لحظة تأمّل
بقلم/ فؤاد زاديكه
----------------------
"في عام 1220 م صلبَ أمير الموصل بدر الدين لؤلؤ المفريان مار أغناطيوس الثالث داود" "في عام 1236 م أطلق أحدُ الأكراد سهمًا أصابَ المفريان مار ديونو سيوس صليبا و مات متأثّرًا بجراحه" "في عام 1740 قام الأمير محمد بك البختي في جزيرة ابن عمر بقتل المفريان مار باسيليوس شمعون المانعمي" و في العصر الحاضر رأينا أكثر من جريمة اغتيال بحق أشخاص يحملون أفكارًا تحرّريّة و تنويريّة تناهض الكراهية و التخلّف و الظلاميّة الفكريّة و تدعو إلى الانفتاح و التعاطي مع الآخر على أساس الاحترام المتبادل و القبول دون إقصاء أو تكفير لأنّ الله خلق الإنسان حرًّا و قد يكون الاختلاف سياسيًّا و قد يكون دينيًّا أو غيره و من هؤلاء على سبيل المثال: اغتيال ناهض حتر يوم الأحد في 25/9/2016 بتهمة نشر مادّة مسيئة اغتيال الناشط التونسي حسام السعيدي بالجزائر في ظروف غامضة اغتيال الناشط السياسي التونسي المعارض للاخوان المهدي زيو اغتيال الناشط المدني باسط بوذهب إثر زرع عبوة لاصقة في سيارته. وكان بوذهب شغل مهمة الناطق الرسمي لمؤسسات المجتمع المدني في درنة اغتيال الزعيم السياسي و الناشط الحقوقي شكري بلعيد ، الذي كرس حياته للنضال من أجل العدالة الحرية والديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
و غيره كثير و قد جئنا بنماذج مختلفة على سبيل المثال لا الحصر. إنّ الرجل الجاهل لا يستوعب الحياة و لا أفكارها و ما يحصل بها من تطوّرات و ما يتمّ إنجازه من تقدّم يصبّ جميعهُ في خانة مصلحة الإنسان و سعادته و راحته, و الشخص من هذا النوع و قد تربّى على فكر كراهية الآخر و عدم القبول به و - هو فكرٌ إقصائيٌّ ظلامي لا يستطيع أن يأخذ و يعطي مع الآخر بأسلوب حضاري أو تعامل سلوكي مقبول- و كاسرع الحلول و أبسط النتائج و القرارات هو أن يلجأ على الفور إلى المقاطعة و المعاداة و التشكيك و من ثم التخوين و التكفير و كأنّه الحاكم بأمر الله. بهذا العمل و السلوك و هذا التوجّه الفكري يكمن كلّ الضعف و العجز و هذا ناجمٌ عن الغباء الفكري و عدم الوعي, لكونه عبدًا للجهل يأتمر بأمره و ينفّذ ما يلزمه هذا الفكر الترهيبي و الإرهابي في آنٍ معًا, فهو أعمى البصيرة مرتكزًا بدعاوى و أفكار يرى من خلالها أنّ له الحقّ بممارسة أيّ تصرّف أو سلوك ناسف لكلّ من يعارضه أو لا يوافقه الرأي و الفكر و التوجّه, و كأنّه يعيش ضمن أحكام شريعة الغاب, و يمارس هذه الشريعة كحقٍّ له مكتسب بل ممنوح من الآلهة. إنّ الله أراد للنّفس البشريّة أن تتمجّد و تتقدّس و تُحْتَرَم لأنّها على صورة الله التي خلقها و هي صورة الخير, أي أنْ يتمّ التعامل معها باحترام و ليس بما يدعو إلى هدم قيم الخير لدى الإنسان. إنّ الرّغبةَ بالقتل و السّعي إلى التحريض من أجل اغتيال الآخرين و قتلهم أو الاعتداء عليهم و التعرّض لهم, من خلال إثارة دعاوى و ترّهات فكريّة حمقاء إنّما يمسّ هذه الرّوح الخيّرة بالضّرر و يؤذيها بخلاف ما يجب أن يكون, و إنّ مثل هذه السلوكيات و الممارسات تُغضب الله حتمًا و ليس كما يعتقد هؤلاء بأنّها تُرضيه, فأيّة فكرة أو توجّه يدعو إلى القتل ليس من عند الله, فهو عمل محرّم و إجراميٌّ و منبوذ إجتماعيًّا و أخلاقيًّا و دينيًّا. فإذا كان الله يدعو إلى القتل فلماذا خلق الإنسان و على شكله من صورة البرّ و التقوى و الفضيلة و الجمال؟ إنّ مَن يقتل نفسًا بشريّةً فكأنّما يقتل روحَ الله في هذا الإنسان. فإلى متى سيستمرّ هذا الفكر الظلامي الأسود؟ و إلى متى سيبقى البعض آلةً و أُلعوبةً بيد الغير يأمرونها لتنفّذ و يهددون الآخرين بالقتل إنْ هم اختلفوا معهم بالرأي أو بالفكر أو بالمعتقد؟ منظومة الحقد السائدة لدى هؤلاء لا تجعلهم قادرين على التمييز بين العلم و الجهل و لا بين الخير و الشّرّ و لا حتى بين الجمال و القُبح, فهؤلاء برابرة يتلذذون بسفك الدماء و يشعروب بالرّاحة إنْ هم فتكوا بخصومهم و صفّوهم جسديًّا و يرون بذلك نصرًا إلهيًّا و راحة ضمير و تأدية واجب. من خلال فتاواهم المريضة و المبتذلة تتلطخ أيديهم بدماء بريئة طاهرة لم تؤذهم و لم تتعرّض لهم, فإلى متى سيظلّ هؤلاء القتلة غير معترفين بهمجيّة تصرفاتهم و غير مُقرّين بعدم جدواها؟ إنّ هذه الرّوح الآثمة و الراغبة بالفتك بالبشر هي آلة الشرّ الشيطانيّة, التي لا تريد وجه الخير للبشريّة و لا تشعر بروعة جمال الحياة لأنّها مهيّأة من أجل الشرّ و الأذى و العبث بحياة الآخرين. الحوار بين البشر يكون الطريق الأقوم و الأسلم على الدوام لحلّ الخلافات و المشاكل و لتقارب الرؤى و الأفكار, و ليس القطيعة و التكفير و هدر الدّماء. لماذا لا يستطيع البشر استيعاب بعضهم البعض؟ إنّ الذين يتشدّقون باسم الله و الدّين و ما إلى ذلك من مبرّرات ضحلة غير مقبولة و غير معقولة إنّما يُغضبون الذات الإلهية و يسيؤون للبشريّة و يدمّرون القيم الفكريّة و الحضاريّة و يهدمون السلام و الهدوء و يخرّبون المجتمع. إنّهم آفات ضارّة في المجتمعات التي يتواجدون فيها, هل يكون مبرر القتل لكون هذا الشخص من دين آخر أو مذهب آخر أو معتقد فكري آخر أو توجّه سياسي آخر؟ إنّنا نعيش في ماساة حقيقيّة و على كلّ صاحب فكر حرّ و رأي متنوّر أن يُشير إلى هذا الخلل و يقترح الحلول التي يمكن أن يراها مناسبة و معقولة و ناجعةً من وجهة نظره لهذه المأساة, فالسكوت عن الجريمة جريمة و غضّ الطرف عمّا يجري من انتهاكات بحق الفكر الإنساني جريمة لا يجب أن تمرّ هكذا مرور الكرام بلا محاسبة أو عقاب. مَن يمارس العنف ضد الآخرين لا يجب أن يستغرب عندما تكون ردّة فعل الآخرين بهذا الاتجاه أو تأتي على غير هواه, فكلّ إنسان له حقّ الحياة و حقّ العيش بحريّة و متى يتمّ قهر حريّة الأفراد فقد تكون لديهم ردود فعل غير محسوبة. و متى برّر هذا الشخص أو غيره فعله الإرهابي و التكفيري المجرم بمنطق دعوى الدفاع عن النّفس أو المعتقد أو الفكر أو الدّين, فإنّما هو لا يستند إلى أيّة عقلية و لا أيّ منطق أو قيمة أو قانون أو عُرف أخلاقي, فالقهر هو القهر و الترهيب هو التّرهيب و الإرهاب هو الإرهاب و القتل هو القتل و التكفير هو التكفير ليست لها مسمّياتٌ أخرى, مهما كانت المبرّرات أو الأسباب المُعلن عنها علنًا أو بالخفية.