفات الإنسان و أفعاله صحيح تماماً, ليست لديه إجابات مقنعة, فالدلائل ضده دامغة لذا قرّر الانسحاب من المقابلة, معترفاً بأنه كإنسان يحتاج إلى الكثير من التغيير في نمط سلوكه و أفكاره و أخلاقه لكي يصل إلى مقام الحمار. - شكر الحمار الإنسان على حضوره و على صبره و تحمّله و لم يتطاول عليه بالكلام, بل حاول تعزيته و الشدّ على يديه لكي يفعل شيئا من أجل حصوله على ميزة هذه التسمية النبيلة (إنسان) إن الإنسانية ليست قولًا و تفاخراً و عنجهيةً, و إنّما هي خيرٌ و حقٌ و عدلٌ و أخلاقٌ. - خرج الإنسان من عند الحمار و هو معجبٌ بذكائه و حنكته و براعته في الأداء, و حسن منطقه في التعبير, و في سوقه الحجج و الأدلة القوية, التي لا تترك مجالًا لأيّ اعتراض أو تسويف.


٥٢ مشاهدة٠ تعليق

أحدث منشورات

عرض الكل
bottom of page