-حينما يدق الخريف الأبواب –
حينما يطل علينا الخريف نفتح نوافذنا لاستقبال هوائه المنعش وعطره الفواح ، ورغم تساقط أوراق الشجر وتكاثف السحب في السماء فان للحريف نكهة خاصة بما يحمل في طياته من عذوبة وحلاوة ، فهو يقدم علينا على أنقاض صيف قائظ طويل . ولعل ليالي الخريف هي الأكثر سحرا وجمالا نستمتع بساعاتها كأننا في لحن أسطوري بديع النغمات فيحلو للنفس أن تناجي ما يساورها من آمال وأحلام . ومع ذلك فان أيامه الأخيرة تفتح بابا للشتاء نكون قد أوصدناه منذ زمن الا أنه يقتحم علينا حياتنا ليؤكد لنا حقيقة تعاقب الفصول . يقال عن الانسان حينما يتعدى مرحلة الكهولة أنه في خريف العمر ، وهذا يعني انما تبقى من حياته هي بضع سنين على الأعم الأغلب ، تتلاشى فيه قواه وتضعف حواسه ، وقد يبطش به المرض لينال منه ما ينال . فما أشبه حياة الانسان بالفصول وكذا الحال في تاريخ الأمم ، ميلاد يشوبه ضعف ثم شباب فيه قوة ثم عجز فيه ضعف ثم موت فيه نهاية . انها دورة الحياة لا تحيد عن هدفها غير أننا في غمرة الأحداث نتناسى الحكمة الذهبية وراء ذلك وهي أن الطبيعة والانسان معا تحت قبضة الخالق الذي شاءت قدرته أن نخضع لنظام دقيق لا حيلة لنا في تغييره مهما أوتينا من علم وقوة ، انه النظام الألهي للكون بما في السماوات والأرض لا يحيد عن هدفه قيد أنملة . انه ليست لنا الا حياة واحدة وميتة واحدة ، ومع ذلك فان ضمائرنا في غفلة وعقولنا في تيه لنشكك في الحقائق الأولية التي ما فتأت ترعبنا رغم صدقها . ان السكون الذي يسبق العاصفة هو بمثابة انذار لنا جميعا بأن نكون على يقين بأن حياتنا تتأرجح بين السكون والعاصفة ، وأن دورة الفصول هي تنبيه للانسان بأن حياته الى أجل معلوم ليس الا ، وأن الأمم هي الأخرى في فلك هذه الدورة . يعطينا الخريف درسا فيه عبرة ، فكلما تساقطت أوراق الشجر تساقط معها عام من عمرنا وجفت معه ينابيع قوانا ، وأنه كلما تحول الطقس الى درجات حرارة متدنية ومعها سحب كثيفة فان حياتنا أضحت قريبة على النهاية . لا خلود لانسان ولا لأمة ، فهل نحن قادرون على ايقاف عجلة الزمن أم ترانا معاندين فحسب ؟ وأعود فأقول أنه رغم جمال الخريف فانه يخفي وراءه حزنا عميقا لعله يذكرنا بأن لكل شيء نهاية .