عودة الى عالم الطفولة --------------------- الطفولة غرس ان أحسنت رعايته أينعت ثماره وان أسأت رعايته لم يؤت أكله . وعهد الطفولة ولا ريب عهد براءة ونقاء ، فيه لهو ولعب ومرح لقلوب نابضة حية .. قلوب لا تعرف الحقد والبغض . وأحلى ما في الطفولة أنها تبقى في الذاكرة كالحلم الجميل الذي لا يريد أن يفارقنا وأنه كلما مضت سنوات العمر نجد أنفسنا في حنين اليها بل ونستذكر تفاصيلها . وعالم الطفولة عالم له سماته الخاصة في حركته وتفاعله وايقاعاته ، غير أن قيادة هذه الطفولة من لدن الأسرة أمر غير يسير ، ذلك أنه يحتاج الى فن في التعامل معها لتكون على وعي بمستقبلها وأخذها الى بر الأمان . ان الأبوين هما حصن هذه الطفولة وعليهما تقع مسؤولية حمايتها ، فان أحسنا اليها نمت وترعرعت وان أساءا اليها ذبلت وانطوت . ومنذ عهد لا يعدو العقود من السنين كان لهذه الطفولة جمالها ورونقها وتألقها ببساطة العيش ودفء السكن وما يرافق ذلك من طمأنينة وراحة . تحتضن الأم صغارها بحنان وتسقيهم من لبن صدرها ليكونوا قريبين من أنفاسها ، تداعبهم وتحنو عليهم وتسهر وتخاف أي مكروه قد يصيبهم . غريزة متأصلة في أعماقها ليكونوا امتدادا لحياتها . أما الأب فهو يقسو تارة ويحنو تارة ، يريد منهم أن يكونوا كبارا قبل الأوان ، يعاقبهم أن أخطأوا ويكد النهار كله حتى لا يجوعوا ولا يتعروا .. هو الناصح االأمين لهم ، يتمنى أن يكون غدهم أفضل مما هو عليه ويدعو الله أن يسترهم من كل مكروه وعلة ..نجاحهم نجاحه وفشلهم فشله ، وهو يتباهى بين أقرانه بأن له أبناء بارين متفوقين . وهكذا تمضي الطفولة على أمل أن تكبر وتنضج ويكون لها دور في قادم الأيام . واليوم بدأت الطفولة تتعرض لضربات موجعة في وطننا الذي بات مهددا حتى في أحلامه . أجل تحولت الطفولة في هذه السنوات المشؤومة الأخيرة الى عذابات وجراحات ، تعاني فيها أكثر الأسر التي فقدت معيلها بسبب أحداث العنف والاغتيالات فلم يعد لهذه الطفولة أب يحميها وراحت تذوق اليتم قبل أن تفتح لها الحياة أبوابها وتحت رعاية أم لا حول لها ولا قوة .. لذا وهم في أعمارهم الصغيرة الغضة تركوا مدارسهم باحثين عن عمل يشبع بطونهم وأهليهم ، يتلقفهم الشارع بكل مساوئه دون أن تحاول الدولة فعل شيء لأجلهم ، هكذا تركتهم الدولة لأقدارهم . فيا عجبي لوطن تهدر فيه الطفولة في وقت تتمتع فيه طفولة أخرى على أرض الوطن نفسه بنعيم وترف وتخمة وان كانت في آخر الأمر تؤدي الى افساد عقول وأبدان .. ويا عجبي أيضا لوطن لا يعطي للطفولة حقها المشروع في حياة كريمة فاضلة تظللها نسمات دافئة ويغمرها شذى زهور فواحة عطرة .